373
مكاتيب الأئمّة ج1

110

كتابه عليه السلام إلى معاوية

۰.« أمَّا بعدُ ؛ فإنَّك قد ذُقْتَ ضَرَّاءَ الحَرْبِ وأذَقتها ، وإنِّي عَارضٌ عليكُمْ ما عَرَضَ المُخارِقُ علَى بني فالَج :
أيا راكِبا إمّا عَرَضْتَ فَبَلِّغَنْبَنِي فالَجٍ حَيْثُ استقَرَّ قَرَارُها
هَلُمُّوا إليْنا لا تَكونُوا كأنَّكُمْبَلاقِعُ أَرْضٍ طارَ عَنها غُبارُها
سُلَيْمُ بنُ مَنْصُورٍ أناسَ بِحَرَّةٍوأَرْضُهُم أَرْضٌ كَثِيرٌ وبارُها » .۱

111

كتابه عليه السلام إلى معاوية

وكتَب معاويَة إلى أميْر المؤمنين عليه السلام :
أمَّا بعدُ ، فإنَّ الهَوى يُضِلُّ من اتَّبعه ، والحِرص يُتْعِبُ الطَّالِبَ المَحرومَ ، وأحمد العاقبتين ما هدى إلى سَبيل الرَّشاد ، ومِنَ العجب العجيب ذامٌّ ومادِحٌ ، وزاهِدٌ وراغِبٌ ، ومُتوكِّلٌ وحَريص ؛ كلاما ضربته لَك مثلاً ، لتدبّر حكمته ، بجميع الفهم ، ومباينة الهوى ، ومناصحة النَفس .
فلَعَمْرِي يا بن أبي طالب لولا الرَّحِمُ الَّتي عَطفتني عليك ، والسَّابقةُ الَّتي سَلفت لَكَ ، لقد كان اخْتَطفتكَ بَعضُ عُقبانِ أهْلِ الشَّام ، فيصعد بك في الهَواء ، ثُمَّ قَذفك على دَكادِك شَوامِخ الأبصار ، فأُلفيتَ كسحيق الفِهر ، على صن الصَّلابَة لا يَجد الذَّرُّ فيْك مرتعا .
ولقد عزمت عزمةَ مَن لا يعطفه رقَّة الأنذار إن لم تباين ما قرَّبتَ بِه أملَك ، وطَالَ له طَلْيُكَ ، ولأُورِدنَّكَ موردا تسْتَمِرُّ النَّدامة ، إن فسخ لَك في الحَياة ، بَل أظُنُّك قَبل ذلِك من الهَالِكين ، وبِئْس الرَّأي رَأي يورد أهلَه إلى المَهالك ، ويمنِّيَهم العَطَب إلى حِينَ لاتَ مَناص .
وقد قذفَ بالحقِّ على الباطل ، وظَهر أمْر اللّه وهم كارِهون ، وللّه ِ الحُجَّة البالِغة ، والمِنَّةُ الظَاهِرَةُ ، والسَّلام .
فلمَّا جاءَ كتابه إلى أمير المؤمنين وقَرأه ، أجابه بما لفظه :
« مِن عَبْدِ اللّه ِ أميْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أبي طَالبٍ ، إلى مُعاوِيَة َ بنَ أبي سُفْيَان .
أمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ أتَانَا كتابُك بِتَنْوِيقِ المَقالِ وضَرْبِ الأمْثالِ ، وانْتِحالِ الأعْمالِ ، تَصِفُ الحِكْمَةَ ولَسْتَ مِن أهْلِها ، وتَذْكُرُ التَّقْوَى وأنْتَ علَى ضِدِّها ، قَدْ اتَّبَعْتَ هَواكَ فَحادَ بِكَ عَن طَريقِ الحُجَّةِ ، وألْحَجَ۲بِكَ عن سَواء السَّبيل ، فأنْتَ تَسْحَبُ أذْيالَ لَذَّاتِ الفِتَنْ ، وتَخْبِطُ في زَهْرَة الدُّنْيا ، كأنَّك لَسْتَ تُوقِنُ بأوْبَة البَعْثِ ولا برَجْعَةِ المُنْقَلَبِ ، قَدْ عَقَدْتَ التَّاجَ ، ولَبِسْتَ الخَزَّ ، وافْتَرَشْتَ الدِّيباج ، سُنَّةً هِرَقْلِيَّةً ، ومُلْكا فارِسيَّا ، ثُمَّ لم يُقْنِعْك ذلِك ، حَتَّى يَبْلُغَنِي أنَّك تَعْقِدُ الأمْرَ مِن بَعْدك لِغَيْرِكَ ، فيهلِكُ دُونَك فتُحاسَبُ دُونَهُ ، ولَعَمْرِي لَئِن فَعَلْتَ ذلِك ، فمَا وَرِثْتَ الضَّلالَة عن كَلالةٍ ، وإنَّك لاَبْنُ مَن كانَ يَبْغِي علَى أهْلِ الدِّينِ ، ويَحْسُدُ المُسلمينَ .
وذَكَرْتَ رَحِما عَطَفَتْكَ عليَّ ، فأقْسِمُ باللّه الأعَزِّ الأجلِّ ، أنْ لوَ نازَعَك هذا الأمْرَ في حَياتِك مَن أنْتَ تُمَهِّدُ لهُ بعْد وَفاتِك ؛ لَقَطَعْتَ حَبْلَهُ ، وأبَنْتَ أسْبابَهُ .
وأمَّا تَهْدِيدُكَ لِي بالمَشارِب الوبيئة۳، والمَوارِد المُهْلِكة ، فأنَا عَبدُ اللّه ِ علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، أبْرِزْ إليَّ صَفْحَتَكَ ، كَلاَّ ورَبِّ البَيْت ؛ ما أنْتَ بأبِي عُذْرٍ عِنْد القِتال ، ولا عِنْدَ مُناطَحَةِ الأبْطالِ ، وكأنِّي بِكَ لَوْ شَهِدْتَ الحَرْبَ وقَدْ قامَتْ علَى سَاقٍ ، وكَشَّرَتْ عَن مَنْظَرٍ كَرِيهٍ ، والأَرواحُ تَخْتَطِفُ اخْتِطافَ البَازِيِّ زَغِبَ القَطا ، لَصِرْتَ كالمُوَلَّهَةِ الحَيْرانَةِ ، تَضْرِبُها العَبْرَةُ بالصَّدْمَةِ ، لا تَعْرِفُ أعْلَى الوادِي مِن أسْفَلِهِ .
فَدَعْ عَنْكَ ما لَسْتَ أهْلَهُ ، فإنَّ وَقْعَ الحُسَامِ غَيْرُ تَشْقِيقِ الكَلامِ ، فَكَم عَسْكَرٍ قَدْ شَهِدْتُهُ وقَرْنٍ نَازَلتُهُ ، . . . اصْطِكاكَ قُرَيْشٍ بَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، إذْ أنْتَ وأبُوكَ وهو . . . وأنْتَ اليَوْمَ تُهَدِّدُني .
فاُقْسِمُ باللّه ِ ، أنْ لَو تُبْدِي الأيَّامُ عَن صَفْحَتِكَ ، لَنَشَب فِيْكَ مِخْلَبُ لَيْثٍ هَصُوُرٍ ، لا يَفُوتُهُ فَرِيسَةٌ بالمُراوَغَةِ ، كيفَ وأنَّى لَكَ بِذلِكَ ، وأنْتَ قَعِيدَةُ بِنْتِ البِكْرِ المُخَدَّرَة ، يَفْزَعُها صَوْتُ الرَّعْدِ ، وأنَا عليُّ بن أبِي طالِب ، الَّذِي لا أُهَدَّدُ بالقِتالِ ، ولا أُخَوَّفُ بالنِّزالِ ، فإن شِئْتَ يا مُعاوِيَة ُ فابْرزْ ، والسَّلام » .

فلمَّا وَصَل هذا الجواب إلى معاوية بن أبي سُفْيَان ، جَمَع جماعة من أصحابه ، ومنهم عَمْرو بن العاص ، فَقَرَأه علَيْهم ، فقال لَه عمرو : قدْ أنْصَفك الرَّجل ،كم رجل أحسن في اللّه قدْ قتل بينكما ، ابْرُزْ إليْهِ .
فقال له : أبا عَبدِ اللّه ِ أخطأتَ إستَكَ الحُفرَةَ ، أنَا أبْرز إليه ، مع علمي أنَّه ما برز إليه أحد قَطُّ إلاَّ وقتله ، لا واللّه ِ ، ولكنِّي سأبْرِزُكَ إليهِ . ۴

1.وقعة صفِّين : ص۳۸۵ ، بحار الأنوار : ج۳۲ ص۵۰۵ .

2.اللَّحْجُ: الميل، وألْحَجُ: مُعْوَجٌ. ( لسان العرب: ج ۲ ص ۳۵۶ ).

3.في المصدر: « العربية » والتصويب من بحار الأنوار .

4.كنز الفوائد : ج ۲ ص ۴۲ ، بحار الأنوار : ج۳۳ ، ص۱۲۷ .


مكاتيب الأئمّة ج1
372

109

كتابه عليه السلام إلى عَمْرو بن العاص

۰.« مِن عَبْدِ اللّه ِ علَيٍّ أميْر المُومِنينَ إلَى الأبْتَرِ بْنِ الأبْتَرِ عَمْرو بْن العَاصِ بْن وائِلٍ ، شانِئ مُحمَّدٍ وآلِ محمَّد في الجَاهِلِيَّة والإسْلام ، سَلامٌ علَى مَنِ اتَّبعَ الهُدَى .
أمَّا بَعْدُ ، فإنَّك تَركتَ مرُوءَتَكَ لامْرِىًفاسِقٍ مَهْتُوكٍ سِتْرُهُ ، يَشِينُ الكَرِيْمَ بمَجْلِسهِ ، ويُسَفِّهُ الحَلِيمَ بخِلْطَتِهِ ، فصَارَ قلْبُك لِقَلْبِهِ تَبَعا ، كما قيل : وافَقَ شَنٌّ طَبَقَةَ ؛ فَسَلَبَكَ دِينَك وأمانَتَكَ ودُنياكَ وآخِرَتَك ، وكانَ عِلْمُ اللّه ِ بالِغا فِيكَ .
فَصِرْتَ كالذِّئبِ يَتْبَعُ الضَّرْغامَ إذا ما اللَّيلُ دَجى ، أوْ أتَى الصُّبْحَ يَلْتَمِسُ فاضِلَ سُوِهِ وحَوايَا فَرِيْسَتِهِ ، ولكِن لا نَجاةَ مِنَ القَدَرِ ، ولو بالحَقِّ أَخَذْتَ لأدْرَكْتَ ما رَجَوْتَ ، وقَدْ رَشَدَ مَن كانَ الحَقُّ قائِدَهُ ، فإنْ يُمْكِنِ اللّه ُ مِنْكَ ومِن ابْنِ آكِلَةِ الأكْبادِ ، ألْحَقْتُكُما بِمَنْ قَتَلَهُ اللّه ُ مِن ظَلَمَةِ قُرَيْشٍ علَى عَهْدِ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وإنْ تُعْجِزا وتَبْقيا
بَعْدُ فاللّه ُ حَسْبُكُما ، وكَفى بانْتِقامِهِ انْتِقاما ، وبعِقابِهِ عِقابا ، والسَّلامُ » . ۱

1.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۶ ص۱۶۳ وراجع : جمهرة رسائل العرب : ج۱ ص۴۸۶ ، الغدير : ج۲ ص۱۳۰ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 107727
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي