195
مكاتيب الأئمّة ج2

174

كتابه عليه السلام لمحمَّد بن الحنفيَّة

۰.نقل مصنّف كتاب معادن الحكمة رحمه الله۱وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة عن كتاب من لا يحضره الفقى ، ولكنَّه فاته جزء منها نقله الفقيه ، وهو : قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيَّته لابنه محمَّد بن الحنفيَّة :« يا بُنَيَّ إذا قَويتَ فاقوَ علَى طاعَةِ اللّه ِ ، وإذا ضَعُفتَ فاضعُفْ عن مَعصِيَةِ اللّه ِ عز و جل ، وإنِ استَطعْتَ ألاّ تُمَلِّكَ المَرأةَ مِن أمرِها ما جاوَزَ نَفْسَها فافعَلْ ، فإنَّه أَدوَمُ لِجَمالِها وأرخَى لِبالِها ، وأحسَنُ لِحالِها ، فإنَّ المَرأةَ رَيحانَةٌ ولَيسَت بِقَهرَمَانَةٍ ، فَدارِها على كُلِّ حَالٍ ، وأحسِن الصُّحبَةَ لَها لِيصفُو عَيشُكَ » . ۲
قال ابن عبد ربّ في العِقد الفريد ، وكتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة ، ثُمَّ نقل فصلاً قد يشابه في بعض الجملات ما ذكره المصنّف رحمه الله عن الفقى ، ونحن ننقله هنا تتميما للفائدة ، وإكثارا للعائدة :
كتب إلى ابنه محمَّد بن الحنفيَّة :
« أن تَفَقَّه في الدِّينِ ، وعَوِّد نفسَكَ الصَّبرَ علَى المكروهِ ، وكِلْ نفسَكَ في أمورِكَ كُلِّها إلى اللّه ِ عز و جل ، فإنَّك تَكِلُها إلى كَهْفٍ . وأخْلِصْ المسألَةَ لِرَبِّك ، فإنَّ بِيَدِهِ العَطاءَ والحِرمانَ ، وأكثِرِ الاستخارَةَ لَهُ ، واعلَمْ أنَّ مَن كانَت مَطِيَّته اللَّيلَ والنَّهارَ فإنَّه يُسار بهِ وإنْ كانَ لا يَسِيرُ ، فَإنَّ اللّه َ تعالى قَد أبى إلاّ خَرابَ الدُّنيا وعِمارَةَ الآخِرَةِ .
فإن قَدَرتَ أن تَزْهَدَ فِيها زُهْدَك كُلَّهُ فافعَلْ ذلِكَ ، وإن كُنتَ غَيرَ قابِلٍ نَصِيحَتِي إيَّاكَ ، فاعلَم عِلْما يقينا أنَّك لن تَبْلُغ أملَكَ ، ولا تَعْدو أجلَكَ ، وأنَّك في سَبِيلِ مَن كانَ قَبْلَكَ ، فَأَكرِمْ نفسَكَ عَن كُلِّ دَنِيَّةٍ ، وإن ساقَتكَ إلى الرَّغائِبِ ، فَإنَّكَ لن تَعتاضَ بِما تَبْذُلُ مِن نَفسِكَ عِوَضا ، وإيَّاكَ أن تُوجِفَ بِكَ مَطايا للطَّمعِ ، وتَقولُ : متى ما أُخِّرت نَزَعتُ ، فإنَّ هذا أهْلَكَ مَن هَلكَ قَبْلَكَ .
وأمسِكْ عَليكَ لِسانَكَ ، فإنَّ تَلافِيك ما فَرَطَ مِن صَمْتِكَ أيْسرُ علَيكَ مِن إدراكِ ما فاتَ مِن مَنْطِقِكَ ، واحفَظْ ما في الوِعاءِ بشَدِّ الوِكاءِ ، فحُسْنُ التَّدبِيرِ مَعَ الاقتصادِ أبْقى لَكَ مِنَ الكَثيرِ مَعَ الفَسادِ ، والحُرْفَةِ ۳ مع العِفَّةِ خيرٌ مِنَ الغِنى مَعَ الفُجُورِ ، والمَرْءُ أحفظُ لِسِرّهِ ، ولَرُبَّما سَعَى فيما يَضُرُّهُ .
وإيَّاكَ والاتّكالَ علَى الأمانِي ، فإنَّها بضائِعُ النَّوكَى ۴
، وتُثَبِّطُ عَنِ الآخِرَةِ
والأُولَى . ۵ ومن خير حظّ الدُّنيا القَرِينُ الصَّالِحُ ، فقارِنْ أهلَ الخَيرِ تَكنْ مِنهُم ، وبايِنْ أهلَ الشَّرّ تَبِنْ عَنهُم ، ولا يَغْلِبَنَّ عليْكَ سُوءُ الظَّنِّ ، فَإنَّهُ لَن يَدعَ بَينَكَ وبَينَ خَلِيلٍ صُلْحا .
أذْكِ قلْبَكَ بالأدَبِ ، كما تُذْكَى النَّارُ بالحَطَبِ ، واعلَم أنَّ كُفْرَ النِّعْمَةِ لُؤْمٌ ، وصُحْبَةَ الأحمَقِ شُؤمٌ ، ومِنَ الكَرَمِ مَنْعُ الحُرَمِ ، ومَن حَلُم سادَ ، ومَن تَفَهّم ازدَادَ .
إمْحَض أخاكَ النَّصِيحَةَ ، حسنةً كانَت أو قَبيحَةً ، لا تَصْرِمْ أخَاكَ علَى ارتيابٍ ، ولا تَقْطَعْهُ دُونَ استِعتابٍ ، ولَيسَ جزاءُ مَن سَرَّكَ أن تَسُوءَهُ .
الرِّزقُ رِزقان : رِزْقٌ تَطْلُبهُ ، ورِزْقٌ يَطلُبُكَ ، فإن لَمْ تأتِهِ أتاكَ .
واعلَمْ يا بُنيَّ أنَّ مالَكَ مِن دُنياكَ إلاَّ ما أصْلَحْتَ بهِ مَثْواكَ ، فأَنْفِقْ مِن خَيْرِكَ ، ولا تَكُن خازِنا لِغَيرِكَ ، وإن جَزعْتَ على ما يُفلِتُ مِن يَديْكَ فاجزَع علَى ما لَمْ يَصِل إليْكَ ، رُبّما أخطأ البَصيرُ قَصْدَهُ ، وأبصَرَ الأعمَى رُشْدَهُ ، ولَم يَهْلِكِ امرؤٌ اقتَصَدَ ، ولم يَفْتَقِرْ مَن زَهَدَ .
مَن ائتمَنَ الزَّمانَ خانَهُ ، ومَن تَعَظَّمَ علَيْهِ أهانَهُ . رأسُ الدِّينِ اليَقينُ ، وتَمامُ الإخْلاصِ اجتِنابُ المَعاصِي ، وخيرُ المَقالِ ما صَدَّقَهُ الفِعالُ . سَلْ عن الرَفِيقِ قَبلَ الطَّريقِ ، وعَنِ الجَارِ قَبْلَ الدَّارِ . واحمِلْ لِصَديقِكَ علَيكَ . واقْبَل عُذرَ مَن اعتَذَرَ إليْكَ ، وأخِّر الشَّرَّ ما استَطَعْتَ ، فإنَّكَ إذا شِئْتَ تَعجَّلْتَهُ .
لا يَكُنْ أخوكَ علَى قَطيعَتِكَ أقَوى مِنْكَ علَى صِلَتِهِ ، وعلَى الإساءَةِ أقوى مِنْكَ علَى الإحسانِ . لا تُمَلّكن المرأةَ مِنَ الأمْرِ ما يُجاوِزُ نَفْسَها ، فَإنَّ المَرأةَ رَيْحانَةٌ ،
ولَيسَتْ بِقَهْرمَانَةٍ ، فَإنَّ ذلِكَ أدومُ لِحالِها ، وأَرْخَى لِبالِها .
واغضُض بَصَرَها بِسَتْرِكَ ، واكفُفْها بِحجابِكَ . وأكرِمِ الَّذِينَ بِهِم تَصُولُ ، وإذا تطاوَلتَ بِهم تَطُولُ . أسألُ اللّه َ أن يُلْهِمَكَ الشُّكرَ والرُّشْدَ ، ويُقَوِّيكَ على العَمَلِ بِكُلِّ خَيْرٍ ، ويَصرِفُ عَنْكَ كُلَّ مَحْذورٍ بِرَحمَتِهِ ، والسَّلامُ علَيكَ ورَحمَةُ اللّه ِ وبَرَكاتُهُ . ۶

1.معادن الحكمة : ج۱ ص ۴۵۴ الرقم ۸۸ .

2.من لايحضره الفقيه : ج۳ ص۵۵۶ ح۴۹۱۱ .

3.الحُرْفة : الضيق والإقلال .

4.النوكى ـ بالفتح كسكرى ـ : جمع أنوك ، أي الأحمق .

5.الأماني : جمع الأُمنية : الأمل . والبضائع : جمع البضاعة : رأس المال . والنَّوكى : الحمقى لفظا ومعنىً . وتثبط : تعوق وتؤخّر .

6.العِقد الفريد : ج۲ ص۳۳۳ ـ ۳۳۵ .


مكاتيب الأئمّة ج2
194

173

كتابه عليه السلام في وقف داره

روي في الوسائل عن الحسين بن سعيد ، عن محمَّد بن عاصم ، عن الأسْوَد بن أبي الأسْوَد الدُّؤلي ، عن رِبْعيّ بن عبد اللّه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال :
« تصدَّقَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام بدارٍ له بالمدينة في بني زريق ، فكتب :
« بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمن الرَّحِيمِ
هذا ما تصَدَّقَ بهِ عليُّ بنُ أبي طالِبٍ ، وهوَ حَيٌّ سَوِيٌّ ، تَصَدّقَ بدارِهِ الَّتي فِي بَنِي زُرَيقٍ صَدَقَةً ، لا تُباعُ ولا تُوهَبُ حَتَّى يَرِثَها اللّه ُ الَّذي يَرِثُ السَّماواتِ والأرضَ ، وأسكَنَ هذهِ الصَّدَقَةَ خالاتِهِ ما عِشْنَ وعاشَ عَقِبُهُنَّ ، فإذا انقَرضُوا فَهِي لذَوي الحاجَةِ مِنَ المُسلِمينَ » .۱

بنو زريق هم ابن عامر بن زريق ، بطن من الخَزْرَج ، مِنهم أبو رافع بن مالك ، وهو أوَّل من أسلم من الأنصار . ۲

1.تهذيب الأحكام : ج۹ ص۱۳۲ ح۵۶۰ ، الاستبصار : ج۴ ص۹۸ ح۳۸۰ ، من لا يحضره الفقيه : ج۴ ص۲۴۸ ح۵۵۸۸ ، مستدرك الوسائل : ج۱۴ ص۵۴ ح۱۶۰۹۰ .

2.نهاية الارب للقلقشندي : ص۲۵۲ الرقم ۹۵۳ وراجع : معجم القبائل العرب : ج۲ ۴۷۱ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج2
    المساعدون :
    فرجي، مجتبي
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 70553
الصفحه من 528
طباعه  ارسل الي