239
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

« طوله » فإنهما يتناسبان لفظا ؛ وليسا متقابلين معنى ؛ لأنهما ليسا ضدّين ، كما في العلوّ والدنوّ .
قلت : بل فيهما معنى التضادّ ، لأنّ الحول هو القوّة ، وهي مشعرة بالسَّطْوة والقهر ، ومنه منشأ الانتقام ، والطَّوْل : الإفضال والتكرّم ، وهو نقيض الانتقام والبطش .
ومنها أن « مانحاً » في وزن « كاشف » و « غنيمة » بإزاء « عظيمة » في اللفظ ، وضدها في المعنى ؛ وكذلك « فضل » و « أزل » .
ومنها أن « عواطف » بإزاء « سوابغ » و « نِعَمه » بإزاء « كرمه » .
ومنها ـ وهو ألطف ما يُستعمله أرباب هذا الصناعة ـ : أنَّه جعل « قريبا هاديا » ، مع قوله : « أستهديه » ؛ لأنّ الدليل القريب منك أجدرُ بأن يهديَك من البعيد النازح ، ولم يجعله مع قوله : « وأستعينه » ؛ وجعل مع الاستعانة « قاهراً قادرا » ؛ لأنّ القادر القاهر يليقُ أن يستعان ويستنجدَ به ؛ ولم يجعله قادرا قاهرا مع التوكّل عليه ، وجعل مع التوكل « كافياً ناصراً » ؛ لأنّ الكافيَ الناصر أهلٌ لأنْ يتوكّل عليه .
وهذه اللطائف والدقائق من معجزاته عليه السلام التي فات بها البلغاءَ ، وأخرس الفصحاء .

الأصْلُ :

۰.أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللّهِ بِتَقْوَى اللّهِ الَّذِى ضَرَبَ لكم الْأَمْثَالَ ، وَوَقَّتَ لَكُمُ الآجَالَ ، وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ ، وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ ، وَأَحَاطَ بِكُمُ الإحْصَاءَ ، وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ ، وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ ، وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ ، وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ ، فَأَحْصَاكُمْ عَدَدَا ، وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَدا ، فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ ، وَدَارِ عِبْرَةٍ ، أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا ، وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا .

الشّرْحُ :

وقّت وأقّت بمعنى ؛ أي جعل الآجال لوقتٍ مقدّر . والرياش والرّيش واحد ؛ وهو اللباس ، قال تعالى : « يُوَارِي سَوْءاتِكُم وَرِيشا »۱ . وقُرئ « ورياشاً » ، ويقال : الرياش : الخِصْب

1.سورة الأعراف ۲۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
238

82

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام ؛ وتسمى بالغراء ؛ وهي من الخطب العجيبةالْحَمْدُ للّهِ الَّذِي عَلاَ بِحَوْلِهِ ، وَدَنَا بِطَوْلِهِ ، مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ ، وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ . أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ ، وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ ، وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلاً بَادِيا ، وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيبا هَادِيا ، وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِرا قَادِرا ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِيا نَاصِرا ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ـ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ لإِنْفَاذِ أَمْرِهِ ، وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ .

الشّرْحُ :

الحوْل : القوّة . والطّول : الإفضال ، والمانح : المعطي . والأزْل ، بفتح الهمزة : الضيق والحبس . والعواطف : جمع عاطفة وهي ما يعطفك على الغير ، ويدنيه مِنْ معروفك ، والسوابغ : التوامّ الكوامل ؛ سبَغَ الظِّلُّ ؛ إذا عَمّ وشمل .
و « أوَّلاً » هاهنا منصوب على الظرفية ؛ كأنه قال : قبل كلّ شيء . والأوّل نقيض الآخر أصله « أوْءَل » على « أفعل » مهموز الوسط ، قلبت الهمزة واوا وأُدغم ، يدلّ على ذلك قولهم : « هذا أوَّلُ منْك » والإتيان بحرف الجرّ دليل على أنه « أفعل » ، كقولهم : هذا أفضل منك ؛ وجمعه على أوائل وأوالٍ أيضا على القلب . والإنهاء : الإبلاغ ، أنهيتُ إليه الخبرَ فانتهى ؛ أي بلغ ؛ والمعنى أنّ اللّه تعالى أعذر إلى خلقه وأنذرهم ؛ فإعذارُه إليهم أنْ عرّفهم بالحجج العقليّة والسمعية أنّهم إنْ عصوه استحقُّوا العقاب ؛ فأوضح عذرَه لهم في عقوبته إيّاهم على عصيانه . وإنذاره لهم : تخويفه إياهم من عقابه .
وفي هذا الفصل ضروب من البديع ؛ فمنها أنّ « دنا » في مقابلة « علا » لفظا ومعنى ؛ وكذلك « حوله » و « طوله » .
فإن قلت : لا ريبَ في تقابل « دنا » و « علا » من حيث المعنى واللفظ ؛ وأما « حوله » و

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86583
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي