تفسیر ابی الجارود و مسنده صفحه 5

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

مدخل إلى تفسير أبي الجارود

قال الإمام الباقر عليه السلام : «إذا حدّثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللَّه»
عند إلقاء نظرة تحليلية على تاريخ التفسير لدى الإمامية، يمكن القول بأنّ الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام - من بعد عهد الإمام عليّ عليه السلام - يمثّل العصر الذهبي لعصور البحوث القرآنية؛ فكثرة الأحاديث التفسيرية في هذه الحقبة مقارنة بالحقب السابقة عليها واللاحقة بها، من جهة، والاتّجاه النقدي والتصحيحي الذي انتهجه الإمام الباقر عليه السلام ، إزاء التيّارات التفسيرية الاُخرى التي كانت رائجة في العالم الإسلامي آنذاك، والتي كان كلّ واحد منها يكتنفه نوع من الانحراف والنزعة الالتقاطية أو الترقيعية، من جهة اُخرى، كلّ هذا جعل من هذه المرحلة بمثابة منعطف مهمّ وحساس في تاريخ التفسير عند الإمامية، وهو ما ضاعف من أهميّة تراثهم العلمي .
وانطلاقاً من ذلك يُنظر إلى الجهود الرامية إلى إعادة إبراز الدور التفسيري للإمام الباقر عليه السلام في تبيين المعارف القرآنية، وتصدّيه للتيّارات الالتقاطية والانحرافية في مجال معرفة القرآن، بأنّها ضرورة لا مجال لإنكارها في مضمار الدراسات التفسيرية للإمامية؛ فإنَّ أمثال هذه الدراسات يمكنها أن تسلّط الضوء على الجوانب المغفول عنها في تفسير الإمامية في تلك الحقبة، وإثبات الجذور التاريخية لتفسير الإمامية وامتداده واستمراره في‏المدارس التفسيرية لذلك العصر، إضافة إلى استجلاء

تفسیر ابی الجارود و مسنده صفحه 6

المرجعية القرآنية للمعصومين عليهم السلام في فتح ما استغلق من القضايا التفسيرية.

ومن البديهي أنّ هذه المهمّة لا يتيسّر نوالها إلّا عن طريق الاطّلاع على التراث التفسيري لعهد الإمام الباقر عليه السلام وجهود أصحابه البارزين في مجال البحوث القرآنية؛ وذلك لأنّ ما اُنجِزَ من أعمال في البحوث القرآنية في تلك الحقبة التاريخية يمثّل مرآة تنعكس فيها جميع الأحداث، والوقائع، والتيّارات، والخطابات، والمعتقدات، والتطلّعات، والرؤى، ومابقي طيّ الخفاء من القضايا القرآنية، وتكشف عن كيفية مواجهة الإمام عليه السلام لها، كما أنّها ذات فائدة في تبيين النظرية التفسيرية لأهل البيت عليهم السلام .
ومن أشهر الأعمال في التراث القرآني في تلك الحقبة - وهو عمل يتّسع لمثل هذه التحليلات والمعطيات - هو تفسير زياد بن المنذر المعروف بتفسير أبي الجارود، والذي يتناول في معظمه الروايات التفسيرية للإمام الباقر عليه السلام ، ولكن أصبح من المتعذّر اليوم الحصول على النصّ الكامل لهذا الكتاب، مثلما هو الحال بالنسبة إلى غيره من التراث العلمي لهذه الحقبة؛ وذلك بسبب الممارسات السياسية والثقافية البغيضة التي كان ينتهجها الخصوم والمعاندون ضدّ التراث الشيعي، وهو ما أدّى بالنتيجة إلى ضياع أو إتلاف قسمٍ كثير منه.
ومع ذلك فإنّ بصمات الحضور العلمي لهذا الكتاب مشهودة في تفاسير الفريقين، وفي الجوامع الحديثية للإمامية، وتتّفق فهارس المؤلفات وكتب التراجم والرجال على وجود مثل هذا الكتاب لأبي الجارود.
على صعيد آخر، كانت التحوّلات والتيّارات الدينية والسياسية في زمان أبي الجارود قد أوجدت معالم وسمات خاصّة في شخصيّته، يمكن أن نشير إلى بعضها ضمن الموارد التالية:
أ - إدراكه لبعض الصحابة والتابعين؛ ورغم أنّ مدّة معاصرته للصحابة كانت قصيرة، ولكن كانت له علاقات مع تابعين متعدّدين؛ وأخذ عن عدد من مشايخ الحديث، وهذا ما جعله على معرفة حديثية بالسيرة والسنّة النبوية.
ب - معاصرته تاريخياً لإمامة كلٍّ من الإمام السجّاد والباقر والصادق عليهم السلام وفّرت