إكسير المحبّة صفحه 3

تمهيد

إنّ عالمنا اليوم يتعطّش إلى إقامة علاقات وطيدة تُبتنى على أسس المودّة والتآلف والوئام والانسجام ، ففي الوقت الّذي يسوده التّشاؤم والحقد والعنف والإرهاب ، نراه يتشوّق بلهفة إلى كيمياء المحبّة ، إذ إنّه العلاج النّاجع لداء التّوتّر الدّوليّ الذي تعاني منه البشريّة ، والسبيل الوحيد للوصول إلى شاطئ السّلام العادل الّذي يرتجى أن يَعمّ كلّ البقاع .
غير أنّ كيمياء المحبّة ، هذا البلسم الشّافي ، لا يتأتّى بالتّمنّي والتّرجّي والشّعارات ، بل لابدّ لنيله من إصلاح الذّات وتعميم الثّقافة الاجتماعيّة البنّاءة ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بمكافحة عوامل الحقد والبغضاء كخطوة أولى ، ثمّ تقوية دعائم المودّة والوئام كخطوة ثانية ، والسير على هذا الدّرب ، يتطلّب التزكية والتعليم .

المعلّم الأفضل

إنّ أفضل المعلّمين في مدرسة الحبّ والوئام ، وأكثرهم عطفا وحنانا هو بارئ السماوات والأرض ، إنّه يبدأ حديثه مع الإنسان في كتابه المنزل باسم «الرحمن» و«الرحيم» ، في إشارة إلى أنّ رحمته لا تقتصر على المؤمنين والصالحين وحسب ، بل إنّ رحمته العامّة تشمل الصالحين

إكسير المحبّة صفحه 4

والطالحين ، وتستوعب كلّ شيء في الوجود إذ قال تعالى : «وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْ ءٍ»۱.
كما قال شاعر الإنسانية سعدي الشيرازي :
أديم الأرض مائدة عامّة له /
وعلى هذا الخوان يجلس الصّديق والعدوّ سواء ۲
من منظار هذه السنّة الإلهية يكتب أميرالمؤمنين عليه السلام لمالك الأشتر في عهده لمّا ولاّه مصر :

۰.وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِهِم ، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعا ضارِيا ، تَغتَنِمُ أكلَهُم ، فَإِنَّهُم صِنفانِ : إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ . ۳

۰.وقال عليه السلام أيضا :أبلَغُ ما تَستَدَرُّ بِهِ الرَّحمَةَ أن تُضمِرَ لِجَميعِ النّاسِ الرَّحمَةَ . ۴

ليس البارئ الرحيم هو المعلّم الأكبر في رحاب المحبّة فحسب ، بل إنّ عواطف المحبّة كلّها تمتدّ جذورها في رحمته ومحبّته ، وبدون الارتباط به لا يُكتب لمحبّةٍ بقاءٌ ، ولا للأحقاد التي تعصف بالعالم زوالٌ ،

1.الأعراف : ۱۵۶ .

2.بوستان سعدي الشيرازي والبيت بالفارسية : اَديم زمين ، سُفره عام اوستچه دشمن بر اين خوان يغما ، چه دوست

3.نهج البلاغة ، الكتاب ۵۳ .

4.غرر الحكم ، ۳۳۵۳ .