25
مكاتيب الأئمّة ج1

الباب الاوّل :مكاتيبه عليه السلام في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله

يمكن تقسيم المكاتيب العلويَّة في تلك الحُقْبَة الزَّمنيَّة إلى قسمين :
أ ـ المكاتيب الَّتي كان الإمام عليه السلام كاتبا لها فقط .
ب ـ المكاتيب الَّتي أنشأها الإمام عليه السلام بنفسه و خطّها بيده الكريمة أو أملاها على غيره .
أمَّا القسم الأوَّل : فهي الموارد الَّتي كتبها الإمام طبقا لأوامر النَّبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في الحُقَبْ المختلفة ، وبخطّه الشَّريف والَّتي وصلت إلينا ، وقد أوردناها مفصَّلاً في كتاب مكاتيب الرَّسول صلى الله عليه و آله ؛ وهذا النوع من المكاتيب خارج عن موضوع هذا البحث كما لا يخفى ، ولذا آثرنا عدم ذكرها هنا ، ويمكن لمَن أراد مطالعتها الرُّجوع إلى ذلك الكتاب .
وأمَّا القسم الثَّاني : فتجدر الإشارة إلى أنّه لم يصل إلينا شيءٌ معتدٌّ به، سوى ما جاء في بعض المصادر من عناوين لبعض المكاتيب ، إلاّ أنّها تفتقر إلى نصّ الكتاب أو إلى النصّ الكامل له .
وقد ارتَأينا أن ننقل هاهنا شاهدين تأريخيّين كنموذجين لِما ذكَرنا ، دون أن نبذل كثير تتبّع في هذا المجال .
النموذج الأوَّل :
في توجيهِ رسول اللّه صلى الله عليه و آله سَريَّة عليّ بن أبي طالب إلى اليَمن في رمضان :
عن البَراء بن عازب : بعثَ رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله خالدَ بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام ، فكنت فيمَن سار معه ، فأقام عليه ستَّةَ أشْهُر لا يجيبونه إلى شيء ، فبعث النَّبي صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب ، وأمَرَه أنْ يُقْفِلَ خالد ا ومَن معه ، فإنْ أرادَ أحدٌ ممَّن كان مع خالد بن الوليد أنْ يُعقِّبَ معه تركه .
قال البراء : فَكُنتُ فِيمَن عَقَّبَ مَعَهُ ، فلمَّا انتهينا إلى أوائل اليمن ، بَلَغَ القَومَ الخبرُ ، فَجَمَعُوا لَهُ ، فصلَّى بنا علي ٌّ الفجر ، فلمَّا فرَغ صَفَّنا صفّا واحدا ، ثُمَّ تقدَّم بين أيدينا ، فَحَمِدَ اللّه َ وأثنى عليه ، ثمَّ قرأ عليهم كتاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فأسلمَتْ هَمْدان ُ كلُّها في يَوم وَاحِدٍ ، وَكَتَبَ بذلِكَ إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فَلمَّا قَرأ كِتابَهُ خرَّ ساجدا ، ثُمَّ جلس ، فقال :
« السَّلامُ عَلَى هَمْدان َ ، السَّلامُ عَلَى هَمْدانَ » .
ثُمَّ تتابَع أهلُ اليمن على الإسلام . ۱
النموذج الثَّاني :
انصرف عَمرو ( بن مَعْدِيكَرِب ) مُرتدّا ، فأغار على قومٍ من بَنِي الحارث بن كَعْب ، ومَضى إلى قومه . فاستدعى رسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، فأمَّره
على المهاجرين ، وأنفذه إلى بَني زُبَيد ، وأَرسلَ خالدَ بنَ الوليد في طائفة من الأعراب ، وأمَرَه أن يَقصِدَ الجُعْفِي ّ ، فإذا التقَيا فأميرُ النَّاس عليُّ بن أبي طالب . فسارَ أميرُ المؤمنين ، واستعمل على مُقدِّمَتِهِ خالدَ بن سعيدِ بنِ العاص ، واستعمل خالدٌ على مقدِّمته أبا موسى الأشْعَرِي ّ .
فأمَّا جُعْفِي ّ فإنَّها لمَّا سَمِعَتْ بالجَيش افترقَتْ فِرقتينِ ؛ فذهبت فرقةٌ إلى اليَمن ، وانضمَّتْ الفرقةُ الاُخرى إلى بَني زُبَيد . فبلَغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فكتَب إلى خالد بن الوليد أنْ :
« قِفْ حَيْثُ أدْرَكَكَ رَسُولِي » .
فلم يَقِف ، فكتَب ـ عليٌ عليه السلام ـ إلى خالد بن سَعيد :
« تَعَرَّضْ لَهُ حَتَّى تَحْبِسَه »

فاعترض له خالد حتَّى حَبَسه ، وأدركه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فعَنَّفه على خلافه .
ثُمَّ سار حتَّى لَقِي بَني زُبَيد بوادٍ يقال له : كُشر ۲ .
فلمَّا رآه بنو زُبَيد ، قالوا لعمرو : كيف أنْت ـ يابا ثور ۳ ـ إذا لقيَك هذا الغلامُ القُرَشيّ فأخذ منك الإتاوة ۴ ؟ قال : سيعلم إنْ لقيني .
قال : وخرج عَمْرو فقال : هل من مبارز ؟ فنهض إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فقام خالدُ بن سعيد فقال له : دَعْني يا أبا الحسن ـ بأبي أنت وأُمِّي ـ اُبارزه . فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :
« إنْ كُنتَ تَرى أنَّ لي عَلَيكَ طاعَةً فَقِفْ مَكانَكَ » .
فوقف ، ثُمَّ بَرَزَ إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام ، فصاح به صيحةً فانهزم عمرو ، وقُتِل أخوه وابنُ أخيه ، واُخِذَتْ امرأته رُكانَةُ بنت سَلامة ، وسُبي منهم نِسوانٌ ، وانصرف أميرُ المؤمنين عليه السلام ، وخَلَّف على بَني زُبَيد خالد بن سعيد ليَقْبِضَ صدقاتهم ، ويُؤمِنَ من عاد إليه من هُرَّابهم مُسلما ۵ .

1.تاريخ الطبري : ج۳ ص۱۳۱ وراجع : الأرشاد : ج۱ ص۶۲ ؛ صحيح البخاري : ج۵ ص۲۰۶ ، دلائل النُّبوة : ج۵ ص۳۹۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۰۰ ، ذخائر العقبى : ص۱۰۹ .

2.كُشَر ـ بوزن زُفَر : من نواحي صنعاء اليمن ( معجم البلدان : ج۴ ص ۴۶۲ ) .

3.كذا في المصدر، والصحيح : « يا أبا ثور »، فكنيةُ عمرو، أبو ثور.

4.الإتاوة : الخراج ( النهاية : ج۱ ص ۲۲ ) .

5.الإرشاد : ج۱ ص ۱۵۹ .


مكاتيب الأئمّة ج1
24
  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 108535
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي