رسائل في دراية الحديث ج1 صفحه 9

تصدير

نظراً إلى أهميّة الحديث والسنّة في الثقافة الإسلاميّة، فقد احتلّ موضوع «علوم الحديث» مكانة رفيعة أيضاً. وقد اهتمّ علماء الدين منذ القديم بهذه المهمّة، وتناولوا دراسة الحديث ومشكلاته من زوايا متعدّدة. وأدّى ذلك على مرّ الزمن إلى تطوّر وغنى واتّساع علم الحديث بحيث تفرّعت عنه علوم متعدّدة مثل: دراية الحديث، رجال الحديث، مختلف الحديث، علل الحديث، غريب الحديث، فقه الحديث، وما إلى ذلك.
وقد حظي علم «دراية الحديث» باهتمام أوسع بسبب ماله من تأثير أساسي في تعيين مكانة الحديث وتشخيص سليمه من سقيمه.
والسبب الذي يدعو إلى مضاعفة الاهتمام بعلوم الحديث وخاصّة علم الدراية والرجال هو علمنا - استناداً إلى أدلّة نقلية مسلّم بها وشواهد تاريخية قطعية - أنّ عددا من الكذّابين والوضّاعين قد تلاعبوا بالأحاديث ونسبوا عدداً كبيراً منها إلى المعصومين وخاصّة إلى الرسول الكريم صلوات اللّه عليهم . ومما يدعونا إلى مزيد من الاهتمام بهذا الأمر، حديث منقول عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه:
«إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كُذِب على رسول اللّه صلى الله عليه و آلهعلى عهده... ثم كُذِب عليه بعده» .
ولاشكّ في أنّ التأكيد على فهم الحديث كان - ولازال - له تأثير بيّن في تطوّر هذا العلم ورفعته، حتّى أنّ مصطلح «دراية الحديث» مقتبس من كلام المعصومين صلوات اللّه عليهم. فقد قال أمير المؤمنين: «عليكم بالدرايات لا بالروايات» .
وقال الباقر عليه السلام : «يابُنيّ ، إعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم؛ فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان» .

رسائل في دراية الحديث ج1 صفحه 10

وقال الصادق عليه السلام : «حديث تدريه خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا، وإنّ الكلمة من كلامنا لتنصرف إلى سبعين وجهاً» .
وانطلاقاً مما سبق ذكره ألّف علماء الشيعة كتباً كثيرة، ورسائل وفيرة في هذا المجال، ورسخوا بذلك أُسس استنباط الأحكام الالهيّة والإسلاميّة وخلّفوا تراثاً حديثياً هائلاً وكنزا ثمينا من هذه المعارف، حتّى أنّه غدا يصعب على الباحث أن يحيط بكلّ من ألّف وكلّ ما أُلّف.
ومن المؤسف أنّ كثيراً من آثارهم مفقود، أو مجهول،أو طبع غير محقّق ومغلوط وكثيراً منها مخطوط على رفوف المكتبات العامّة والخاصّة، بعيدة عن أيدي الباحثين والطلاّب.
هذا ، وقد عزم مركز أبحاث دار الحديث، على تحقيق ما تيسّر له من ميراث الشيعة في هذا المضمار. ولهذا السبب ركّز اهتمامه أوّلاً على التعرّف على الآثار الشيعيّة المكتوبة ـ سواء كانت كتباً أو رسائل أو مقالات ـ والتعريف بها، ثمّ المبادرة بعد ذلك إلى نشرها على هيئة كتب مستقلّة. ويجري العمل حالياً على تحقيق ونشر رسائل مهمّة ممّا كان قد ألّفه علماء الشيعة في هذا الحقل.
يضمّ الكتاب الذي بين أيديكم مسرداً بجميع الآثار المكتوبة في علم الدراية، إضافة إلى مجموعة من أهمّ الرسائل التي أُلّفت في هذا المضمار. ويضمّ هذا المجلد بين دفّتيه أربع رسائل أصيلة ومهمّة. وستعرض رسائل أُخرى في مجلّدات تُفرد لها.
تمّ تحقيق هذه الآثار من قبل باحثين أفاضل في الحوزة العلمية. وانتهى العمل من جمع ووصف مصنّفات الشيعة في الدراية، وانجزت كذلك مهمة الاعداد والتنسيق والترتيب اللازم من قبل الشيخ الفاضل سماحة حجة الإسلام أبو الفضل حافظيان، بالتعاون مع الباحث البارع سماحة حجّة الإسلام والمسلمين علي أوسط ناطقي.
ولهذا لا يسعنا إلاّ أن نقدّم جزيل شكرنا لهذين الباحثين العزيزين وسائر المحقّقين الأعزّاء. ونسأل اللّه تعالى أن يتقبّل منهم ومنّا ، ويجعل هذا الجهد ذخراً لهم ولنا يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إنّه سميع الدعاء.
قسم إحياء التراث
مركز بحوث دارالحديث
ربيع الأوّل 1424
محمّد حسين الدرايتي