جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع) صفحه 9

تمهيد

إنّ من أبرز خصائص أهل البيت عليهم السلام هي وراثة علم النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم وحكمته، بل وراثة جميع الأنبياء عليهم السلام ۱ ، ومن هنا فإنّهم يعتبرون مظهر الحكمة الإلهيّة ومجالاتها ورأس الحكماء الإلهيّين . يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ـ في هذه الخصيصة ـ في أهل البيت عليهم السلام :
هُم مَوضِعُ سِرِّهِ ولَجَأُ أمرِهِ ، وعَيبَةُ۲عِلمِهِ، ومَوئِلُ۳حُكمِهِ، وكُهوفُ كُتُبِهِ، وجِبالُ دينِهِ.۴
وقال الإمام الصادق عليه السلام في وصفهم :
«نَحنُ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، وبَيتُ الرَّحمَةِ، ومَفاتيحُ الحِكمَةِ، ومَعدِنُ العِلمِ»۵.
وورد في الزيارة الجامعة المرويّة عن الإمام الهادي عليه السلام والّتي يُزار بها جميع الأئمّة عليهم السلام :
«السَّلامُ عَلى مَحالِّ مَعرِفَةِ اللّهِ ، ومَساكِنِ بَرَكَةِ اللّهِ ، ومَعادِنِ حِكمَةِ اللّهِ»۶.

1.راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : المنزلة العلميّة . أهل البيت في الكتاب والسنّة : خصائصهم في العلم / أوصياء النبيّ / خلفاء النبيّ .

2.عيبتي: أي خاصّتي وموضع سِرّي . والعرب تكنّي عن القلوب والصدور بالعياب، لأنّها مستودع السرائر (النهاية : ج ۳ ص ۳۲۷ «عيب») .

3.المَوْئِل: الملجَأُ (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۳۸ «وأل») .

4.نهج البلاغة : الخطبة ۲، غرر الحكم: ح ۱۰۰۶۲ نحوه ، بحارالأنوار : ج ۲۳ ص ۱۱۷ ح ۳۲ .

5.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : الأمثال العليا في العلم والحكمة / آل محمّد .

6.تهذيب الأحكام : ج ۶ ص ۹۶ ح ۱۷۷ .

جواهر الحکمة للإمام أبي عبد الله الحسين(ع) صفحه 10

إلاّ أنّ ما يؤسف له حقّاً عدم سماح الجوّ السياسي بعد النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم للأُمّة أن تنتهل من معين حكمة أهل البيت عليهم السلام كما يجب ، ولذا نجد قلّة التراث العلمي المنقول عن أكثر أئمّة أهل البيت عليهم السلام .

التراث العلمي المأثور عن الإمام الحسين عليه السلام

الإمام الحسين عليه السلام من جملة أئمّة أهل البيت الّذين لم يتسنّى كثيراً نقل تراثهم العلمي بسبب الأوضاع السياسيّة الّتي اكتنفت فترة إمامته التي شابهت الأوضاع الّتي مرّت بها إمامة أخيه الحسن عليه السلام ، حتّى أنّ العلاّمة الطباطبائي رضوان اللّه تعالى عليه نفى نقل الحديث الفقهي عنه عليه السلام ۱ . وإن كان هذا الكلام لا يخلو من المبالغة إلاّ أنّ تتبّعنا يؤيّده إلى حدٍّ كبير .

أحلك العهود الّتي مرّت بأهل البيت عليهم السلام

مثَّلَ عهد معاوية وولده يزيد أحرج الفترات والعهود الّتي مرّ بها أهل البيت عليهم السلام ، فقد دامت إمامة الحسين عليه السلام ما يقرب من عشرة أعوام (صفر 51 ـ محرّم 61) ، عاصر فيها معاوية لأكثر من تسعة سنين .
لقد بذل معاوية أقصى جهده لوضع الموانع والعراقيل في علاقة الأُمّة بولديّ رسول اللّه الحسن والحسين عليهماالسلام وذلك من أجل القضاء على الدعامة السياسيّة والاجتماعية لأهل البيت الّذين كانت تتسّع محبوبيّتهم في المجتمع الإسلامي . قام معاوية بحرمان أتباع أهل البيت عليهم السلام من حقوق المواطنة ، بل وحتّى قطع عطائهم ، إضافة إلى ما مارسه بحقّهم من سياسة القتل والتعذيب والمطاردة والإيذاء ۲ .
وقد وجّهت هذه السياسة ضربة قاصمة لمعارف الإسلام الأصيلة ، مضافاً إلى تسديدها

1.سرگذشت شهيد جاويد (فارسي) ، (تاريخ «الشهيد الخالد») ، رضا اُستادي ، ملحق رسالة علم للعلاّمة الطباطبائي : ص ۵۳۵ .

2.اُنظر : شرح نهج البلاغة : ج ۱۱ ص ۴۳ وموسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ج ۱۱ ص ۳۴۳ ـ ۳۶۶ الفصل السابع : كيد أعدائه لإطفاء نوره .