بلاغة الامام علي بن الحسين (ع) صفحه 7

تصدير

۰.قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام :«نحن نور لمن تبعنا ، ونور لمن اقتدى بنا» . ۱

ممّا لا شك فيه أنّ نور الأئمّة الأطهار ، بلغ وما انفك يبلغ الأجيال التي تلتهم عن طريق أحاديثهم وكلماتهم ، التي يبيّنون فيها لأتباعهم حقيقة الدين والهداية . وقد تحمّل الرواة والمحدّثون الكبار على امتداد التاريخ ، مشقّة نقل الحديث وادائه على أحسن وجه ممكن ؛ من رواية وكتابة وإجازة وغير ذلك ، لينهضوا ـ بصفتهم ورثة هذا الارث القيّم والثمين ـ بمهمة إيصاله بكل أمانة إلى شيعة وموالي تلك الأنوار الإلهية ، ويبيّنوا للناس سبل الهداية .
الإمام الرابع سيد الساجدين وزين العابدين ، علي بن الحسين عليه السلام واحد من هؤلاء الأئمّة العظام ، وقد عاش في ظروف بالغة الصعوبة ، إذ تصدّى لشؤون الإمامة ابتداءً من عام 61ه إلى عام 94ه واضطلع بمهمة الجهاد والمقاومة في تلك الظروف ، التي كان فيها خلفاء بني أُمية سكارى بنشوة انتصارهم الظاهري على أهل البيت . وشهد هذا الإمام واقعة كربلاء ، وشارك أباه في وقائع الثورة وفي ميادين القتال . وأُخذ بعد ذلك مع مَن أُخذ مِن سبايا كربلاء . وكان حضوره وخطبته الغراء ، قد قلبت الانتصار الظاهري لبني أُميّة إلى مرارة في أفواههم.
وبعد ان عاد الإمام السجّاد إلى المدينة ، إتّبع سياسة تقوم على مبدأ فضح بني اميّة ، ثمّ انتهج بعد ذلك اسلوب الصمت ، ليوفّر بذلك الفرصة الكافية ، لإعادة الأمل إلى نفوس شيعته والمبادرة إلى تعليمهم وتربيتهم .
نهض الإمام في تلك الفترة بمهمة تعليم القرآن وتفسيره ، فأدّى تلك المهمة خير أداء . وحارب المعتقدات المخالفة لحقيقة الإسلام كالجبر ، والتشبيه ، والتجسيم ، والارجاء . وأعلن في تلك الظروف الحساسة المليئة بالخوف والرعب ، إمامته وولايته ، وأعلن في الوقت المطلوب أيضا إمامة وولاية ولده .
إختار عليه السلام اسلوب التربية الاخلاقية ، والرقي الاخلاقي كطاقة محرّكة للشيعة ، ومسلك الزهد والعبادة كمعالم وملامح مبينة لطبيعة شخصيّته ، ومنهج البكاء على سيّد الشهداء كوسيلة لاحياء واقعة كربلاء واتخاذها كسلاح للمجابهة والاصلاح في مقابل الفساد السياسي والاجتماعي للامويين . ووصف عمال الحكومة بأعوان الظلمة ، مستنكرا بأساليب بيانية ساخطة أي نوع من التعاون معهم . حتّى بات الخلفاء

1.راجع : في فضائل عترة النبي ص ۶۷.

بلاغة الامام علي بن الحسين (ع) صفحه 8

الامويون يعرفون بين أكثر أهل السنّة تقريبا بالظلمة ، معتبرين تردد العلماء على بلاطهم نوعا من إعانة الظلمة. ۱
جاءت كل هذه المعطيات كحصيلة لجهود ذلك الإمام الهمام ، التي أشار فيها إلى أهدافه باسلوب الخطابة تارة ، أو بواسطة الرسائل تارة اخرى ، أو احيانا بصيغة الكلمات القصيرة ، أو حتّى بصيغة الادعية البليغة .
وفضلاً عن كتابه المعروف ب «الصحيفة السجّادية» الذي يمثل أسمى حالات العرفان ، والارتباط الروحي للداعي بربِّه ، فان كلماته أيضا لا تخلو من إرشاد إلى الحقائق التي سبق ذكرها . ويُعتبر هذا الكتاب الذي بين يديك مكملاً لذلك الكتاب العظيم ، وهو يضم بين دفّتيه خطبه ، ورسائله ، وقصار كلماته . ويتمخّض عن مطالعته إلى ـ جانب الصحيفة السجادية ـ إبراز معالم شاملة للامام السجّاد عليه السلاموتعاليمه وإرشاداته .
ونظرا إلى أهمية الموضوع من جهة ، وعدم وجود مصدر للاطلاع على كلماته من جهة اخرى ، ارتأى مركز البحوث في دار الحديث ، إجراء إعادة نظر كاملة ، وتحقيق جديد ونشر كتاب «بلاغة الإمام علي بن الحسين عليه السلام» الذي جمعه وشرح غرائبه حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جعفر الحائري حفظه اللّه ، وطبعه في النجف الاشرف وكربلاء المقدّسة ، وقم المحميّة .
ولا يسعنا هنا إلاّ أن نقدّم له جزيل الشكر لما أبداه من تعاون مع هذا المركز ، ولما قام به من مراجعة نهائية للكتاب . كما نشر الاخ الكريم حجة الإسلام مهدي هوشمند الذي تكفّل بمهمة مراجعة المصادر ، والاخ الكريم مرتضى وفائي الذي أخذ على عاتقه مراجعة النص .
نرى هنا ضرورة الاشارة إلى اننا ذكرنا في الحواشي السفلية ـ لغرض تعميم الفائدة ـ اختلافات النسخ التي ذكرها المؤلّف سابقا ، ولكن النص نقل عينا على أساس الارجاعات التي ذكرت في الهوامش .
محمّد كاظم رحمان ستايش
معاون شؤون البحوث
في مركز بحوث دار الحديث

1.ويقول احد الاساتذة المتخصّصين : إن الإمام هو المؤسّس الثاني للمدرسة في الإسلام بعد جدّه عليّ بن أبي طالب المؤسس الأوّل ، إنّ لزين العابدين وجدّه يعود الفضل في تكوين الفكر الإسلامي، واعداد العلماء ، ولولا زين العابدين لاستطاع الأمويّون أن يمضوا في تجهيل الأمّة إلى أبعد الحدود ، والحضارة الإسلاميّة مديونة بوجودها إلى زين العابدين عليّ بن الحسين عليهماالسلام .