21
المعلّي بن خنيس

عصر المعلّى بن خنيس

عاش المعلّى في عصر مضطّرب ملِيء بالصراعات والثورات والآراء المتعددة النزعات، كالشعوبية والقبلية، وكان المجتمع يموج بالفتن والقتل والقتال . فقد عاصر سقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية، وظهور تيارات داخل الكيان الشيعي كالكيسانية العباسية، والزيدية الحسنية ،والمغيرية، والخطابية، والإمامية الجعفرية التي كانت كلها ترفع «أهل البيت» شعارا لها ، و «الرضا من آل محمّد» عنوانا لحركتها . ولكن عندما نسبر أغوار التأريخ نجد الصراع بين هذه الاتجاهات قائما على أوجه، وأنّ الفتنة محيطة بالمؤمنين، فسقط الكثير منهم في شراك الفتنة والطموح .
عاصر المعلّى تلك الأجواء، وكان أشدُ الناس التصاقا بالإمام الصادق حتى لاقى ربّه شهيدا .
وسوف نبحث عصره بما يناسب المقام لنتوصل إلى معرفة وعيه ودوره، وسبب شهادته .

سقوط الدولة الأموية :

نزى بنو أُمية على استلام الحكومة بعد أن كانوا أشد الناس عداوة للرسول صلى الله عليه و آله، ومبالغة في إيذائه وتماديا في تكذيبه، فقد كانوا رأس الطاغوت القرشي، وكانوا
قادة جيوش المشركين في بدر وأحد والأحزاب وغيرها إلى أن فتح مكة، فدخلوا الإسلام، ومنهم من أضمر الحقد والحسد والكيد للإسلام وأهله وبقى على قبليته، وبما أنّهم سادة قريش فقد سعوا إلى أن تكون لهم السيادة في الإسلام . فمدوا عيونهم للإمرة والخلافة .
قال المقريزي معلقا على هذا الطموح : فإنّي كثيرا ما تعجبت من تطاول بني أُمية للخلافة، مع بعدهم عن جذم رسول اللّه ، فلعمري لا نبعد أبعد ممّا كان بين بني أمية وبين هذا الأمر، إذ ليس لبني أُمية سبب إلى الخلافة ولا بينهم وبينها سبب . ۱
لكنهم سعوا وبطرق شتى عبر القرابة والدسائس والفتن والحرب حتى وصلوا إلى سدة الحكم ، وأصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة المسلمين عام «41 ق»، واستمر الحكم الأموي إلى عام «130 ق» ، في جوٍ ملبد بالكذب والوضع والزندقة حتى سقوط دولتهم وزوال ملكهم .
وسنذكر مجمل أسباب السقوط بشكل مقتضب، لغرض إعطاء صورة واضحة للاتجاهات التي ساهمت في سقوط الدولة الأموية، والتي أثرت في تعدد رؤى الشيعة وقيام الدولة العباسية .
أ ـ شهادة الإمام الحسين بن علي عليه السلام ريحانة الرسول رضى الله عنه وسيد شباب أهل الجنة، على يد جيش يزيد بن معاوية وبصورة بشعة، ثُمَّ سبي عائلته ونقلها من بلد إلى بلد، ممّا سبب لوعة وحزنا في قلوب المسلمين، وتأججت العواطف وانكشفت حقيقة الوجه الأموي المعادي للّه ورسوله . ممّا أصبح من الواضح أنّ الأمويين لم يرعوا للّه ورسوله حرمة ولا لدين اللّه احتراما . فكانت شهادته عليه السلام، وأهل بيته وأصحابه أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى سقوط الدولة الأموية، بل اعتبرها عباس محمود العقاد السبب الوحيد في سقوطها ۲ .
ب ـ موقف الشيعة من الحكم الأموي، فقد تميّز موقفهم منذ بغي القاسطين وانقسام المجتمع إلى شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام وشيعة بني أمية، واشتدت المحنة بعد شهادة الإمام عليّ، وأصبح الشيعة عرضة لسهام الأمويين وبغيهم، فقد تعرضوا للقتل والمطاردة والتشريد والحرمان، واشتد البلاء عليهم بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلاموتعرّض خيار الشيعة للقتل ، ثُمَّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام التي أصبحت نارا لا تنطفئ بقلوب الشيعة، ممّا جعلهم يعلنون الثورة تلو الثورة ضد الحكم الأموي، فكانت ثورة التوابين، وثورة الحرة في المدينة، وثورة المختار، وثورة زيد بن علي، وثورة معاوية بن عبداللّه وغيرهم .
إضافةً للحركة العلمية في نشر الفضائل والمناقب والحديث التي راح في سبيلها عدد من خيار الشيعة كميثم التمّار، وسعيد بن جبير، وكميل بن زياد، ورشيد الهجري، وقنبر (مولى علي عليه السلام) وغيرهم . وبهذا أصبح الشيعة الخطر الحقيقي الذي يهدد العرش الأموي، وقد ساهمت الحركة الشيعية بإسقاط الدولة الأموية مساهمة فعاله، بل سقطت تحت الشعار الشيعي (الرضا من آل محمّد عليه السلام) .
ج ـ موقف الموالي من بني أمية : أقام الأمويون حكمهم على التمييز الطبقي والعرقي، لذا تعرّض غير العرب إلى أقسى حالات التمييز والاحتقار والإهانة، فقد أطلقوا عليهم اسم «الموالي»، ووصفوهم بالعلوج، وكانوا لا يمشون في الصف معهم ولا يقدمونهم بالمركب، وكانت المرأة منهم لا تخطب من أبيها وإنّما تخطب إلى مواليها، ومُنع زواج الموالي من العرب، وتطلّق العربية إذا وجدت تحت أحدهم . كما أراد معاوية قتل شطر منهم عندما رآهم قد كثروا فنهاه الأحنف عن ذلك، وطرد الحجاج غير العرب من البصرة والبلاد المجاورة لها، ومنع النبط من المبيت في واسط ۳ ، فقد كان غير العرب في العصر الأموي محتقرين مضطهدين محرومين من
أبسط الحقوق التي منحهم إياها الإسلام . فنتيجة هذا التعسف والظلم ظهرت الحركة الشعوبية في أواخر العصر الأموي والتي كانت تنادي بالمساواة بين الشعوب المختلفة في المجتمع الإسلامي، ثُمَّ اتخذت مناحي أُخرى في المفاضلة والمفاخرة بين الشعوب والبلدان امتلأت بها كتب الأدب والتأريخ والحديث .
كما بادر الموالي ببذل أرواحهم ودمائهم وكل غال ونفيس في سبيل الخلاص من الحكم الأموي، فكانوا أكثر الناس استجابة للخروج والتمرد، فقد كانوا يشكلون معظم جيش المختار، وأكثر جيش ابن الأشعث، وقوام جيش عبداللّه بن معاوية . وكان خروج أبي مسلم الخراساني منطلقا من الحيف والظلم الذي لحق بالموالي، لذا فإنّهم استجابوا له وانطلقوا معه في حماس عجيب يفتحون البلدان ويهزمون الجيوش من خراسان حتى وصلوا الكوفة، وكان الخراسانيون القوة الحقيقية التي تم على يدها إسقاط الحكم الأموي وتحت شعار «الرضا من آل محمّد» .
د ـ الصراع القبلي بين اليمانية والعدنانية : جرت بين هاتين القبيلتين مفاخرات ومنافرات في فجر الإسلام في زمن النبيّ صلى الله عليه و آله، كما جاء في قصة ماء المُريسيع ۴ ، ثُمَّ أذكى الصراع بينهما السياسة القرشية بالتمييز والطبقية في الزواج والعطاء والإمرة ۵ ، ثُمَّ عمّق الصراع معاوية بن أبي سفيان واضطهد الأنصار واليمانيين، واحتقر قبائل اليمن، واستمر الأمويون في سياسة التمييز حتى أصبح الصراع القبلي في جميع أنحاء البلاد كالشام وخراسان والعراق، فقد كان الصراع في الشام له مدخلية في إبقاء الحاكم الأموي أو خلعه، كثورة اليمانية على الوليد بن يزيد
بعد أن أثقل عليهم، وحرضت الثورة ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبدالملك على أخذ البيعة لنفسه، فاستولى على دمشق وأرسل جيشا إلى الوليد وهو في القصر، فدخلوا عليه وذبحوه . وكان اعتماده على اليمانيّة في إخماد القيسيّة في أماكن متعددة، كما وقف مروان بن محمّد إلى جانب القيسيّة ضد اليمانيّة في نزاعه على الخلافة مع إبراهيم بن الوليد .
كانت خراسان ساخنة بالصراع القبلي بين اليمانيّة وزعيمها يزيد بن المهلّب ثُمَّ علي بن الكرماني، والقيسيّة وزعيمها نصر بن سيار .
وقد توجّه يزيد بن المهلب إلى البصرة ليخوض ثورته على أساس قبلي ، واستنفر لنصرته كل القبائل اليمانية في الكوفة وغيرها ۶
، هذا ممّا جعل البلاد ملتهبة بالثورات والصراعات القبلية، حتى أصبحت أحد الأسباب في سقوط الدولة الأموية ، بل اعتبرها المسعودي السبب الرئيسي في إسقاط الدولة الأموية ۷ .
ه ـ موقف الخوارج من الدولة الأموية : بعد انقسام الأُمة الإسلامية إلى ثلاثة أحزاب : شيعة بني أمية وشيعة علي عليه السلام، وخوارج، الذين خرجوا على الإمام علي عليه السلامفي معركة صفين رافضين نتائج التحكيم، طالبين منه التوبة ، فكانت له معهم وقعة النهروان، وبعد شهادته عليه السلامكان الخوارج أشد الناس على معاوية بن أبي سفيان، لاعتقادهم بوجوب قتاله وكفره، وقد خرجوا في زمنه، فكانت حركة المستورد بن علقمة، وحيّان بن ظبيان، كما تعرضوا إلى أكثر من إبادة وقتل جماعي على يد المغيرة وزياد بن أبيه .
ثُمَّ ثورة نافع بن الأزرق ومذهبه الشديد في تكفير المسلمين وسبيهم، كما هزم الجيش الأموي عدّة مرات أمام الخوارج، واعتد أمرهم وتفاقم خطرهم
على الدولة الأموية في عهد مروان بن محمّد، فقد انتهز الضحّاك بن قيس الشيباني فرصة انقسام الحزب الأموي، فخرج وانضم إليه الخوارج، وتوجه إلى الحيرة ثُمَّ زحف إلى الكوفة، وبعدها سار نحو الموصل، ثُمَّ النصيبين حتى هزم عند ماردين في سنة «128 ه»، وخرج أبو حمزة إلى مكة، ثُمَّ دخل المدينة وأقام فيها ثلاثة أشهر ۸ .
ولهذا كانت حركة الخوارج مصدر قلق للدولة الأموية، وساهمت في إضعافها وإسقاطها .
إذا قد سقطت الدولة الأموية بسبب ظلامة الحسين عليه السلام، وتحت ضربات ثورات الموالي واليمانية والخوارج، ممّا جعل هذا التّنوع في المعارضة صعوبة في السيطرة على مسار الثورة .
وقد تجتمع هذه الاتجاهات تحت شعار واحد في بعض الأحيان، كاجتماع الشيعة والموالي واليمانية على حرب الأمويين تحت شعار «الرضا من آل محمّد»، فساهم هذا التنوع في تعدد الاتجاهات الشيعية .

1.التنازع والتخاصم ، ص ۱۱ ـ ۱۲ .

2.الحسين أبو الشهداء ، العقاد، ج ۳ : ۳۰۹ إلى ۳۱۵ .

3.راجع العقد الفريد ، ج ۳، ص ۴۰۸ ـ ۴۱۶ ؛ والأغاني ، ج ۱۴، ص ۱۵۰ ؛ تاريخ التمدن الإسلامي ، ج ۴، ص ۴۱ .

4.راجع : مغازي الواقدي ، ج ۱، ص ۴۰۴ ـ ۴۱۱ ؛ سيرة ابن هشام ، ج ۳، ص ۳۵۲ ؛ أحاديث أُم المؤمنين عائشة ، ج ۲، ص ۱۲۱ .

5.راجع : ثورة الحسين عليه السلام ظروفها الاجتماعية وآثارها الإنسانية ، ص ۲۸ ؛ عن تاريخ اليعقوبي ، ج ۲، ص ۱۰۶ ؛ فتوح البلدان ، ص ۴۳۷ ؛ شرح ابن أبي الحديد ، ج ۸، ص ۱۱۱ .

6.مروج الذهب ، ج ۳، ص ۲۵۷ .

7.راجع : مروج الذهب ، ج ۳، ص ۲۵۴ ـ ۲۵۷ ؛ الكامل في التاريخ ، ج ۵، ص ۲۸۰ ـ ۳۲۳ ؛ خمسون ومئة صحابي مختلق ، ج ۱، ص ۶۱ ـ ۷۶ ؛ ضحى الإسلام ، ج ۱، ص ۳۲ ـ ۳۳؛ التاريخ العباسي ، ص ۱۰ .

8.راجع : تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن ، ج ۲، ص ۴ ـ ۱۰ وضحى الإسلام .


المعلّي بن خنيس
20
  • نام منبع :
    المعلّي بن خنيس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 47361
الصفحه من 260
طباعه  ارسل الي