تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1 صفحه 5

تصدير

حظي كتاب نهج البلاغة منذ مطلع تأليفه باهتمام وافر من لدن العلماء في شتّى بقاع العالم الإسلامي؛ ويكمن سرّ هذا الاهتمام فيما انطوت عليه كلمات الإمام عليّ عليه السلام الّتي وردت بين دفّتيه من أعلى مراتب البلاغة والفَصاحة، إلى درجة أنّ هذا الكتاب يثير شغف كلّ عربي ذي حس مرهف وما يسترعي الالتفات أكثر من ذلك هو ما احتوى عليه من مضامين ذات مغزىً عميق، مسبوكة في صياغة وسياق بلاغي بارع.
واستلهاما من هذه الصورة فهذا الكتاب ليس مجرّد نهج بلاغة، بل يخطّ لبني الإنسان نهج الحياة، بل نجد من جانب آخر بأنّ الخطب البليغة الموجودة فيه تختزن بين ثناياها كلّ معاني التوحيد والنبوّة والإمامة والأخلاق، وغير ذلك من المعارف الغزيرة الاُخرى، هذا ناهيك عمّا في رسائله من تبيين لأساليب الحكم وتاريخ موثّق لمجريات ذلك العصر. أمّا بالنسبة إلى الحِكَم والكلمات القصار الّتي وردت فيه فهي زاخرة بالتعاليم القيّمة والإرشادات البليغة الّتي صيغت بأتم دقّة وإيجاز، ولكنّها في الوقت ذاته تعلّم القارئ كلّ ما هو أساسي من دروس الحياة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.
هذه السمات والخصائص الّتي طبعت هذا الكتاب جعلته محطا لأنظار الكثيرين ممّن استهوتهم مفاهيمه ومحتوياته، وحَدّث بهم إلى السعي لاستكشاف مضامينه وسَبر عميق أغواره. ومن هؤلاء الذين نتحَدّث عنهم نخصّ بالذكر ابن أبي الحديد المعتزلي (586 ـ 656 ه). فقد كان هذا الرجل أديبا ومؤرخا ومتكلّما بارعا. وقد شمّر عن سواعد الجِد لكتابة شرح لهذا الكتاب الفذ نهج البلاغة، وإهدائه إلى مؤيد الدين محمّد بن أحمد العلقمي الأسدي الحلّي(656 ه)، وبقي منكبّا على إنجاز هذا الشرح منذ عام 644 وحتّى عام 649ه ، حتّى أتمّه في أربع سنين وثمانية أشهر، وقد كتب شرحه ذاك في عشرين مجلدا، وهو متداول اليوم ويعوّل عليه الباحثون.

تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1 صفحه 6

تناول هذا الشرح دراسة كتاب نهج البلاغة من أربعة جوانب وجعلها نَصب عينيه في شرحه وهي كالآتي:
الجانب الأول : شرح كلمات الإمام عليّ عليه السلام في الخطب والرسائل والحكم .
الجانب الثاني : الردّ على كتاب الشافي في الإمامة وهو من تأليف الشريف المرتضى الّذي كتبه ردّا على كتاب المغني للقاضي عبد الجبّار المعتزلي .
الجانب الثالث : سرد مقاطع من تاريخ الإسلام عموما ومن تاريخ الإمام عليّ عليه السلام خصوصا، وقد أقحم هذا السرد التاريخي بين ثنايا شرحه.
الجانب الرابع : بحوث استطرادية لغوية، وأدبية، وأخلاقية، وحكمية، وغيرها. وقد أورد آراء المعتزلة بشكل خاصّ في مواضع مناسبة.
ومن الطبيعي أنّ ما يطمح إليه معظم القرّاء عند قراءتهم لكتاب شرح نهج البلاغة، ويَصبون إلى أن يضعه في متناول أيديهم هو الجانب الأول، ونادرا ما تحدوهم رغبة إلى الانسياق وراء ما تتضمّنه الجوانب الثلاثة الأُخرى.
هذا الكتاب الّذي بين أيديكم يمثّل ثمرة لأتعاب ومساعي رجل فاضل وهو السيّد عبد الهادي الشريفي الّذي عنى باستخراج شرح عبارات نهج البلاغة من كتاب ابن أبي الحديد، واستبعد من ذلك البحوث الزائدة الكلامية والتاريخية وغيرها، وشذّب الكتاب منها. وها هو كتابه هذا تهذيب شرح نهج البلاغة يقدّم للقارئ الكريم شرحا خالصا في بيان كلمات سيّد الفصحاء وإمام البلغاء. ولابدَّ من الإشارة إلى أنّ المُهَذِّب المحترم لهذا الكتاب قد ضبط حركات نصّ كلمات الإمام عليّ عليه السلام ، ونقّح شرحها وحذف الحشو والزوائد منها، وجعلها في سياق متناسق يروي ظمأ المتطلّعين إلى استنطاق معاني البلاغة المكنونة في نهج البلاغة. نسأل اللّه تعالى أن يوفّيه خير الجزاء على جميل مساعيه.
معاونية قسم البحوث والدراسات
مركز بحوث دار الحديث
ربيع الثاني 1326