201
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

التلبيس ؛ لتقييده بالعَدَدَ المعيّن في أصحابه وفي الخوارج ، ووقوع الأمر بعد الحرب بموجبه من غير زيادة ولا نقصان ، وذلك أمرٌ إلهيّ عرفه من جهة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وعَرَفه رسول اللّه صلى الله عليه و آله من جهة اللّه سبحانه . والقُوّة البشرية تقصُر عن إدراك مِثل هذا ، ولقد كان له من هذا الباب ما لم يمكُنْ لغيره .
وبمقتضى ما شاهده الناس من معجزاته وأحواله المنافية لقوى البشر ، غَلاَ فيه من غلا ، حتى نُسبَ إلى أنّ الجوهر الإلهي حلّ في بدنه ، كما قالت النصارى في عيسى عليه السلام وقد أخبره النبي صلى الله عليه و آله بذلك ، فقال : « يهلك فيك رجلان : محبّ غالٍ ، ومبغض قالٍ » . وقال له تارة أُخرى : « والذي نفسي بيده ، لولا أنّي أشفق أن يقول طوائفُ من أُمّتي فيك ما قالت النصارى في ابن مريم ، لقلت اليوم فيك مقالاً ، لا تمرّ بملأٍ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة » .

59

الأصْلُ :

۰.وقال لما قتل الخوارج وقيل له : يا أمير المؤمنين ، هلك القوم بأجمعهم :كَلاَّ وَاللّه ؛ إِنَّهُمْ نُطَفٌ فِي أَصْلاَبِ الرِّجَالِ ، وَقَرَارَاتِ النِّسَاءِ كُلَّمَا نَجَمَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ لُصُوصا سَلاَّبِينَ .

الشّرْحُ :

نَجَم : ظهر وطلع . قرارات النّساء : كناية لطيفة عن الأرحام .
فأمّا قوله عليه السلام : « كُلَّمَا نَجَمَ منهم قَرْنٌ قطع » ، فاستعارة حسنة ، يريد : كُلَّما ظهر منهم قوم استؤصلوا ، فعبّر عن ذلك بلفظة « قَرْن » كما يقطع قَرْن الشَّاة إذا نجم ؛ وقد صح إخبارُه عليه السلام عنهم أنّهم لم يهلكوا بأجمعهم في وقعة النّهروان ، وأنّها دعوة سيدعو إليها قوم لم يخلَقوا بعد ، وهكذا وقع وصحّ إخباره عليه السلام أيضا أنه سيكون آخرهم لصوصا سَلاّبين ؛ فإن دعوة الخوارج اضمحلّت ، ورجالها فنيت ، حتى أفضى الأمرُ إلى أن صارَ خَلَفُهم قُطّاع طريق ، متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
200

الهداية إلى الضلال .
وقوله عليه السلام : « وأثرَة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة » ، فالأثرَة هاهنا الاستبداد عليهم بالفيء والغنائم واطّراح جانبهم ، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم للأنصار : « ستلقوْن بعدي أثَرَةً فاصبروا حتى تلقوْني » .
واعلم أن الخوارجَ عَلَى أمير المؤمنين عليه السلام كانوا أصحابَه وأنصارَه في الجمل وصِفّين قبل التحكيم ؛ وهذه المخاطبة لهم ، وهذا الدعاء عليهم ؛ وهذا الإخبار عن مستقبل حالهم ، وقد وقع ذلك ، فإنّ اللّه تعالى سَلّط عَلَى الخوارج بعده الذلّ الشامل ، والسيف القاطع ، والأثرة من السلطان ، وما زالت حالُهم تضمحلّ ؛ حتى أفناهم اللّه تعالى وأفنى جُمهورهم .

58

الأصْلُ :

۰.وقال عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج ، وقيل له : إنّ القوم عبروا جسر النَّهْروان :مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ ، وَاللّهِ لاَ يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ ، وَلاَ يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ .

قال الرضي رحمه الله :
يعني بالنطفة ماء النهر ، وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيرا جمَّا . وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم عند مضيّ ما أشبهه .

الشّرْحُ :

هذا الخبرُ من الأخبار التي تكاد تكون متواتِرة ؛ لاشتهاره ونَقْل الناس كافَّة له ؛ وهو من معجزاته وأخباره المفصّلة عن الغيوب .
والأخبار على قسمين :
أحدُهما : الأخبار المجمَلة ، ولا إعجازَ فيها ، نحو أن يقولَ الرجلُ لأصحابه : إنكم سَتُنْصَرون على هذه الفئة التي تلقوْنها غدا .
والقسم الثاني : في الأخبار المفصّلة عن الغيوب ، مثل هذا الخبر ، فإنّه لا يحتمل

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86616
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي