185
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الناس خلافا في ذلك ؛ اللهم إلاّ أنْ يطلق هاتان اللفظتان على مسمّى الإرادة والكراهية ؛ على سبيل المجاز .
النوع العاشر : في أنّ الباري تعالى غير متناهي الذات . قالت المعتزلة : لما كان الباري تعالى ليس بجسم ولا جسمانيّ ، وكانت النهاية من لواحق الأشياء ذوات المقادِير ؛ يقال : هذا الجسم متناهٍ ، أي ذو طَرَفٍ .
النوع الحادي عشر : في أ نّه تعالى لا تصحّ رؤيته . قالت المعتزلة : رؤية الباري تعالى مستحيلة في الدنيا والآخرة . وقالت الكرامية والحنابلة والأشعرية : تصحّ رؤيته ويرى في الآخرة ، يراه المؤمنين . (وقالت الإمامية : إنه تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) .
فهذه الأنواع الأحد عشر هي الأقوال والمذاهب التي يشتمل عليها قوله عليه السلام بنفي التشبيه عليها ، وسيأتي من كلامه عليه السلام في نفي التشبيه ما هو أشد تصريحاً من الألفاظ التي شرحناها .

الفصل الخامس

بيان أن الجاحد لإثباته مكابرٌ بلسانه ، ومثبت لها بقلبه

وهو معنى قوله عليه السلام : « فهو الذي تَشهد له أعلام الوجود ، على إقرار قلب ذي الجحود » .
لا شبهة في أنّ العلم بافتقار المتغيّر إلى المغيّر ضروريّ ، والعلم بإنّ المتغير ليس هو المغيّر إمّا أن يكون ضروريا أو قريبا من الضروريّ ، فإذا قد شهدت أعلام الوجود على أنّ الجاحد لإثبات الصانع ، إنما هو جاحد بلسانه لا بقلبه ؛ لأنّ العقلاء لا يجحدون الأوليات بقلوبهم ، وإن كابروا بألسنتهم ؛ ولم يذهب أحدٌ من العقلاء إلى نفي الصانع سبحانه .
وأمّا القائلون بأنّ العالم وجد عن طبيعة ، وأنّ الطبيعة هي المدبّرة له ، والقائلون بتصادم الأجزاء في الخَلاء الذي لا نهاية له ؛ حتى حَصَل منها هذا العالم ، والقائلون بأنّ أصل العالم وأساس بنيته هو النّور والظلمة ، والقائلون بأنّ مبادئ العالم هي الأعداد المجرّدة ، والقائلون بالهَيُولَى القديمة ؛ التي منها حَدَث العالم ، والقائلون بِعشْق النفس للهَيُولى ؛ حتى تكوّنت منها هذه الأجسام ؛ فكلّ هؤلاء أثبتوا الصانع ، وإنما اختلفوا في ماهيته وكيفية فعله .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
184

النوع الثاني : نفيُ الأعضاء والجوارح عنه سبحانه ؛ فالذي يذهب إليه المعتزلة وسائر المحقّقين من المتكلّمين نفيُ ذلك عنه ، وقد تأولوا ماورد في القرآن العزيز من ذلك ، من نحو قوله تعالى : « لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ »۱ ، وقوله سبحانه : « عَلَى مَا فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ»۲ وغير ذلك ، وحملوه على وجوه صحيحة جائزة في اللغة العربية .
النوع الثالث : نفي الجهة عنه سبحانه ؛ فالذي يذهب إليه المعتزلة وجمهورُ المحقّقين من المتكلّمين أنه سبحانه ليس في جهةٍ ولا مكان ؛ وأنّ ذلك من توابع الجِسْمية أو العرضية اللاّحقة بالجسمية ، فإذا انتفى عنه كونُه جسماً وكونه عَرَضاً لم يكن في جهة أصلاً ؛ وإلى هذا القول يذهب الفلاسفة .
النوع الرابع : نفي كونه عَرَضا حالاًّ في المحلّ ؛ فالذي تذهب إليه المعتزلة وأكثر المسلمين والفلاسفة نفيُ ذلك القول باستحالته عليه سبحانه لوجوب وجوده ، وكونِ كلّ حالّ في الأجسام ممكنا بل حادثاً .
النوع الخامس : في نفي كونه تعالى محلاًّ لشيء ؛ ذهبت المعتزلة وأكثر أهل الملّة والفلاسفة إلى نفي ذلك ؛ والقول باستحالته على ذاته سبحانه .
النوع السادس : في نفي اتحاده تعالى بغيره ؛ ذهب أكثرُ العقلاء إلى استحالة ذلك .
النوع السابع : في نفيِ الأعراض الجسمانيّة عنه من التّعب والاستراحة ، والألم واللّذة ، والغمّ والسرور ؛ ونحو ذلك .
وذهبت المعتزلةُ وأكثر العُقلاء من أهلِ الملّة وغيرهم إلى نفيِ ذلك ؛ والقول باستحالته عليه سبحانه .
النوع الثامن : في أ نّه تعالى ليس بمتلوّن . لم يصرح أحد من العقلاء قاطبة بأن اللّه تعالى متلوّن .
النوع التاسع : في أنه تعالى لا يشتهِي ولا ينفِر . ذهب شيوخنا المتكلّمون إلى أ نّه سبحانه لا يصحّ عليه الشهوة والنُّفرة ؛ لأنهما إنما يصحّان على ما يقبل الزيادة والنقصان بطريق الاغتذاء والنموّ ، والباري سبحانه وتعالى يتعالَى عن ذلك ؛ وما عرفتُ لأحدٍ من

1.سورة ص ۷۵ .

2.سورة الزمر ۵۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86590
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي