461
مكاتيب الأئمّة ج1

مكاتيب الأئمّة ج1
460

مالِكٌ الأشْتَر

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث النَّخَعيّ الكوفيّ ، المعروف بالأشْتَر ؛ الوجه المشرق ، والبطل الَّذي لا يُقهَر ، واللّيث الباسل في الحروب ، وأصلب صحابة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وأثبتهم .
وكان الإمام عليه السلام يثق به ويعتمد عليه ، وطالما كان يُثني على وعيه وخبرته ، وبطولته ، وبصيرته ، وعظمته ، ويفتخر بذلك .
وليس بأيدينا معلومات تُذكر حول بدايات وعيه . وكان أوّل حضوره الجاد في فتح دمشق وحرب اليرموك ۱ ، وفيها اُصيبت عينه ۲ فاشتهر بالأشْتَر ۳ .
وكان مالك يعيش في الكوفة . وكان طويل القامة ، عريض الصَّدر ، طلق
اللّسان ۴ ، عديم المثيل في الفروسيّة ۵ . وكان لمزاياه الأخلاقيّة ومروءته ومَنعته وهيبته واُبّهته وحيائه ، تأثيرٌ عجيب في نفوس الكوفيّين ؛ من هنا كانوا يسمعون كلامه ، ويحترمون آراءه .
ونُفي مع عدد من أصحابه إلى حِمْص ۶ في أيّام عثمان بسبب اصطدامه بسعيد بن العاص والي عثمان ۷ . ولمّا اشتدّت نبرة المعارضة لعثمان عاد إلى الكوفة ، ومنع واليه ـ الَّذي كان قد ذهب إلى المدينة آنذاك ـ من دخولها ۸ .
واشترك في ثورة المسلمين على عثمان ۹ ، وتولّى قيادة الكوفيّين الَّذين كانوا قد توجّهوا إلى المدينة ، وكان له دور حاسم في القضاء على حكومة عثمان ۱۰ .
وكان يصرّ على خلافة الإمام عليّ عليه السلام بفضل ما كان يتمتّع به من وعي عميق ، ومعرفةٍ دقيقة برجال زمانه ، وبالتَّيّارات والحوادث الجارية يومذاك ۱۱ . من هنا كان نصير الإمام عليه السلام وعضده المقتدر عند خلافته . وقد امتزجت طاعته وإخلاصه له عليه السلام بروحه ودمه ، وكان الإمام عليه السلام أيضا يحترمه احتراما ، خاصّا ويقيم وزنا لآرائه في الاُمور .
وكان له رأي في بقاء أبي موسى الأشْعَرِيّ واليا على الكوفة ، ارتضاه الإمام عليه السلام وأيّده ۱۲ ، مع أنّه عليه السلام كان يعلم بمكنون فكر أبي موسى ، ولم يكن له رأي في بقائه ۱۳ .
وعندما كان أبو موسى يثبّط النَّاس عن المسير مع الإمام عليه السلام في حرب الجمل ، ذهب مالك إلى الكوفة ، وأخرج أبا موسى ـ الَّذي كان قد عزله الإمام عليه السلام ـ منها ، وعبّأ النَّاس من أجل دعم الإمام عليه السلام والمسير معه في الحرب ضدّ أصحاب الجمل ۱۴ . وكان له دور حاسم وعجيب في الحرب . وكان على الميمنة فيها ۱۵ . واصطراعه مع عبد اللّه بن الزُّبير مشهور في هذه المعركة ۱۶ .
ولي مالك الجزيرة ۱۷ ـ وهي تشمل مناطق بين دجلة والفرات ـ بعد حرب الجمل . وكانت هذه المنطقة قريبة من الشَّام الَّتي كان يحكمها معاوية ۱۸ . واستدعاه الإمام عليه السلام قبل حرب صفِّين .
وكان على مقدّمة الجيش في البداية ، وقد هَزم مقدّمة جيش معاوية .
ولمّا استولى جيش معاوية على الماء ، وأغلق منافذه بوجه جيش الإمام عليه السلام ، كان لمالك دور فاعل في فتح تلك المنافذ والسَّيطرة على الماء ۱۹ . وكان في الحرب مقاتلاً باسلاً مقداما ، رابط الجأش مجدّا مستبسلاً ، وقد قاتل بقلبٍ فتيّ وشجاعة منقطعة النَّظير ۲۰ . وتولّى قيادة الجيش مع الأشْعَث ۲۱ ، وكان على خيّالة الكوفة طول الحرب ۲۲ ، وأحيانا كان يقود أقساما اُخرى من الجيش . ۲۳
وفي معارك ذي الحجّة الاُولى كانت المسؤوليّة الأصليّة والدَور الأساس للقتال على عاتقه ۲۴ . وفي المرحلة الثَّانية ـ شهر صفر ـ كان يقود القتال أيضا يومين في كلّ ثمانية أيّام ۲۵ .
وكان له مظهر عجيب في المنازلات الفرديّة للقتال ، وفي حلّ عُقَد الحرب ، وعلاج مشاكل الجيش ، والنُّهوض بعب ء الحرب ، والسَّير بها قُدما بأمر الإمام عليه السلام . بَيد أنّ مظهره الباهر الخالد قد تجلّى في الأيّام الأخيرة منها ، بخاصّة يوم الخميس و ليلة الهَرير .
وكان يوم الخميس وليلة الجمعة ـ ليلة الهرير ـ مسرحا لعرض عجيب تجلّت فيه شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشَّامي ، وتقدّم صباح الجمعة حتَّى أشرف على خيمة القيادة ۲۶ .
وصار هلاك العدو أمرا محتوما ، وبينا كان الظُّلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنَّصر يلتمع في عيون مالك ، تآمر عَمْرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام ـ وهم الَّذين سيشكّلون تيّار الخوارج ـ ومعهم الأشْعَث إلى مؤازرته ، فازداد الطِّين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام عليه السلام في وضعٍ حَرِج ليقبل الصُّلح ، ويُرجعَ مالكا عن موقعه المتقدّم في ميدان الحرب .
وكان طبيعيّا في تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام عليه السلام أيضا ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام في خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الَّذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! ! ۲۷
وشاجر مالك الخوارجَ والأشْعَثَ ، وكلّمهم في حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن في تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدُّنيا ۲۸ .
وحين اقترح الإمام عليه السلام عبدَ اللّه بن عبّاس للتَّحكيم ورفَضه الخوارج والأشْعَث ، اقترح مالكا ، فرفضوه أيضا مصرِّين على يمانيّة الحَكَم ، في حين كان مالك يمانيّ المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور ! ۲۹
وعاد مالك بعد صفِّين إلى مهمّته ۳۰
. ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي
بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولاّه عليها ۳۱ . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل ۳۲ .
وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة ـ المشهورة بعهد مالك الأشْتَر ـ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مَرِّ التَّاريخ ۳۳ .
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب بذهاب مالك إليها ، قضى عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغى ، والمُقاتل الفذّ ، والنَّاصر الفريد لمولاه ، بطريقة غادرة ، بعدما تناول من العسل المسموم بسمّ فتّاك ، وعرجت روحه المشرقة الطَّاهرة إلى الملكوت الأعلى ۳۴ .
وحزن الإمام عليه السلام لمقتله ، حتَّى عَدّ موته من مصائب الدَّهر ۳۵ . وأبّنه فكان تأبينه إيّاه فريدا ؛ كما أنّ وجود مالك كان فريدا له في حياته عليه السلام ۳۶ .
ولمّا نُعي إليه عليه السلام مالك ، وبلغه خبر استشهاده المؤلم ، صعد المنبر وقال :
« ألا إنّ مالِكَ بنَ الحارِثِ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ ، وأوْفى بِعَهْدِهِ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللّه ُ مالِكا !لو كان جبلاً لَكانَ فَذّا ، ولو كانَ حَجَرا لكانَ صَلْدا . لِلّهِ مالِكٌ ! وما مالِكُ ! وهَلْ قامَتِ النِّساءُ عَنْ مِثْلِ مالِك ! وهَلْ مَوجُودٌ كَمالِك ! »۳۷.
ومعاوية الَّذي كان فريدا أيضا في خبث طويّته ورذالته وضَعَته وقتله للفضيلة ، طار فرحا باستشهاد مالك ، ولم يستطع أن يخفي سروره ، فقال من فرط فرحه :
كان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفِّين ـ يعني عَمَّار بن ياسر ـ وقُطعت الاُخرى اليوم ، وهو مالك الأشْتَر ۳۸ .
وكلّما كان يذكره الإمام عليه السلام ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر على فقده . وحين ضاق ذرعا من التَّحرّكات الجائرة لأهل الشَّام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل :
استبانَ فقدُ الأشْتَر على أهل العراقِ . لو كان حيَّا لقلَّ اللَّغط ، ولَعَلِمَ كلُّ امرئٍ مايقول ۳۹ .
نطق هذا الرَّجل حقّا ، فلم يكن أحد في جيش الإمام عليه السلام مثل مالك .
في تنبيه الخواطر : حكي أنّ مالكا الأشْتَر رضى الله عنه كان مجتازا بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه ، فرآه بعض السُّوْقة ۴۰ فازدرى ۴۱ بزيّه ؛ فرماه ببندقة تهاونا به ، فمضى ولم يلتفت ، فقيل له : ويلك ! أ تدري بمن رميت ؟ فقال : لا ، فقيل له : هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام ، فارتعد الرَّجل ومضى إليه ليعتذر
منه ، فرآه وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلّي ، فلمّا انفتل أكبّ الرَّجل على قدميه يقبّلهما ، فقال : ما هذا الأمر ؟ ! فقال : أعتذر إليك ممّا صنعت ، فقال : لا بأس عليك ، فو اللّه ، ما دخلت المسجد إلاّ لأستغفرنّ لك ۴۲ .
وفي المناقب للخوارزميّ عن أبي هانى ء بن معمَّر السَّدوسيّ ـ في ذكر غلبة جند معاوية على الماء في حرب صفِّين ـ : كنت حينئذٍ مع الأشْتَر وقد تبيّن فيه العطش ، فقلت لرجل من بني عمّي : إنّ الأمير عطشان ، فقال الرَّجل : كلّ هؤلاء عِطاش ، وعندي إداوة ۴۳ ماء أمنعه لنفسي ، ولكنّي اُوثره على نفسي ، فتقدّم إلى الأشْتَر فعرض عليه الماء ، فقال : لا أشرب حتَّى يشرب النَّاس ۴۴ .
وفي تاريخ مدينة دمشق عن أبي حُذَيْفَة إسْحاق بن بِشْر ـ في ذكر وقعة اليرموك ـ : ومضى خالد يطلب عُظْمَ ۴۵ النَّاس حتَّى أدركهم بثَنِيَّةِ العُقاب ۴۶ ، وهي تهبط الهابط المُغَرِّب منها إلى غوطة دمشق ، يدرك عُظْمَ النَّاسِ حتَّى أدركهم بغوطة دمشق ، فلمّا انتهوا إلى تلك الجماعة من الرُّوم ، وأقبلوا يرمونهم بالحجارة من فوقهم ، فتقدّم إليهم الأشْتَر وهو في رجال من المسلمين ، فإذا أمامهم رجل من الرُّوم جسيم عظيم ، فمضى إليه حتَّى وقف عليه ، فاستوى هو والرُّومي على صخرة مستوية ، فاضطربا بسيفيهما ، فأطرّ الأشْتَر كفّ الرُّوميّ ، وضرب الرُّوميّ الأشْتَر بسيفه فلم يضرّه ، واعتنق كلّ واحد منهما صاحبه ، فوقعا على الصَّخرة ،
ثمّ انحدرا ، وأخذ الأشْتَر يقول ـ وهو في ذلك ملازم العلج لا يتركه ـ : « قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَ لِكَ اُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ »۴۷
.
قال : فلم يزل يقول ذلك حتَّى انتهى إلى مستوى الخيل وقرار ، فلمّا استقرّ وثب على الرُّوميّ فقتله ، وصاح في النَّاس : أنْ جُوزوا .
قال : فلمّا رأت الرُّوم أنّ صاحبهم قد قُتل ، خلّوا الثَّنية وانهزموا .
قالوا : وكان الأشْتَر الأحسن في اليرموك ، قالوا : لقد قتل ثلاثة عشر ۴۸ .
وفي وقعة صفِّين عن سِنان بن مالك ـ في مواجهة مقدّمة الجيش قبل حرب صفِّين ـ : قلت له ( لأبي الأعْوَر ) : إنّ الأشْتَر يدعوك إلى مبارزته ، فسكت عنّي طويلاً ثمّ قال : إنّ خفّة الأشْتَر وسوء رأيه ، هو الَّذي دعاه إلى إجلاء عمّال عثمان من العراق ، وافترائه عليه يقبّح محاسنه ، ويجهل حقّه ، ويُظهر عداوته .
ومن خفّة الأشْتَر وسوء رأيه أنّه سار إلى عثمان في داره وقراره ، فقتله فيمن قتله ، فأصبح مبتغىً بدمه ؛ لا حاجة لي في مبارزته .
قال : قلت له : قد تكلّمت فاستمع منّي حتَّى اُخبرك ، قال : فقال : لا حاجة لي في جوابك ، ولا الاستماع منك ، اذهب عنّي ، وصاح بي أصحابه ، فانصرفت عنه ۴۹ .
وفي شرح نهج البلاغة ـ في وصف الأشْتَر ـ : كان شديد البأس ، جوادا رئيسا
حليما فصيحا شاعرا ، وكان يجمع بين اللِّين والعنف ، فيسطو في موضع السَّطوة ، ويرفق في موضع الرِّفق ۵۰ .
وفي سِيَرِ أعلامِ النبلاء : ملك العرب ، مالك بن الحارث النَّخَعيّ ، أحد الأشراف والأبطال المذكورين . حدَّث عن عمر ، وخالد بن الوليد ، وفُقِئت عينه يوم اليرموك ، وكان شهما مُطاعا زَعِرا ۵۱ ، ألّب على عثمان وقاتله ، وكان ذا فصاحة وبلاغة .
شهد صفِّين مع عليّ عليه السلام ، وتميّز يومئذٍ ، وكاد أن يهزم معاوية ، فحمل عليه أصحاب عليٍّ لمّا رأوا مصاحف جند الشَّام على الأسنّة يدعون إلى كتاب اللّه ، وما أمكنه مخالفة عليٍّ ، فكفّ ۵۲ .
وفي شرح نهج البلاغة : قد روى المحدّثون حديثا يدلّ على فضيلة عظيمة للأشْتَر رحمه الله ، وهي شهادة قاطعة من النَّبيّ صلى الله عليه و آله بأنّه مؤمن ، روى هذا الحديث أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب الاستيعاب في حرف الجيم ، في باب جُنْدَب ، قال أبو عمر :
لمّا حضرت أبا ذَرّ الوفاة وهو بالرَّبَذَة بكت زوجته اُمّ ذَرّ ، فقال لها : ما يُبكيك ؟
فقالت : ما لي لا أبكي وأنت تموت بفَلاةٍ من الأرض ، وليس عندي ثوب يسعك كفنا ، ولابدّ لي من القيام بجهازك ؟ !
فقال : أبشري ولا تبكي ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول : « لا يموت بينامرأين مسلمين ولدان أو ثلاثة ، فيصبران ويحتسبان فيريان النَّار أبدا » ؛ وقد مات لنا ثلاثة من الولد .
وسمعتُ أيضا رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لنفر أنا فيهم : « لَيموتنّ أحدكم بفلاةٍ من الأرض ، يشهده عصابة من المؤمنين » ، وليس من اُولئك النَّفر أحد إلاّ وقد مات في قرية وجماعة . فأنا ـ لا أشكّ ـ ذلك الرَّجل ، واللّه ، ما كَذبت ولا كُذِّبت ، فانظري الطريق .
قالت اُمّ ذَرّ : فقلت : أنّى وقد ذهب الحاجّ وتقطّعت الطُّرق ؟ !
فقال : اذهبي فتبصّري .
قالت : فكنت أشتدّ إلى الكثيب ، فأصعد فأنظر ، ثمّ أرجع إليه فاُمرِّضه ، فبينا أنا وهو على هذه الحال ، إذ أنا برجال على ركابهم ، كأنّهم الرَّخم ۵۳ ، تَخُبّ بهم رواحلهم ، فأسرعوا إليَّ حتَّى وقفوا عليَّ ، وقالوا : يا أمةَ اللّه ، ما لك ؟
فقلت : امرُؤ من المسلمين يموت ، تكفّنونه ؟
قالوا : ومن هو ؟ قلت : أبو ذَرّ .
قالوا : صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟
قلت : نعم ، ففدّوه بآبائهم واُمّهاتهم ، وأسرعوا إليه حتَّى دخلوا عليه ، فقال لهم : أبشروا فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول لنفر أنا فيهم : « ليموتَنَّ رجلٌ مِنكُم بِفَلاةٍ مِنَ الأرضِ تَشْهَدُهُ عِصابَةٌ مِنَ المُؤمِنينَ » ، وليس من اُولئك النَّفر إلاّ وقد هلك في قرية وجماعة ، واللّه ، ما كَذبت ولا كُذِّبت ، ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم اُكفَّن إلاّ في ثوب لي أو لها ؛ وإنّي أنشدكم اللّه ألاّ يكفّنني رجل منكم كان أميرا أو عَريفا أو بريدا ۵۴ أو نقيبا ۵۵ !
قالت : وليس في اُولئك النَّفر أحد إلاّ وقد قارف بعض ما قال ، إلاّ فتىً من الأنصار قال له : أنا اُكفّنك يا عمّ في ردائي هذا ، وفي ثوبين معي في عَيْبتي من غزل اُمّي .
فقال أبو ذَرّ : أنت تكفِّنني ، فمات فكفّنه الأنْصاريّ وغسّله النَّفر الَّذين حضروه وقاموا عليه ودفنوه ؛ في نفر كلّهم يمان .
روى أبو عمر بن عبد البرِّ قبل أن يروي هذا الحديث في أوّل باب جُندب : كان النفر الَّذين حضروا موتَ أبي ذَرّ بالرَّبَذَة مصادفة جماعة ؛ منهم حُجْر بن الأدْبَر ، ومالك بن الحارث الأشْتَر .
قلت : حُجْر بن الأدبَر هو حُجر بن عَدِيّ الَّذي قتله معاوية ، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها، وأمّا الأشْتَر فهو أشهر في الشِّيعة من أبي الهُذَيل في المعتزلة ۵۶ .

1.تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۳۷۹ .

2.تهذيب الكمال : ج ۲۷ ص۱۲۷ الرقم۵۷۳۱ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۳ ، المعارف لابن قتيبة : ص۵۸۶ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۳۴ الرقم۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۳۸۰ .

3.الشَّتَر : انقلاب جَفْن العين إلى أسفل . والرجُل أشْتَر ( انظر النهاية : ج۲ ص۴۴۳ ) .

4.وقعة صفّين : ص۲۵۵ ؛ تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۴ .

5.تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۴ .

6.حِمْص : بلد مشهور قديم ، بين دمشق وحلب نصف الطريق ( معجم البلدان : ج۲ ص۳۰۲ ) .

7.أنساب الأشراف: ج۶ ص۱۵۵ و۱۵۶، تاريخ الطبري: ج۴ ص۳۱۸ ـ ۳۲۶، مروج الذهب: ج۲ص۳۴۶ و۳۴۷.

8.أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۵۷ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۳۲ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۴۷ .

9.الجمل : ص۱۳۷ ؛ تهذيب الكمال : ج ۲۷ ص۱۲۷ الرقم۵۷۳۱ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۲۶ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۵۲ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۴ ، تاريخ مدينة دمشق :ج۵۶ ص۳۸۱ ، سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۳۴ الرقم۶ .

10.الشَّافي : ج۴ ص۲۶۲ ؛ الطبقات الكبرى : ج۳ ص۷۱ ، أنساب الأشراف : ج۶ ص۲۱۹ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۴۴۸ .

11.راجع : تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۳۳ ، الإمامة والسياسة : ج۱ ص۶۶ .

12.الأمالي للمفيد : ص۲۹۶ ح۶ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۷۹ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۹۹ .

13.الأمالي للمفيد : ص۲۹۵ ح۶ .

14.الجمل : ص۲۵۳ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۴۸۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۲۹ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۳۷ .

15.راجع : الأخبار الطوال : ص۱۴۷ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۴۴ و۲۴۵ .

16.الجمل : ص۳۵۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۲۵ ، تهذيب الكمال : ج ۲۷ ص۱۲۸ الرقم۵۷۳۱ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۳۸۲ ، الأخبار الطوال : ص۱۵۰ .

17.وقعة صفّين : ص۱۲ ؛ تاريخ خليفة بن خيّاط : ص۱۵۱ ، الأخبار الطوال : ص۱۵۴ .

18.وقعة صفّين : ص۱۲ .

19.وقعة صفين : ص۱۷۴ ـ ۱۷۹ ؛ المناقب للخوارزمي : ص۲۱۵ ـ ۲۲۰ .

20.وقعة صفّين : ص۱۹۶ و ص ۴۳۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۷۵ ، الفتوح : ج۳ ص۴۵ .

21.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۶۹ و۵۷۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۶۴ .

22.تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۱ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۷۱ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۶۱ .

23.وقعة صفّين : ص۴۷۵ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۵ .

24.تاريخ الطبري : ج۴ ص۵۷۴ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۶۶ ، البداية والنهاية : ج۷ ص۲۶۰ .

25.تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۲ و۱۳ ، مروج الذهب : ج۲ ص۳۸۷ ـ ۳۸۹ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۷۱ و ۳۷۲ ؛ وقعة صفّين : ص۲۱۴ .

26.وقعة صفّين : ص۴۷۵ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۵ .

27.وقعة صفّين : ص۴۸۹ و۴۹۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۸ ـ ۵۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۶ ، الفتوح : ج۳ ص۱۸۵ ـ ۱۸۸ .

28.وقعة صفّين : ص۴۹۱ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۷ .

29.وقعة صفّين : ص۴۹۹ ـ ۵۰۴ ؛ مروج الذهب : ج۲ ص۴۰۲ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۱ و۵۲ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۷ ، الفتوح : ج۴ ص۱۹۷ و۱۹۸ .

30.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۵۷ .

31.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۵۷ .

32.راجع: نهج البلاغة : الكتاب ۳۸ ، الأمالي للمفيد : ص۸۱ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۰ و ص ۲۶۶ ، الاختصاص : ص۸۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۶ ، تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۳۹۰ .

33.راجع: نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ ، تحف العقول : ص۱۲۶ .

34.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۸ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ـ ۹۶ ، مروج الذهب : ج۲ ص۴۲۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الأمالي للمفيد : ص۸۲ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۳ ، الاختصاص : ص۸۱ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۹۴ .

35.الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۴ .

36.نهج البلاغة : الحكمة ۴۴۳ ، الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، رجال الكشّي : ج ۱ ص۲۸۳ الرقم ۱۱۸ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۵ ؛ الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۴ ، ربيع الأبرار : ج۱ ص۲۱۶ .

37.الاختصاص : ص۸۱ ، الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۵ كلاهما نحوه .

38.الغارات : ج۱ ص۲۶۴ ، الاختصاص : ص۸۱ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ .

39.الأمالي للطوسي : ص۱۷۴ ح۲۹۳ ، الغارات :ج۲ ص۴۸۱ .

40.السُّوْقة من الناس : الرَّعِيَّة ( النهاية : ج۲ ص۴۲۴ ) .

41.الازْدِراء : الاحتِقار والانتِقاص والعيب ( النهاية : ج۲ ص۳۰۲ ) .

42.تنبيه الخواطر : ج۱ ص۲ .

43.الإداوَة : إناءٌ صغير من جلْد يُتَّخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها ( النهاية : ج۱ ص۳۳ ) .

44.المناقب للخوارزمي : ج۲۱۵ ص۲۴۰ .

45.عُظْمُ الأمرِ وعَظْمُه : مُعْظَمُه ( لسان العرب : ج۱۲ ص۴۱۰ ) .

46.ثنيّة العُقاب : وهي ثنيّة مشرفة على غُوطة دمشق ، يطؤها القاصد من دمشق إلى حِمص ( معجم البلدان : ج۲ ص۸۵ ) .

47.الأنعام : ۱۶۲ و۱۶۳ .

48.تاريخ مدينة دمشق : ج۵۶ ص۳۷۹ .

49.وقعة صفّين : ص۱۵۵ .

50.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۱۰۱ .

51.من الزَّعارَّة ـ بتشديد الراء ، وتخفّف ـ : الشَّراسَة ( تاج العروس : ج۶ ص۴۶۳ ) .

52.سِيَر أعلامِ النبلاء : ج۴ ص۳۴ الرقم ۶ ، وراجع تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۸ .

53.الرَّخَم : نوعٌ من الطَّير معروفٌ ، واحدتُه رَخمة ( النهاية : ج۲ ص۲۱۲ ) .

54.عَرِيف وهو القَيّم باُمور القبيلة أو الجَماعة من الناسِ يَلِي اُمورَهُم ويتعرّف الأمير منه أحوالهم ( النهاية : ج۳ ص ۲۱۸ ) .

55.النَقِيب : هو كالعَريف على القوم المُقَدَّم عليهم ، الَّذي يَتعرَّف أخبارهم ، وينقِّب عن أحوالهم : أي يُفَتِّش ( النهاية : ج۵ ص۱۰۱ ) .

56.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۱۵ ص۹۹ و۱۰۰ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج1
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 107668
الصفحه من 568
طباعه  ارسل الي