الحوار

Ãحوار مع: الأستاذ كاظم مدير شانَجي

علوم الحديث: نشكر لكم إتاحة هذه الفرصة للحديث معكم في هذا المكان المقدس والوقت الثمين. نرجو بدايةً أن تقدموا لنا نبذة عن حياتكم ودراستكم.
الأستاذ شانَجي: وأنا أشكر لكم أيضاً لطفكم وحسن مشاعركم. ولدت في عام 1927م في مدينة مشهد. كان أبي تاجراً يعمل غالباً على البضائع المحلية. وأمي من أسرة علمائية. من بعد المرحلة الابتدائية والثانوية، وفي سن العشرين تقريباً دخلت الحوزة العلمية في مشهد عن رغبة وجدتها في نفسي في طلب العلوم الدينية. وللأسف من قبل آب ـ أيلول من عام 1951م وفي عهد رضا شاه، كانت الحوزات والمدارس الدينية في مشهد وكذلك في المدن الإيرانية الأخرى تعاني من حالة سبات، وبالطبع كان الكثير من الأساتذة والفضلاء قد غادر الحوزات والمدارس الإيرانية. ولذلك كان أساتذتنا هم من بقي في حوزة مشهد من قبل (آب ـ أيلول 1951م) وتفرّق العلماء والطلاب عن تلك الحوزة. ومنهم الأديب النيشابوري والأديب الهروي حيث أخذت عن هذين الفاضلين علوم العربية والفارسية. ودرست "شرح اللمعة" و"القوانين" عند المرحوم الحاج ميرزا محمد مدرس الذي كان أستاذاً خبيراً مثابراً. آنذاك كانوا يقرأون "شرح اللمعة" و"القوانين" خلال سنتين. ولأني كنت طالباً مجداً أكملت بقية هذين الكتابين في صيف تلك السنة عنده وكذلك عند ولده الفاضل واثنين من فضلاء مشهد. أحد هؤلاء الفضلاء موجود اليوم وهو جناب السيد مرواريد الذي هو حقاً أحد أخيار العلماء في مشهد. وبذلك انتهيت من شرح اللمعة والقوانين خلال سنة واحدة.
ودرست "الرسائل" و"المكاسب" عند الشيخ هاشم القزوينى. ولأنه كان من الأساتذة المعتمدين في مشهد، أبعده رضا شاه إلى قزوين. وعندما جاء إلى مشهد للزيارة أمر آية الله الأقا ميرزا مهدي الإصفهاني ـ وهو من تلامذة المرحوم النائيني ومن العلماء البارزين المؤسسين لبحوث الأصول في مشهد ـ أن نطلب من الشيخ هاشم القزويني البقاء في مشهد للتدريس. فذهبنا إليه وتفضل هو بالقبول. ومن حسن الصدف أنه أخذ بتدريس مرحلة السطوح العالية (الرسائل والمكاسب والكفاية) فحضرت دروسه أنا وبعض الطلاب الجدد والقدماء (1) في الحوزة.
كما درسنا قسماًً من "الكفاية" عند المرحوم الحاج ميرزا علي أكبر نوقاني اختصاراً لمدة الدراسة. كان يتولى إدارة مدرسة نواب وكنا نحن ندرس فيها.
وكذلك تلقينا دورة من البحث الخارج في الأصول وبعض بحوث الخارج في الفقه عنده (المرحوم نوقاني). كما تلقينا دورة من البحث الخارج في الأصول عند المرحوم الحاج الشيخ مجتبى القزويني الذي كان يدّرس على نهج المرحوم النائيني. طبعاً درسنا عنده أيضاً بعض موضوعات البحث الخارج في الفقه وبعض الدروس العقلية. وحضرنا أيضاً دروس البحث الخارج للشيخ هاشم القزويني وآية الله الميرزا مهدي الإصفهاني وآية الله السيد يونس الأردبيلي (من تلامذة المرحوم الآخوند الخراساني).
من أساتذتي الآخرين المرحوم الحاج ميرزا أحمد كفائي ابن المرحوم الآخوند الخراساني. والحقيقة إنه كان بارعاً في تدريس البحث الخارج في "الكفاية" وقد استفدنا منه كثيراً. ومن بعده جاء المرحوم آية الله الحاج السيد محمد هادي الميلاني للزيارة (من العراق) إلى مشهد فطلبنا نحن مع مجموعة من الطلاب من دورتنا وبعض من توقفت دراستهم ممن سبقنا أن يبقى في مشهد فأجابنا إلى ذلك. فتلقيت عنده دورة من البحث الخارج في الأصول وثلاثة مباحث في الفقه كان أحدها الإجارة. طبعاً كان له فضل عليّ وكنت أحضر جلسات إفتائه وأشارك في التباحث.
طبعاً درست لفترات أيضاً عند المرحوم آميرزا مهدي آشتياني والمرحوم آية الله الخوئي والمرحوم آية الله رامهرمزي بهبهاني. وفي مجال التدريس لا بد من القول أني كنت أهتم بتدريس الكتب المنهجية في الحوزة من بداية طلبي العلوم الدين، إلا أنني درّست "شرح اللمعة" و"المكاسب" عدة مرات في حوزة مشهد تبعاً للحاجة والضرورة.
وفي مجال العلوم العقلية، درست "شرح الإشارات" للخواجة نصير الدين و"شرح الهداية" للآخوند ملا صدرا وأجزاء من "الأسفار" عند الحاج الشيخ مجتبى القزويني، حيث كان له انتقادات وملاحظات على الفلسفة أحياناً. درست قسماً من "الأسفار" عند الحاج الشيخ سيف الله ايسي. كلا هذين الفاضلين كان من تلامذة المرحوم الحكيم أقا بزرك شهيدي مشهدي. ودرست "شرح القيصري على الفصوص" عند المرحوم إلهي قمشئي (حيث كان يأتي في الصيف إلى مشهد).

علوم الحديث: نرجو أن تحدثونا قليلاً عن كلية "الإلهيات" في مشهد وتدريسكم فيها.
الأستاذ شانَجي: افتتحت كلية "الإلهيات" في مشهد عام 1958م، ولأنه لم يكن لديها أستاذ بدرجة الدكتواره في "الإلهيات"، طلبوا مني ومن واحد أو اثنين من الأصدقاء أن ندرّس فيها. فاستشرت أساتذتي، ومنهم المرحوم الحاج الشيخ هاشم، في الذهاب أو عدم الذهاب. كان الحاج الشيخ هاشم رجلاً متنوّراً جداً وذا امتيازات كثيرة وأفق واسع، فقال لي إن من واجبك أن تذهب للتدريس هناك.
وقال بصدد ذلك إنه في مدارس إيران سابقاً حيث لم يكن لديهم معلمون، كانوا يطلبون من أساتذة المدارس الدينية والحوزات أن يدرّسوا فيها أو يتولوا إدارتها. وعندما وجد المعارضون للدين أن هذه المدارس إذا أصبحت بيد الحوزة والعلماء سوف لن يبقى مكان لدعواتهم وإعلامهم، ففكروا بطريقة وقالوا للمرحوم السيد "أبو الحسن" الذي كانت له المرجعية العامة آنذاك بأن هذه المدارس تُديرها الحكومة الغاصبة ولا يحسن بأهل العلم الذهاب للعمل فيها. ولذلك نهى سماحته عن ذلك لهذا السبب. طيب، من كان ملتزماً ويمتثل أوامره ترك تلك المدارس، ومن كان لا يبالي بقي فيها. من هنا، ظل هذا الموقع خالياً. ثم شهدنا العواقب التي ترتبت على ذلك.
المرحوم الشيخ هاشم القزويني قال: "الآن وقد افتتحت كلية الإلهيات ها هنا، فلا تدعوا هذا الموقع خالياً". وهكذا دخلنا هذه الكلية أنا وصديق أو صديقان وكذلك فرد أو فردان من طلبة العلوم الدينية السابقين من الدورة التي سبقتنا وممن كان طالباً للعلوم الدينية على عهد البهلوي الأول، ومن بعد ذلك دعوت السيد واعظ زاده ـ الذي كان يدرس في قم آنذاك ـ إلى الكلية. ذهب بعض الأفاضل من أهل العلم وجاءوا به والحمد لله كانت النتائج موفقة. هذا النهج راج في طهران أيضاً ودخل بعض أفاضل الحوزة، منهم الشهيد آية الله المطهري، إلى كلية "الإلهيات" في طهران وبذلك تم الحفاظ على هذين الموقعين، أي كلية "الإلهيات" في طهران وكلية "الإلهيات" في مشهد، بوجود هؤلاء السادة.
وفي كلية "الإلهيات" في مشهد، رشّحوني أولاً لتدريس الفقه، إلا أنه كانت هناك دروس في المقرر الدراسي لم يكن من أحد ليدرسها، كتاريخ الإسلام وعلوم الحديث وتاريخ الأديان والملل والنحل. كنت أدرّس تاريخ الإسلام من كتاب "تاريخ الإسلام" للمرحوم الدكتور فياض وكنت أضيف إليه أحياناً بعض الملاحظات حيث صارت بالتدريج أكثر من الكتاب نفسه. طبعاً أنا والمرحوم الدكتور آيتي اللذان كنا ندرس تاريخ الإسلام في مشهد وطهران وكان منهجنا كتاب الدكتور فياض، وكان لكلانا ملاحظات على الكتاب. فإنه على الرغم من كل ما له الأسبقية والإيجاز والريادة، يوجد فيه بعض الخلل والنقص. وقد ألّف المرحوم آيتي فيما بعد كتاباً مستقلاً ولكنه لم يتم، وكان كتاباً موسعاً لا يناسب التدريس في الجامعة. وأنا مع هذه الأشغال التي تحيط بي لم تسنح لي الفرصة لإعداد ما كتبته للطباعة، ولكني أعتقد أن "تاريخ الإسلام" في الجامعة ينبغي أن يكون ـ إلى جانب الدقة والإيجاز ـ ذا نظرة شمولية عميقة إلى القضايا وألا يقف عند تاريخ عصر الرسالة. ترتيب تاريخ صدر الإسلام على أساس الحروب والغزوات لا يقدّم المعرفة المطلوبة إلى الطالب والقارئ. وبعون الله لدي نية تأليف كتاب دارسي يناسب الوحدات الدراسية المطلوبة في "تاريخ الإسلام".
وفيما يخص علم الحديث لم يكن لدينا كتاب للتدريس أيضاً. ولذلك أعددت كراساً طبعته جامعة مشهد تحت اسم "علم الحديث" من بعد الدورة الثانية، ثم أضفت إليه أموراً وطبعته مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين. طبعاً من بعد هذه الطبعة كانت لي ملاحظات كثيرة أضفتها إلى الكتاب لعلّها تبلغ مقدار حجم الكتاب نفسه، ولكنني لم أجد الفرصة لتنظيمها وطبعها.
وفي مجال الملل والنحل لم يكن لدينا كتاب أيضاً، ولذلك رتّبت دراساتي حول أديان إيران القديمة والدين الزردشتي على شكل كراس وأخذت بتدريسها.
من بعد ذلك أصبحت دروس أخرى، كدرس الدراية، جزءاً من المقرر الدراسي للكلية. كما لم يكن لدينا في الدراية كتاب بالفارسية يمكن للطلاب الانتفاع به. ولذلك اضطررت إلى أن أجمع من هنا وهناك كتب "مصطلح الحديث" لأهل السنة ـ والتي كانت قليلة آنذاك ـ وكذلك ما كان لدينا من الكتب الشيعية وألقي الدروس منها، حيث أصبحت هذه فيما بعد على شكل كتاب طُبع تارة ملحقاً بـ "علم الحديث" وتارة بصورة مستقلة.
ومن الدروس الأخرى التي كنت أدرّسها في الكلية هو تاريخ الفقه، حيث كان لدينا لحسن الحظ كتاب في هذا الخصوص للمرحوم محمود شهابي (أدوار الفقه) ولم نكن بحاجة إلى إعداد كراس. "أدوار الفقه" كتاب دقيق وقيّم، ولكنه لم يكن كتاباً دراسياً ولم يتناول سوى أبواب الفقه من زمن الرسول (ص) إلى زمن الصحابة والتابعين.
طبعاً لا يزال ذلك التدريس (تاريخ الفقه) مستمراً. وعلى الرغم من أني الآن في سن التقاعد، ولكن لوجود دورة ماجستير ودكتوراه في الفقه في الكلية وليس لديهم أحد للتدريس، اضطررت إلى تدريس الفقه لدورة الدكتوراه وكذلك الماجستير بالإضافة إلى "آيات الأحكام".
وقد دعتني الجامعة الرضوية (دانشگاه رضوي) مرات عديدة إلى تدريس علوم الحديث. ومع أنه كان الأمر بالنسبة إلي صعباً ولم يكن لدي وقت، ولكنني لبيت دعوتهم في بعض السنوات، والآن أدرّس تاريخ الحديث في الجامعة الرضوية أيضاً. مدرسة نواب التي كنت أدرس فيها في مشهد، أُعيد بناؤها اليوم بصورة ممتازة وهناك طلاب أفاضل يدرسون فيها على مستوى البحث الخارج. وقد تم تحديد دروس للطلاب، منها تاريخ الفقه. ولكوني درّست هذا الموضوع في كلية "الإلهيات" قمت بإعداد كراس جرى تدريسه مرات عديدة من قبلي ومن قبل طلابي الذي كانوا يدرّسون هناك. واليوم يجري أيضاً تدريس تاريخ الفقه في كلية "الإلهيات" ومدرسة نواب، ولكننا قدّمنا إليهم ذلك الكراس (ولحسن الحظ أن السيد كرجي ألّف كتاباً في هذا المجال موجود لديهم أيضاًً). وأنا أُلقي المحاضرات والطلاب يطالعون ذلك الكراس بأنفسهم.

علوم الحديث: في مراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في كلية "الإلهيات"، ألا يوجد درس في الحديث غير درسي "علم الحديث و"دراية الحديث"؟ يعني في مجال الحديث لا يوجد سوى هاتين المادتين لا غير؟
الأستاذ شانَجي: لا، لا يوجد غير هذا. طبعاً لديهم درس "فقه الحديث" كان يدرّسه السيد واعظ زاده. كنت أنا في فترة ما أُدير مجموعة الفقه وكان السيد واعظ زاده يدير مجموعة القرآن والحديث. كان يدرّس فقه الحديث بأنْ يختار رواية من "الكافي" ويقوم بتدريسها من خلال شرح العلامة المجلسي. وبعد إحالته إلى التقاعد، أخذ أصدقاؤه وتلامذته يدرّسون ذلك الدرس.

علوم الحديث: كل من هذه الدروس الثلاثة هي في مرحلة البكالوريوس أو في مرحلة الماجستير؟
الأستاذ شانَجي: في الماجستير. علم الحديث الذي ذكرته يكون في حالة طلاب الحوزة، ولكن دراية الحديث كانت تُدرّس في الكلية منذ البداية، وهي تُدرّس اليوم في كل من مرحلتي البكالوريوس والماجستير، وتكون المادة في الغالب من الكتاب الذي ألّفته. هذا وإنْ كانت قلة وقتي لم تعد تسمح لي بالتدريس في مرحلة البكالوريوس.

علوم الحديث: نرجو من الأستاذ أن يحدثنا عن كتبه الأخرى.
الأستاذ شانَجي: كتب من قبيل "دراية الحديث" و"علم الحديث" ألّفتها لشعوري بالحاجة إليها. وفي خصوص هذين الكتابين، أعترف شخصياً أنهما ليسا كتابين مثاليين وفيهما نواقص كثيرة، ولكني كتبتهما آنذاك لسد الفراغ، وكنت منذ البداية أطلب من السادة الأفاضل الذين يأتون للتدريس أن يقارنوا ويبحثوا لعلّنا نحصل في يوم ما على كتاب شامل لا نقص فيه. ولكن للأسف، لا زلنا إلى الآن ندرّس هذا الكتاب في دوراتنا لأنه لا يوجد لدينا كتاب آخر. أنا حاولت في هذين الكتابين المقارنة بين اصطلاحات السنة والشيعة والإتيان لكل منها بنص موجز لمن يريد الحفظ إلى جانب ذكر المصدر. هذا العمل لم يجر في كتب الدراية ومصطلح الحديث السنية والشيعية. علم الحديث مهجور في واقع الأمر.
من دروس الكلية "آيات الأحكام" الذي يُدرّس في مرحلة البكالوريوس والماجستير. لم يكن لدينا كتاب لذلك أيضاً. كنت أدرّس هذا الدرس لعدة دورات عن كتاب "كنز العرفان" للفاضل المقداد ولكننا لم نلمس من خلاله تطوراً، لآن طلاب مرحلة البكالوريوس لا يحسنون العربية إلى ذلك الحد ولا يستطيعون استيعاب الملاحظات الدقيقة. ولذلك شعرت بالحاجة إلى كتاب بالفارسية. في موضوع آيات الأحكام توجد مباحث كثيرة، ولكن حيث لم يكن لهذه المادة كتاب بالفارسية يناسب مرحلة البكالوريوس، قمت بكتابة "آيات الأحكام" في مجلدين والآن يجري تنقيحه وقد طلبت من مؤسسة "سمت" إعادة طبعه.
من الدروس الأخرى التي كانت بحاجة إلى منهج هو "تاريخ الحديث". الجامعة الرضوية طلبت مني تدريسه. وبهذا الخصوص، تناولت في كتاب "علم الحديث" قدراً من تاريخ الحديث عند أهل السنة والشيعة، إلا أن ذلك لا يمكنه أن يكون تاريخاً كاملاً للحديث. ولذلك ألّفت كتاباً حول "تاريخ الحديث" باللغة الفارسية ولا سيما عن تاريخ الحديث عند الشيعة الذي لم تتحدث عنه الكتب السنية، فوسّعت البحث في هذا الكتاب حول الأصول الأربعمئة والكتب الأربعة والجوامع قبل المحمدين الثلاثة وبعدهم، ومن ذلك: تاريخ التأليف، خصوصيات الكتاب، عدد الأحاديث، مقارنة الكتاب بكتب أهل السنة، الشروح والحواشي وما إلى ذلك. وبهذا تم تأليف تاريخ الحديث وطلبت مؤسسة "سمت" طبع الكتاب.

علوم الحديث: لم تحدثونا عن مجموعات "الأربعون حديثاً" التي حققتم أو ألّفتم.
الأستاذ شانَجي: من الآمال التي كنت أعيشها هو حمل الحديث إلى المجتمع. عندما كنت أعمل على مخطوطات الحضرة الرضوية المقدسة واجهت "أربعينيات" كتبها بعض الأكابر. بعض هذه الكتب (المخطوطة) مكتوبة بخط جميل لبعض الخطاطين الإيرانيين وواحدة أو اثنان منها جاءت منظومة على يد بعض الشعراء الإيرانيين المعروفين. فرأيت أنه من الظلم أن تبقى مرميّة في زاوية النسيان هذه. فأول ما قمنا به هو "الأربعون حديثاً" لجامي. نور الدين عبد الرحمن جامي اختار أربعين حديثاً ووضع معنى كل حديث في بيتين من الشعر. هذه النسخة بخط سلطان علي مشهدي، خطاط النستعليق الإيراني. طبعاً هذه النسخة فيها جانب تزييني ونحن استفدنا من هذا الجانب وطبعناها بتلك الصورة وكتبت لها مقدمة تحدثت فيها عن منشأ كتابة الأربعين حديثاً وأنه كان فرعاً من فروع الحديث، ومتى شاعت كتابة الأربعين حديثاً، وكيف أخذت الأحاديث النبوية القصيرة طريقها إلى هذه الأربعينيات من الأحاديث، ومن الذين نظموا هذه الأحاديث شعراً وغير ذلك.
المسألة الأخرى هي أربعون حديثاً عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) التي نظمها شعراً سيف الدين الهروي كما فعل جامي وقام أحد الخطاطين المعروفين، مير محمود النيشابوري، بكتابتها بخط جميل مزينة ومنمّقة. كانت هناك نسخة عن هذا الأثر في مكتبة الحضرة الرضوية المقدسة حيث قمت بطبعها بتلك الصورة أيضاً، وكتبت لها مقدمة تحدثت فيها عن تاريخ جمع أقوال الإمام علي (ع) ومن قام بجمعها، وما هي المجامع المهمة لأقواله، وما هي الشروح التي كتبت عليها، ومن قام بنظمها شعراً.
وللأسف لا توجد نسخة لأقوال الإمام الرضا (ع) مكتوبة بخط جميل وتزيين. فوجدت أننا نأكل من سفرة الإمام الرضا (ع)، ولذلك اخترت أربعين حديثاً قصيراً عن الإمام وقدّمتها إلى أحد شعراء خراسان (الأستاذ باقر زاده ـ "بقا") فقام فضيلته بنظم كل مقطع في خطين من الشعر على شاكلة النسخ السابقة. وكتبت مقدمة لهذا العمل، ولأن هناك الكثير من المؤلفات حول حياة الإمام الرضا (ع) ذكرنا في المقدمة بإيجاز جوانب منها وتناولنا بدل ذلك جوانب أخرى من حياة الإمام: تعريف عام بأئمة الشيعة، ولادة الإمام الثامن، والد الإمام، والدته، أسرته، أولاده، زوجاته، إمامته، حديث جابر، نصوص الأئمة على وصايته، المكانة العلمية للإمام الثامن، أخلاق الإمام، الحالة السياسية في عصره، خلافة الهادي، هارون الرشيد، الأمين والمأمون، معاصرو المأمون في البلاد الإسلامية، الأحداث السياسية بعد الإمام، أصحاب الإمام، معاصرو الإمام، العلماء في عصره إلى العام الذي توفي فيه المأمون، العلم العقلي، وفاة الإمام، سبب وفاة الإمام وغير ذلك... حتى وصلنا أخيراً إلى أربعين حديثاً عن الإمام مع الترجمة الفارسية المنظومة.
وهذا الكتاب دفعناه إلى الطبع بذلك الشكل التي ذكرناه. طبعاً أنوي إن شاء الله القيام بهذا العمل بالنسبة إلى كل الأئمة، على الأقل في حدود أربعين حديثاً قصيراً. ومن حسن الحظ أن أحد السادة الذين نعمل معهم في مرحلة الدكتوراه ذو خط جميل وشاعر في الوقت نفسه. فتحدثت معه حول القيام بهذا العمل ليكتب بخطه الجميل وينظم المعاني شعراً. فبدأ العمل...أربعين كلمة عن الإمام الصادق (ع) وهكذا عن بقية الأئمة.

علوم الحديث: نرجو توضيحاً حول المقالات العلمية للأستاذ.
الأستاذ شانَجي: من الدراسات التي قمت بها أربع عشرة مقالة حول "تاريخ الكتاب والمكتبة في الإسلام" التي طبعتها الحضرة الرضوية المقدسة على شكل كتاب. في هذه المجموعة من المقالات جرى الحديث عن "كتب سيرة الرسول الأكرم (ص)"، "الكتب القديمة المطبوعة"، "المكتبات الإسلامية" و"مكتبة شاپور بن اردشير وغير ذلك.
من المقالات التي جاءت في هذه المجموعة "النسخ الخطية للقرآن المجيد من بداياتها إلى القرن الخامس" و"النسخ القرآنية المطبوعة". في هذه المقالة، جئت بلمحة تاريخية عن القرآن (من جمعه، مصحف عثمان، مصحف الإمام علي، المصاحف المنسوبة إلى الإمام علي، خط المصاحف القديمة، خط النسخ، المصاحف المنسوبة إلى الأئمة والصحابة والتابعين، نماذج من مصاحف الكوفة من القرن الثاني إلى الرابع، المصاحف القديمة المؤرخة، ظهور الطباعة ودخول المطبعة إلى الدولة العثمانية، أول المصاحف المطبوعة في الدولة العثمانية وأوربا، مختلف طبعات المصحف، أول مصحف بالطبعة الحجرية، الطبعات القديمة في سائر البلدان، الطبعات القديمة في الدول الإسلامية، المصاحف المطبوعة في الهند، طبعات مصر، المصاحف المطبوعة في إيران، ختم الآية في آخر الصفحة، جعل كل جزء في صفحتين، الطبع بالألوان، الأعمال العلمية للمصاحف المطبوعة، كتّاب وناشرو المصاحف، كتابة مفردات القرآن وترجمتها، كتابة حواشٍ لمفردات القرآن، كتابة قطع من آيات القرآن وغير ذلك، وفي النهاية ذكرت أن المصاحف التي بين أيدينا هي من أي جيل من المصاحف وإلى أي زمان يعود وجود هذه النسخ.
وقد قدمت هنا قائمة بالمصاحف المطبوعة في إيران وبيّنت أن القرآن طُبع في إيران قبل أن يُطبع في مناطق مهمة من العالم الإسلامي، كسورية وحتى مصر، وكيف كان الخطاطون الإيرانيون يكتبون هذه المصاحف ويزينونها. وهناك مقالات أخرى من هذه المجموعة من قبيل: نفائس مخطوطات الشيخ الطوسي، كتابة الأربعينيات، نظرة في تاريخ الأديان وأهم مصادره، نهج البلاغة ومخطوطاته النفيسة، مجموعات قصار أقوال أمير المؤمنين (ع)، اختلاف الفقهاء وكتب الاختلاف وغير ذلك.
من أعمالي الأخرى، مقالات كتبتها حول المدفونين في خراسان، مثلاً الخواجة ربيع المدفون على مبعدة فرسخ من الحرم الرضوي (الذي هو الآن من ضمن مدينة مشهد)، من هو؟ هو الخواجة ربيع نفسه أو لا؟ أو عن أبي الصلت المعروف أنه كان خادم الإمام الرضا، إلا أني توصلت إلى أنه كان من كبار العلماء وأنه نال شرف الحضور عند الإمام في مرو، وهكذا بالنسبة إلى المرحوم الطبرسي المدفون في مشهد (الحضرة الشريفة) وغيرهم من الشخصيات. إلا أني لم أجد فرصة للاستمرار بهذا العمل. هذه السلسلة من المقالات طُبعت بمجموعها تحت عنوان "مزارات خراسان". كما كتبت مقدمة لكتب أحد الأصدقاء حول "تاريخ المنطق" وطبعت مستقلة أيضاً. ولكني كنت دوماً أرغب في العمل على صعيد الحديث لأني أعتقد أن الحديث ظل مظلوماً في الحقيقة. فبحمد الله هناك مراكز تأسست في قم ومشهد تعمل على القرآن، ولكن ليس من عمل على صعيد الحديث، إلا سماحة الشيخ الريشهري ـ حفظه الله تعالى ـ الذي تحرّك مؤخراًً وسمعت أنه ينشر كتباً جيدة في قم، وليس لغيره مثل هذا الاهتمام. بودي إذا سنحت لي الفرصة أن أجعلها للحديث فقط.

علوم الحديث: باعتباركم خبيراً بالكتب والنسخ، وقد زرت العديد من البلدان لاستكشاف النسخ الحديثية في المكتبات وفهرستها والتقيت بالعاملين في مجال الحديث في هذه البلدان. نرجو أن تحدثونا عن هذه الزيارات.
الأستاذ شانَجي: نعم، بالإضافة إلى زياراتي لشتى المدن والمكتبات في أرجاء إيران، كانت لي زيارات بمقتضى عملي إلى بلدان أخرى، ولكن لا لأجل المخطوطات الحديثية، بل قمت باستكشاف المخطوطات الإسلامية ـ الإيرانية وفهرستها قدر الإمكان.
في سفري الذي كان بدعوة من معهد الاستشراق الروسي، زرت أربع جمهوريات، روسيا وأذربيجان وأوزبكستان وطاجكستان، حيث بحثت عن المخطوطات الإسلامية في مختلف المدن والمكتبات والمتاحف والمدارس القديمة ومكتبات الجامعات. كان لي زيارات إلى مصر وكذلك إلى تركيا وسوريا والأردن. كما كانت لي مراجعات متعددة لمكتبات الحجاز حيث قمت بفهرسة النسخ وإعداد بطاقات لها. وكانت لي زيارات إلى لبنان والمغرب والهند والباكستان لهذا الغرض أيضاً. كما زرت مكتبات الفاتيكان (في إيطاليا) ونظمت فهرساً عن مكتبة اسكوريال في إسبانيا (والتي تحتوي على مخطوطات إسلامية نفيسة جداً). وفي زياراتي لبعض البلدان الإسلامية كان بعض مشايخ الفقه والحديث يُجيزونني بالرواية، منهم مولانا أبو العباس عمراني (شيخ مشايخ المغرب) وإمام المسجد الجامع في حلب وآخرون.
لم أكن في أيام الدراسة يوماً أفكر بأخذ "إجازة" من الأساتذة والعلماء في البلاد، ولكن في الوقت ذاته توجد لدي إجازات في الرواية من بعض الأكابر الذين كنت موضع تأييدهم أو اهتمامهم، كالمرحوم الشيخ أقا بزرك الطهراني والمرحوم الحاج الشيخ هاشم القزويني والمرحموم آميرزا مهدي إلهي قمشئي والمرحوم آية الله الحاج ميرزا حسين السبزواري (من مراجع خراسان).

علوم الحديث: نرجو أن تحدثونا قليلاً عن "علم الحديث"، "دارية الحديث"، "فقه الحديث"، "تاريخ الحديث" واختلاف كل منها عن الآخر، لأن "علم الحديث" إذا أخذناه بمعناه العام سيشملها جميعاً، ولكن عندما نضعه إلى جانب "دراية الحديث" أو "تاريخ الحديث" يكون له معنى خاص.
الأستاذ شانَجي: سؤال في محلة جداًً. وأنا في كتاب "علم الحديث" و"دراية الحديث" جعلت فصلاً لتوضيح أن علوم الحديث نفسها تشمل: الرجال، الدراية، مصطلح الحديث وكذلك فقه الحديث.
علم الحديث هو علم نستعين بقواعده على معرفة حالات سند الحديث ومتنه. علم الحديث ينقسم إلى "رواية الحديث" و"دراية الحديث". رواية الحديث أو أصول الحديث يشمل البحوث المتعلقة بالسند وسلسلة رواة الحديث، ودراية الحديث يشمل البحوث المتعلقة بفهم كلام المعصوم.
رواية الحديث بدوره ينقسم إلى علمين: الرجال ومصطلح الحديث. في علم الرجال يجري البحث عن أحوال الرواة فرداً فرداًًً من حيث العدالة والوثاقة، وفي مصطلح الحديث (الذي يعبر عنه أحياناً بـ "الدراية") يجري الحديث عن كيفية رواية الحديث وإسناده.
دراية الحديث أو فقه الحديث يبحث في ألفاظ النص الحديثي، الإطلاق والتقييد، العموم والخصوص، التعارض وما شابه ذلك بهدف فهم كلام المعصوم.
طبعاً علوم الحديث تشمل علوماً أخرى مثل الناسخ والمنسوخ، غريب الحديث، مختلف الحديث وغيرها.
طيب، عندما نشاهد بعض كتب القدماء نجدها تشتمل على بعض هذه الفروع. أول من صنّف كتاباً في علم الدراية (مصطلح الحديث) هو القاضي أبو محمد رامهرمزي (ت 360هـ) الذي ألّف كتاب "المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي". ومن بعده، صنّف الحاكم النيشابوري (ت 405هـ) كتاب "علوم الحديث" الذي أضاف إليه أبو نعيم الإصفهاني موضوعات أخرى. ومن بعدهم ألّف الخطيب البغدادي كتاب "الكفاية في علم الرواية" في مصطلح الحديث. أهل السنة واصلوا هذا العمل (مثل كتاب صبحي الصالح "علوم الحديث ومصطلحه") وبحثوا كلاً من القسمين علوم الحديث ومصطلح الحديث.
وأما علماء الشيعة، فقد تناول ابن طاووس والعلامة الحلي اصطلاحات الحديث وصنّف الشهيد الثاني أول كتاب في الموضوع، أي "البداية". ثم صنّف في هذا المجال تلميذه حسين بن عبد الصمد أب الشيخ البهائي كتاب "وصول الأخيار إلى أصول الأخبار"، وللشيخ البهائي شروح على هذه الكتب وكذلك له "وجيزة" في اصطلاحات الحديث. وللأسف لا أعرف كتاباً لعلماء الشيعة في المجالات الأخرى من علوم الحديث مثل تاريخ الحديث.
واليوم نرى أنهم يكتبون نبذة تاريخية لكل علم من العلوم. مثلاً كتبنا نبذة تاريخية عن علم المنطق أصبحت مقدمة لـ "منظومة" السبزواري. ومن العلوم التي ينبغي كتابة تاريخ لها هو علم الحديث. والمؤسف أن هذه الكتب التي استعرضتها لا تفي بالغرض من هذه الناحية.
فلابد من أن ندرس تاريخياً متى بدأ تدوين الحديث بصورة رسمية، ومن قام بجمع مجموعات صغيرة من الأحاديث، وما هي المجموعات الأكبر التي تكونت من هذه المجموعات الصغيرة فيما بعد وغير ذلك. فمثلاً نعلم أن أصحاب الأئمة كتبوا تلك الأصول الأربعمئة أو كانت لهم كتب في الحديث. فجاء بعضهم ليجعل من هذه الكتب مجموعات، مثل "محاسن" البرقي، ومثلاً قام حسين بن سعيد وآخرون بتنظيم مجامع حتى وصل الأمر إلى الشيخ الكليني.
والمؤسف أن هذا التاريخ والمسار الذي قطعته كتابة الحديث لم تجرِ دراستها بشكل تام، لا عند الشيعة ولا عند السنة. ولأجل ذلك ـ كما بيّنت ـ هناك شعور بوجود فراغ، ومن هنا بدأت بهذا العمل، وطبعاً فيه نواقص كثيرة مثل كل أعمالي الأخرى حيث سيواصل الفضلاء إكمال هذا العمل من بعد طبع الكتاب إن شاء الله.

علوم الحديث: أنا فهمت هكذا ـ ولا أدري أصبت أو أخطأت ـ أنكم قلتم بأن دراية الحديث هي مصطلح الحديث نفسه، وعلى هذا فإن علم الحديث ـ كما كتبتم أنتم سابقاً ـ كان في الحقيقة شيئاً أوسع من تاريخ الحديث مع موضوعات أخرى غير مصطلح الحديث، ولأهمية الموضوعات التاريخية وسعتها نسبياً خرجت فيما بعد من داخل علم الحديث وأصبحت فرعاً مستقلاً.
الأستاذ شانَجي: طبعاً هناك فرع آخر لعلم الحديث وهو الرجال. فبالتأكيد لو أراد الفقيه أن يعالج كل حديث يستخدمه في الفقه لكان عمله صعباً، ولذلك قاموا بتحديد درجة الحديث من خلال اصطلاحات الصحيح، الموثق، الحسن، الضعيف. وهذه الاصطلاحات ـ كما ذكرت ـ وضعت في الفترات التي اتسع فيها الفقه، ولعلّ ذلك من القرن السابع مثلاً.
أول من استعمل هذه الاصطلاحات هو القاضي رامهرمزي الذي كان يدرّس في المدرسة الظاهرية في دمشق وراح الآخرون يأخذون عنه. وعند الشيعة، ظلت تلك الأجزاء الأخرى المتعلقة بالقضايا العامة للحديث ضمن تلك المجامع. وفي الرجال تجري دراسة أفراد سلسلة السند واحداً واحداً. الحديث الذي تصل سلسلة سنده إلى النبي (ص) أو الإمام (ع) من خلال أفراد موثّقين نسميه حديثاً صحيحاًً.
هذه الاستعمالات تتعلق باختصار وإيجاز سلسلة السند، وبعض الاصطلاحات أيضاً تتعلق بالرواية، ولكن أكثر هذه الاصطلاحات تتعلق بسلسلة السند. وبالنسبة إلى سلسلة السند، إذا أردنا أن نعالجها فرداً فرداً فموضع ذلك هو علم الرجال الذي جرى التأليف فيه منذ عهد بعيد. أحد مزايا الدين الإسلامي عن غيره من الأديان هو أن كتابه تم تدوينه في زمن نبيه وهكذا بالنسبة إلى أقوال وسلوك النبي، وكان ذلك كله ولا يزال بين يدي المسلمين. كتب الملل الأخرى كالتوراة والإنجيل وغيرها كُتبت بالرواية ولم تكن بين يدي الناس.
طيب، تزامناً مع جمع حديث الرسول (ص)، كانت هذه الأحاديث تندرج في الكتب والمجامع التي هي اليوم بين أيدينا. مثلاً البخاري الذي كتب أقدم هذه المجامع، أورد نفسه لمحة تاريخية وسيرة لمن ذكرهم الكتاب. فقد صنّف كتابين باسم "التاريخ الكبير" و"التاريخ الصغير" وهما مطبوعان. وهكذا غيره ممن عمل في مجال الحديث، لهم كتب في تاريخ وسيرة الرواة والمحدثين. وهكذا عند الشيعة، كالشيخ الكليني الذي صنّف أول مجموعاتنا الحديثية الموجودة إلى الآن، فهو نفسه صنّف كتاباً في الرجال ولكن للأسف لم يصل إلينا، إلا أنه يوجد لدينا كتاب لأحد معاصريه (رجال الكشي) مع اختصار من الشيخ الطوسي. الشيخ الذي يتصل بالكليني من خلال واسطتين ـ مثلاً ـ صنّف كتاباً في رجال الشيعة ومصنفيهم. والنجاشي الذي كان معاصراً له وكذلك يتصل بالكليني عن طريق واسطتين، ألّف كتاباً في ترجمة أولئك الذين يُذكرون في سند الرواية عموماً.
من هنا فإن من مزايا المسلمين هو أن حديثهم يصل إلى النبي بسلسلة سند أولاً، وأن أولئك الذين جاءوا في سلسلة السند تم تعريفهم ـ عموماً ـ في كتب جرى تأليفها في ذلك الزمان نفسه ثانياً. ولو لم يحصل هذا العمل وأردنا اليوم أن ندرس سيرتهم لكانوا مجهولين بالنسبة إلينا عموماً، ولظلّ بسبب ذلك سند الحديث مجهولاً ولما كان لدينا كتاب صحيح.
طبعاً الاصطلاح الشائع اليوم من الصحيح والحسن والموثّق والضعيف هو ليس بعينه اصطلاح المتقدمين، فأولئك يقصدون من الصحيح الحديث الذي كان يعتمد عليه ونسبته إلى المعصوم مؤكدة تقريباً.

علوم الحديث: ما هي الأعمال التي يقوم بها الأستاذ حالياً في مجال الحديث؟
الأستاذ شانَجي: من حسن الحظ أن أحد أكبر أقسام مؤسسة البحوث الإسلامية التي التابعة للحضرة الرضوية المقدسة يختص بالحديث، حيث كنت أتولى إدارته منذ تأسيسه. وقد بدأنا هناك بعدة أعمال. أحدها طبع بعض الكتب الحديثية، ولحسن الحظ أخذ آخرون يعملون في هذا المجال ونحن قد تركنا هذا العمل في الحال الحاضر. ومن الكتب التي تم نشرها كتاب "هداية الأمة" وهو مختصر "الوسائل" ومن تأليف الشيخ الحر العاملي نفسه. وقد كان لي شخصياً نسخ من هذا الكتاب وطبعاً عثرنا على نسخ له أيضاً واستطعنا نشره بشكل جيد. وقد حذف الشيخ في هذا الكتاب الأسناد والمكررات لأنه خلاصة "الوسائل"، ولكننا أضفنا إليه ميزة وهي أننا أشرنا إلى موضع كل من الأحاديث في "وسائل الشيعة" وأوضحنا معاني بعض المفردات.

علوم الحديث: وهل توجد في هذا الكتاب كل أحاديث "الوسائل"؟
الأستاذ شانَجي: كل أحاديث "الوسائل" موجودة ومن يريد ملاحظة السند فأرقام الأحاديث في "الوسائل" مذكورة، ويمكن مراجعته لملاحظة السند. ولكننا حذفنا الأحاديث المكررة وأسانيد الأحاديث.
العمل الآخر الذي قمنا به هو تناول بعض الحاجات العصرية، مثلاً مسألة الأسرة التي هي اليوم من الموضوعات الساخنة. هذه المسألة درسناها من زاوية الأخبار والأحاديث. فقد كُتبت أحاديثها في أبواب مختلفة لعلّها تصل إلى نحو من سبعين أو ثمانين قسماً. في هذا الكتاب، جاءت الأحاديث بشكل موجز ـ طبعاً نص الأحاديث ـ مع الترجمة الفارسية. كما تم إنجاز موضوعات أخرى جرى العمل فيها بهذا الشكل أيضاً.
القسم الآخر في مجموعة حديث المؤسسة يتعلق بالرجال. فنحن ليس لدينا للأسف كتاب مختصر في الرجال. وكنا نطمح إلى كتابين: أحدهما "رجال" العلامة الحلي وهو كتاب رجالي جيد جداً، ولحسن الحظ تم طبعه بالأوفست مؤخراً في قم بصورة جيدة.
"رجال" العلامة (خلاصة الأقوال) بإيجازه وشهرة مؤلفه يستحق الطبع بنحو مطلوب، ولكن هناك عيبان في "رجال" العلامة، أحدهما أنه جاء بهؤلاء الرجال في قسمين (ثقات وغير ثقات)، حيث قمنا نحن بإدغام هذين القسمين، ولكن لتمييز موضوعات القسم الأول من الكتاب عن القسم الثاني استخدمنا رمزاً لكي تبقى هذه الخصوصية معلومة. العيب الآخر للكتاب أنه رتّب الأسماء على الحروف الأبجدية بالإضافة إلى أنه لم يراعِ ذلك بشكل كامل، فافرضوا مثلاً قدّم "احمد" على "إبراهيم" في حين أن "إبراهيم" هو المقدم. وهذا ما قمنا نحن بمراعاته. كما توجد صعوبة في قراءة أسماء بعض الرجال. ولأن العلامة نفسه كتب "إيضاح الاشتباه"، جعلنا كتابه "إيضاح الاشتباه" و"نضد الإيضاح" لابن الفيض الكاشاني بشكل مختصر في هامش "رجال" العلامة. وبهذا، يكون في متناول السادة كتاب مختصر في الرجال عن شخصية مرموقة ويحتوي على ضبط صحيح للأسماء.
الكتاب الرجالي الآخر الذي يجري العمل عليه هو "الرجال الصغير" للمرحوم الميرزا. الميرزا الاسترابادي هو تقريباً أستاذ المتأخرين في الرجال، وقد صنّف أولاً "الرجال الكبير" ومن بعده "الرجال الوسيط". ومن حسن الحظ أن رجاله الكبير تم طبعه مع حواشي المرحوم البهبهاني ونأمل أن تتمكن شخصية أو مؤسسة من طبعه بصورة محققة. رجاله الوسيط شرحه المرحوم ملاّ محمد الأردبيلي وهو الكتاب الذي نُشر في مجلدين في زمان السيد البروجردي. رجاله الصغير الذي توجد منه عدة نسخ في مكتبة الحضرة الرضوية ومكتبة آية الله المرعشي هو اختصار لرجاله الكبير، كتبه لمن يريد أن يكون هذا الكتاب الرجالي بمعيته.
الأمر الآخر الذي واجهناه هو أن المجامع الحديثية التي بين أيدينا اليوم تفي بغرض الفقهاء الشيعة بحمد الله. في إحدى زياراتي إلى المدينة المنورة ذهبنا إلى مدرسة من المدارس وتحدثنا مع بعض الأساتذة هناك. قلنا أن أحد امتيازات الفقه الشيعي هو أننا لم نغلق باب الاجتهاد. نحن نجتهد من خلال الروايات. أضف إلى ذلك أن مجامعنا الحديثية هي أوسع من مجامعكم الحديثية.
فكان اعتراضهم هو أن هذه الأحاديث هي عن أئمتكم وليست عن النبي. أئمتكم ليسوا مشرّعين. الجواب الذي قدمته هو أولاً أن هذه الأحاديث عموماً تصل إلى النبي من خلال سلسلة السند وأغلبها ـ ولا سيما في الفقه ـ عن الإمام الباقر والصادق وموسى بن جعفر ـ عليهم السلام ـ وهؤلاء الأئمة موثّقون في كتبكم الرجالية. ولذلك، عندما يقولون "قال جدنا رسول الله" فسيكون ذلك حديثاً مرسلاً. هناك أحاديث تصل سلسلة سندها إلى النبي أو أحد الصحابة. وأنتم تقبلون حديث الصحابي سواء أكان علياً (وهو إمام) أم غيره. قسم من أحاديثنا بهذه الكيفية. قسم أخر هو أحاديث عن الأئمة أنفسهم، ولكنهم قالوا بشكل عام كل ما نقوله هو حديث جدنا رسول الله. وعلى هذا لم يذكروا سلسلة السند ولم يقولوا: "عن جدنا رسول الله"، ولكنهم قالوا عموماً: "عن جدنا رسول الله" والتي تشمل كل الأحاديث، ولذلك تُعتبر أحاديث مرسلة كالحالة السابقة.
أغلبية الباحثين السنة والشيعة يأخذون بالحديث المرسل إذا كان عن ثقة. وأئمتنا المعصومون الذين وثّقهم علماء العامة قالوا كل ما نقوله هو عن رسول الله، ولهذا لا مانع من العمل بأحاديثهم عند أهل السنة. فعقيدتنا في الحقيقة هي أن هذه الأحاديث كلها جاءتنا عن النبي.
من هنا، كنت أحاول استخراج الأحاديث المسندة المذكورة في كتبنا الحديثية ـ الفقهية وترتيبها لنقدّم لأهل السنة أحاديث مسندة كي يدرسوا سندها، كما نقوم نحن بدراسة أسانيدهم في كتبنا. وقد تم هذا العمل ـ بحمد الله ـ وسيكون نحواً من تسعة مجلدات. وهذه الأحاديث استخرجناها من "المستدرك" و"الوسائل" لأننا كنا نقصد الأحاديث الفقهية. طبعاً أشرنا إلى موضع الأحاديث في طبعات مختلفة من أصل الكتاب وفي حال وجود اختلاف في الطبعات ذكرناه. كما جئنا بمعاني المفردات في الهامش عن كتب مثل "شرح الكافي" للمجلسي و"شرح من لا يحضره الفقيه" و"شرح التهذيب" أو من كتب اللغة كـ "تاج العروس" و"القاموس". وقد خرج من المطبعة مجلد واحد وستخرج بقية المجلدات إن شاء الله.
العمل الآخر الذي ننوي القيام به هو جمع الأحاديث الفقهية الشيعية والسنية في موضع واحد. فمثلاً لدينا الآن "جامع الأحاديث" للمرحوم آية الله البروجردي الذي هو مجموعة الأحاديث الفقهية لـ "الوسائل" و"المستدرك". من ناحية أخرى لدينا مثلاً "التاج الجامع" الذي يجمع بين الصحاح الخمسة. الكثير من هذه الأحاديث مشتركة تماماً باللفظ أو بالمعنى. الموضوع الآخر الذي لدينا في الفقه هو أنه يحصل أحياناً أنْ يجبر حديث ضعيف حديثاً آخر من أهل السنة. نحن كنا نريد القيام بهذا العمل، ولكن السيد واعظ زاده قال إننا نقوم بهذا العمل نفسه في قم. ولأنه يقوم بذلك تركنا هذا العمل مع أننا كنا قد بدأنا به. قلنا كي لا يصبح الأمر مثل فهرس "بحار الأنوار" يعملون عليه وينفقون في عدة أماكن. في موضوعات أخرى أيضاً عندما يتم إنجاز عمل جيد فنحن لا نستمر فيه.
أذكر أنه زارت إحدى الشخصيات المحترمة مشهداً. فكنا نستعرض له الأعمال، فعلى سبيل المثال من كتب الحديث التي توجد لدينا نسخه منها هو "أربعين" منتجب الدين. منتجب الدين كان في القرن الخامس ـ السادس من أكابر الشيعة. وقد روى أربعين حديثاً عن أربعين شيخاً حيث كان ذلك أمراً جديداً. فأعطينا نحن نسخته هناك لكي يجري العمل عليها. فقال ذلك السيد المحترم نحن بدأنا بهذا العمل. ولذلك تركنا العمل على "الأربعين" ثم تبيّن لنا أنه من المحتمل أنه نوى العمل عليه في حينها هناك. بعد ثلاث سنوات ظهر هذا العمل ورأينا فيما بعد أنه عمل جيد. وخلاصة القول هي أننا لا نريد القيام بعمل تكراري يوازي أعمال الآخرين.
وعلى أي حال، مجموعة الحديث هذه (فريق الحديث في مؤسسة البحوث الإسلامية) تتشكل حالياً من نحو عشرة باحثين يقومون بالدراسة والتحقيق، ستة منهم يعملون بوقت كامل وآخرون بنصف وقت.

علوم الحديث: ما هي الأعمال التي ترون أنها ضرورية في مجال الأحاديث والكتب الحديثية وعلوم الحديث؟
الأستاذ شانَجي: من الأمور التي تمس الحاجة إليها هو الدراسة الدقيقة الشاملة للأحاديث من حيث السند، المتن، الزمان، السياق، التعارض (السندي والدلالي) وغيره في موضوعات العقيدة والأخلاق، ذلك أن الباحثين في هذه الموضوعات يحتاجون الحديث لإثبات دعاواهم.
ولحسن الحظ، أن الفقهاء قد طبقوا هذه الأمور على الأحاديث التي يستندون إليها ولا توجد مشكلة كبيرة لنا في هذا المجال، ولكن في أصول العقيدة والأخلاق، للأسف لم يحصل عمل جاد جدير بالذكر.
مثلاً العلامة المجلسي الذي شرح كتاب "الكافي"، اقتصر في شرح أصوله (نحو من 15 مجلداً) على بيان معنى الأحاديث والإشارة إلى الصحيح والحسن منها، ولكن هل يتلاءم مضمون الحديث مع العقل أو لا؟ هل له معارض أو لا؟ وغير ذلك من الأمور، مرّ عليها مرّ الكرام. مثلاً لم يشرح كيفية علم الإمام والأمور التي تكون معياراً في علم الإمام وغير ذلك.
العلامة المجلسي لم يوضح في "شرح الكافي" ماهية أمور من قبيل مصحف فاطمة (س)، كتاب الإمام علي (ع)، الجفر، الجامعة وغيرها، في حين أنها مسائل تستلزم الدراسة والبحث.
الموضوع الآخر هو الكتب القديمة الموجودة في المكتبات، حتى في مكتبة الحضرة المقدسة، والتي تنسب إلى المعصوم وتتناول موضوعات من قبيل الجفر. هذه الأمور يجب التحقّق منها ليُعرف مثلاً هل كان لأمير المؤمنين (ع) كتاب في الجفر بهذا الشكل؟
مثال آخر، علم الذات الإلهية المقدسة. في هذه المسألة أيضاً لم تحصل دراسة شاملة. وكذلك تُوجّه اليوم على أحاديث العقيدة والتاريخ والأخلاق انتقادات وتُطرح شبهات وتُقدّم اعتراضات. بعض الروايات لا تنسجم مع العلم (مثل أن الأرض تقوم على قرن ثور أو على الماء). وبرأيي لا بد أن تقوم مجموعة من الأفاضل والباحثين في الحديث بدراسة هذه الأحاديث لتبيّن أساساً هل يصح هذا الحديث أو لا وما إلى ذلك الأمور.
أتذكر أن أستاذنا المرحوم الحاج الشيخ هاشم كان يقول: أنا تابعت هذا الحديث (قيام الأرض على قرن ثور وماء) فرأيت أنه مروي عن زينب العطّارة. ولا يوجد في كتب الرجال ذكر لمثل هذه الشخصية ولا يُدرى أساساً من تكون. طبعاً لم أتابع بنفسي هذا الحديث، ولكني أقصد أن حديثاً يُروى عن شخص مجهول سيتشبث به بعضهم. هذا في حين يجب أن نتولى نحن دراسة أحاديث من هذا القبيل ونقدّم الرد. نقول مثلاًً قيام الأرض على قرن ثور يعني ضرورة الفلاحة والزراعة لإعمار الأرض.
واليوم بحمد الله حيث أخذ سماحة الشيخ الريشهري يُعنى بالعمل على الحديث، من المناسب دراسة هذه الأحاديث على شكل مجموعة ونشر نتائجها.
وهذه المسائل التي ذكرتها تُلاحظ في الأحاديث التاريخية أيضاً. مثلاًً توجد في "بحار الأنوار" روايات يذكرها الخطباء للناس، إلا أن مستندها كتب تاريخية، حتى غير شيعية، ولا يُعوّل عليها كثيراً. من هنا ينبغي دراسة هذه الأحاديث أيضاً. مثلاً تُدرس أحاديثها التاريخية لنرى إلى أي مدى يمكن الاعتماد عليها. فعلى سبيل المثال جاء في هذه الأحاديث أن النبي (ص) عندما جاءه الوحي أقبل إلى خديجة ليخبرها بما حصل. فذهبت خديجة لتسأل خالها عن هذه الحالة، فقال إنها وحي وأيدّها، أو هناك أحاديث تقول إن خديجة تصوّرت في بداية الأمر أن الجن قد أصابوا النبي أو ـ لا سمح الله ـ أنه كان يكذب!؟
مثال آخر: قبل يوم أمس هذا كنت في البقيع، رأيت رجلاً محترماً لم يبلغ من السن ما بلغته أنا سأل: من المدفونون هنا؟ قالوا: "ثلاث من بنات السيدة خديجة لسن من النبي (ص)، بل من أزواج خديجة السابقين وكنّ في بيت النبي". طيب، هذا نفسه هو موضع بحث. فهل لهذا الموضوع حقيقة؟ هذه القضية مروية في "بحار الأنوار" و"سيرة ابن هشام" و"سيرة ابن إسحاق". وفي القرآن يُستفاد من قوله تعالى: "يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك" أنه كان للنبي عدة بنات. فإذا لم يكن للنبي (ص) بنت سوى الزهراء (س) فما معنى التعبير بـ "بناتك"؟ فهل يدل ذلك على أن النبي (ص) كان لديه عدة بنات؟ والآن إذا أردنا تبرير التعبير عن البنت بـ "بنات" بقرينة "أزواج" أو لأنهنّ كنّ في بيت النبي فأُطلق عليهن لفظ "بناتك"، فهذا خلاف الظاهر. فلماذا نأتي نحن لنبرر ولا نذهب إلى التاريخ لندرسه؟ لعلّ أول من ادعى هذا الادعاء أراد أن يعدّ فضلاً من فضائل الزهراء، والحال أنه ليس في الأمر فضيلة. الملاحظة الأخرى هي أن اثنتين من بنات النبي تزوجتا من عثمان ولذلك يسمونه ذا النورين. فلعل المتعصبين من الشيعة أرادوا إسقاط هذه الخصوصية عن عثمان من خلال نسبه هاتين البنتين لأزواج خديجة السابقين.
وعلى أي حال، تاريخ الإسلام ممزوج بالعصبيات حتى خرج إلينا اليوم بهذا الشكل الذي نراه. فلا بد من البحث عن ماهية وقائع التاريخ.
في يومنا هذا حيث كنا عند سماحة الشيخ الريشهري (في موضع بعثة الحجّاج)، جاء رجل إليه وحكى رؤيا رأتها امرأته وكرامة للسيدة الزهراء (س) بحقها، وكان يصر عليه قبول أنه حيث خرجت السيدة الزهراء (س) في تلك الرؤيا من دارها فقبرها هو ذاك المكان نفسه. كما قرأ بعضهم نشيد "ذهبنا إلى المدينة ولم نجد قبرك". ولكن هل يمكن أن يكون قبر السيدة هو بيتها حقاً؟ هذا ما لا يبدو صحيحاً.
فأولاً لم يكن متعارفاً بين المسلمين أن يدفنوا موتاهم في البيوت. ومن وفاة عثمان بن مظعون فما بعد كان أقرباء النبي والأصحاب يُدفنون في البقيع، وهذه كانت هي العادة الجارية. ثانياً لا يمكن لأمير المؤمنين (ع) أن يحفر قبراً أمام أعين الأطفال ليدفن فيه أم أولاده وفي تلك الدار الصغيرة، في موضع يأكل فيه الأطفال وينامون ويلعبون. فأي فرد من عامة الناس لا يفعل ذلك أيضاً. ثم أنه نحن أنفسنا نروي أن الإمام (ع) قد صنع أربعين شكلاً من القبور في البقيع. ثالثاً السيدة الزهراء (س) نفسها أوصت أمير المؤمنين (ع) أن بنت أختي رؤوفة بأولادي فتزوجها لكي تخف معاناتهم من بعدي. والآن هل يصح لأمير المؤمنين (ع) أن يأتي بتلك الزوجة الشابة الكريمة إلى دار هي مزار بنت رسول الله؟ رابعاً نحن أنفسنا نقول إن الإمام علي (ع) كان يذهب بين الحين والآخر لزيارة قبر السيدة فاطمة (س) ليبث إليها أحزانه. وهذا طبعاً ما لا يمكن حصوله بين أطفال صغار وفي الدار. هذا ما خطر ببالي الآن من الأمور التي تدعونا إلى الاستبعاد، ولا أدعي إن هذا هو الصحيح قطعاً، ولكن ينبغي للباحثين أن يدرسوا ذلك ويستمعوا إلى أقوالنا وأقوال غيرنا ويبحثوا أدلتنا ويقوموا بتصحيح تاريخنا الروائي ليُخرجوه من حالة الاضطراب التي هو عليها.
روايتنا لمسألة ما لمجرد الاستناد إلى كتاب روائي بحيث يعتبرها القارئ أو السامع محالاً أو فيها خلل تاريخي أو تواجه معارضة جادة أو يبدو فيها شيء من التناقض وما إلى ذلك، ثم لا نقوم بحل تلك المشكلات ولا نقدم لها ردوداً، ما هي الفائدة التربوية والأخلاقية والعقائدية المرجوة من هذه الرواية؟
برأيي، نحن بحاجة إلى تاريخ روائي. العلامة المجلسي كان معنياً بهذا الأمر أيضاً ونجد أنه حاول في كتبه الفارسية وكذلك في "البحار" كتابة تاريخ روائي للمعصومين (ع). والملاحظ أن الكتب الفارسية للعلامة المجلسي (ره) كان لها رواج واسع بين الناطقين بالفارسية وكانت من أول الكتب التي طبعت في إيران. في عام 1242ـ 1243هـ حيث لم تكن سوى مطبعة واحدة بحروف الرصاص في إيران، طبعوا هذه الكتب. فمن الواضح أن الناس كانوا متعطشين إلى الاطلاع على سيرة النبي وأهل البيت والأئمة. من هنا نحن نقول إننا بحاجة إلى "تاريخ حديثي" جيد ودقيق للإجابة عن تساؤلات المثقفين وتلبية الحاجات المعنوية والتربوية للأمة ولمحبي أهل البيت. وفي كتابة تاريخ روائي، يمكن أن نأتي بالمسألة التي يبدو لنا أنها غير صحيحة في هامش المحتويات المتينة، إلى جانب ذكر ما يرجّح هذا وما يُنتقد به ذاك.
اليوم، من بعد الثورة، جرت العادة على تناول الحياة السياسية للأئمة ومجريات الحياة السياسية لعصر المعصومين بالدراسة والتأليف والنشر. طبعاً هذا عمل جيد. فلا بد من إيضاح التاريخ السياسي للعصور التي عاش فيها أئمتنا، ولكننا بحاجة أكثر إلى تاريخ روائي.

علوم الحديث: نشكر الأستاذ مرة أخرى.
الأستاذ شانَجي: أشكر لطفكم. وفقكم الله أنتم وزملاءكم في دار الحديث للمزيد من الخدمات للحديث والسنة إن شاء الله.

قائمة أعمال (مؤلفات ودراسات) الأستاذ كاظم مدير شانَجي: (2)
أ) الأعمال المطبوعة:
1ـ علم الحديث.
2ـ دراية الحديث.
(طبعت مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين في قم هذين الكتابين معاً أيضاً)
3ـ آيات الأحكام (مجلدان بالفارسية في التفسير).
4ـ ترجمة فارسية وشرح لـ "تبصره المتعلّمين".
5ـ تاريخچه ادوار منطق (لمحة تاريخية عن مراحل علم المنطق).
6ـ تاريخ فقه مذاهب اسلامى.
7ـ مزارات خراسان.
8ـ روش استنباط (منهج الاستنباط).
9ـ كتاب و كتابخانه در اسلام (الكتاب والمكتبة في الإسلام).
10ـ فهرست نسخه هاى خطّى دو كتابخانه مشهد (فهرس مخطوطات مكتبتي مدينة مشهد).
11ـ فهرست نسخه هاى خطّى چهار كتابخانه مشهد (فهرس مخطوطات مكتبات مدينة مشهد الأربع).
(شارك في تأليف هذين الكتابين السيدان عبد الله نورانى وتقى بينش).
12ـ كتب قديمى چاپى (الكتب القديمة المطبوعة).
13ـ تحقيق وحاشية على "الأنوار البهيّه" للمرحوم الشيخ عباس القمى.
14ـ مقدّمه وتحقيق لـ "اربعين" نور الدين عبد الرحمن جامى.
15ـ شرح حال و گزارش سياسى و فرهنگى دوران امام رضا(ع) (سيرة الإمام الرضا (ع) والحالة السياسية والثقافية في عصره).
16ـ سير تاريخى علم الحديث (تاريخ علم الحديث ـ مطبوع في: يادنامه علامه امينى [في ذكرى العلامة الأميني]).
17ـ مقدمة وتصحيح لـ "چهل حديث" (الأربعون حديثاً) لحسين بن سيف الدين الهروي.
18ـ مقدّمه وإشراف على طبع "الحكم من كلام الإمام أمير المؤمنين علي (ع)".
19ـ مقدّمه وإشراف على طبع "هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة" للشيخ الحرّ العاملي.
20ـ الإشراف على تحقيق ونشر"سنن النبي (ص)" (مجموعة من تسعة مجلدات لأحاديث المسند الفقهي النبوي).
21ـ مقدّمة (تناولت الراوي والنسخة والكتاب) وتحقيق لـ "الصحيفة السجادية".
22ـ مقدّمة وتحقيق لـ "شرح جمل العلم والعمل" لابن البرّاج.
23ـ تحقيق "المسائل الجاروديّه" للشيخ المفيد.
24ـ مقدمة علمية لكتاب "المؤتلف من المختلف" للشيخ الطوسي.
25ـ مقدّمة علمية لكتاب "فرهنگ فرق اسلامى" (معجم الفرق الإسلامية) للدكتور محمد جواد مشكور.
(للأستاذ مدير شانَجي مقدمات علمية أخرى لكتب في الحديث والفقه وعلم الكلام والتاريخ الإسلامي).

ب) بعض الأعمال غير المطبوعة:
1ـ رسالة في الاستصحاب.
2ـ مباني فقه (مبادئ الفقه).
3ـ اختصار وفيات الأعيان.
4ـ فرهنگنامه وفيات دانشمندان اسلامى (موسوعة وفيات العلماء المسلمين).
5ـ تاريخچه علم منطق (لمحة عن تاريخ علم المنطق).
6ـ الحاشية على الكفاية.
7ـ الحاشية على المكاسب.
8ـ تاريخ الإسلام.
9ـ كتابشناسى كتب اربعه حديث شيعه (تعريف بكتب الحديث الشيعية الأربعة).
10ـ تاريخ الحديث.
(كما أن الأستاذ مسؤول عن "مجموعة الحديث" في مؤسسة البحوث الإسلامية للحضرة الرضوية المقدسة وهناك العديد من الدراسات الجارية تحت إشرافه).
--------------------------------------------------------------------------------
1. المراد من الطلاب القدماء هو الطلاب الذين كانت قد توقفت دراستهم في عهد رضا خان، إلا أنهم عادوا ليواصلوا الدراسة بعد زوال تلك المعوقات.
2. استعنا في إعداد هذه القائمة بالمكتبة التخصصية للحديث وكذلك بحديث الأستاذ مع مجلة "كيهان فرهنگي" الشهرية (العدد الخامس من العام الرابع: 1987م)، وقد لا تكون شاملة (خاصةً في الموضوعات غير الحديثية). كما أن القائمة لا تحتوي مقالات الأستاذ. (مجلة علوم الحديث).