د ـ الصّديق الصالح
إنّ رفيق الشاب وصاحبه يلعب دورا مهمّا في نموّه وازدهاره أو انحطاطه وتعاسته ، وقد بلغ من تأثير الصاحب في حياة الإنسان أن قال النَّبيّ صلى الله عليه و آله :
المَرءُ عَلى دينِ خَليلِهِ ، فَليَنظُر أحَدُكُم مَن يُخالِلُ . ۱
فما أكثر الشَّباب الذين سعدوا بسبب أصدقائهم ، وفي المقابل ما أكثر الشَّباب الذين تعسوا بسبب أصدقاء السوء!
إنّ الفصل الرابع من القسم الثاني من الكتاب يعرض إلى الشَّباب الأعزاء تعاليم وإرشادات قيّمة في بيان دور الصاحب في الحياة ، وضرورة التحقيق قبل اختيار الأصدقاء ، وعلامات الصديق الفاضل ، وحقوق الأصدقاء وغيرها .
ه ـ تقوية البدن واللذائذ المشروعة
إنّ النقطة المهمّة الأُخرى في معرفة عوامل ازدهار الشَّباب ، هي قوة الجسم وسلامته إلى جانب قوة الفكر والروح ، وقد أولى الإسلام هذه المسألة عناية خاصّة ؛ لأنّ قوة الجسم ونشاطه شرط أوّلي في بناء النفس ووصول الإنسان إلى قمة الكمال ، وفي هذا السياق سئل الإمام الصادق عليه السلام عن قوله تعالى : «خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَـكُم بِقُوَّةٍ»۲
أقُوَّةٌ فِي الأَبدانِ أم قُوَّةٌ فِي القُلوبِ؟ فَأَجابَ عليه السلام : فيهِما جَميعا . ۳
وفي مورد آخر جاء في الكتاب الكريم في اصطفاء طالوت زعيما على جمعٍ من بني إسرائيل :
«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِى الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ» .۴
ويشير تأريخ المعصومين من الأنبياء والأوصياء إلى أنّهم جميعا كانوا يتمتعون بقوة الجسم والروح ، وفي دعاءٍ لأمير المؤمنين عليه السلام رواه عنه كميل بن زياد ، وهو يعتبر من أفضل الدروس التي يمكن أن يتلقاها المرء في بناء النفس ، أكّد فيه قوة الجوارح إلى جانب قوة الجوانح ، حيث جاء في آخره :
يارَبِّ، يارَبِّ ، قَوِّ عَلى خِدمَتِكَ جَوارِحي ، وَاشدُد عَلَى العَزيمَةِ جَوانِحي ۵
. ۶
وعلى هذا الأساس فإنّ الروايات الإسلامية تنطوي على إرشادات حكيمة قيّمة ـ وردت أيضا ضمن توصيات عدد من الأنبياء الماضين عليهم السلام ـ تؤكد أنّ على الإنسان العاقل إلى جانب برنامجه في تحصيل العلم والعمل والارتباط بالخالق ـ جل وعلا ـ أن يكون له أيضا برنامج عمل للاستفادة من اللذات والمتع المشروعة ، وواضح أنّ هذا البرنامج في الواقع هو الذي يوفّر الأرضية المناسبة لتحقيق سائر برامج
الحياة المهمّة ، وهذا يعني أنّ ارتقاء الإنسان إلى قمة الكمال لا يتيسّر دون إشباع رغبات الإنسان عن طرق الحلال . وهناك المزيد من الروايات الإسلامية التي تحمل تعاليم راقية فيما يخص العوامل المساعدة على تقوية الجسم وسلامة البدن وطراوته ، ۷
سوف نشير في الفصل الخامس من القسم الثاني من جواهر الحكمة للشَّباب إلى عددٍ منها ، مثل السفر والمشي والسباحة ، والنظر إلى الحقول الخضراء ، والمصارعة والفروسية والسباق والرماية وغيرها .
والنقطة الأهم في ضوء التعاليم الواردة عن أهل البيت عليهم السلام هي اعتبار ما يقوم به الإنسان من أنواع الرياضة والألعاب والأعمال المشروعة التي تسهم في تقوية البدن وتنميته عبادة ، فإذا انجزت مثل تلك الأفعال بقصد القربة ، فإنّها تؤدي إلى التكامل المعنوي فضلاً عن الثواب الاُخروي .
وعلى هذا الأساس فإنّ الجمع بين النشاطات الرياضية مع النشاطات الفنية والثقافية الشائعة في عدد من الدول المتحضرة في عصرنا الحالي ، قد وردَ على أفضل وجه في تعاليم أئمة الدين .