355
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

ومنجاتهم : نجاتهم ، نجوت من كذا نجاءً ممدود ، ونجىً مقصور ، ومنجاة على « مفعلة » ، ومنه قولهم : « الصدق منجاة » .
قوله عليه السلام : « ويبادر بهم الساعة » ، كأنه كان يخاف أن تسبِقه القيامة ؛ فهو يبادرها بهدايتهم وإرشادهم قبل أن تقوم ، وهم على ضلالهم . والحسير : المعيَا ، حَسَر البعير بالفتح ، يحسِر بالكسر حسوراً ، واستحسر مثله ، وحسرته أنا ، يتعدّى ولا يتعدّى ؛ حَسْراً فهو حسير ، ويجوز أحسرته ، بالهمزة ، والجمع حَسْرَى ، مثل قتيل وقَتْلَى ، ومنه حَسَر البصر ، أي كلَّ ، يحسِر ، قال تعالى : « يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ »۱ . وهذا الكلامُ من باب الاستعارة والمجاز ، يقول عليه السلام : كان النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم لحِرْصه على الإسلام وإشفاقه على المسلمين ، ورأفته بهم ، يلاحظ حالَ من تزلزل اعتقاده ، أو عرضتْ له شبهة ، أو حدَث عنده ريب ، ولا يزال يوضّح له ويرشده حتى يزيد ما خامر سرَّه من وساوس الشيطان ، ويلحقه بالمخلصين من المؤمنين ، ولم يكن ليقصِّر في مراعاة أحد من المكلّفين في هذا المعنى إلاّ مَنْ كان يعلم أ نّه لا خير فيه أصلاً ؛ لعناده وإصراره على الباطل ، ومكابرته للحقّ .
ومعنى قوله : « حتى يلحِقه غايته » ، حتى يوصّله إلى الغاية التي هي الغرض بالتكليف ؛ يعني اعتقاد الحقّ وسكون النفس إلى الإسلام ، وهو أيضا معنى قوله : « وبوّأهم محَلتهم » . ومعنى قوله : « فاستدارت رحاهم » ، انتظم أمرُهم ؛ لأنّ الرّحى إنّما تدور إذا تكاملت أدواتها وآلاتها كلّها ؛ وهو أيضا معنى قوله : « واستقامت قناتُهم » ؛ وكلُّ هذا من باب الاستعارة .
ثم أقسم أنه عليه السلام كان من ساقتها ، الساقةُ : جمع سائق ، كقادة جمع قائد ، وحاكة جمع حائك ، وهذا الضمير المؤنث يرجع إلى غير مذكور لفظاً ، والمراد الجاهلية ، كأنه جعَلها مِثْلَ كتيبة مصادمة لكتيبة الإسلام ، وجعل نفسه من الحاملين عليها بسيفه ، حتى فرّت وأدبرت ، واتبعها يسوقها سوقاً ، وهي مولّية بين يديه . حتى أدبرت بحذافيرها ، أي كلها عن آخرها . ثم أتى بضمير آخر إلى غير مذكور لفظاً ، وهو قوله : « واستوسقت في قيادها » ، يعني الملّة الإسلامية أو الدعوة ، أو ما يجري هذا المجرى . واستوسقت : اجتمعت ، يقول لما ولّت تلك الدعوة الجاهلية ، استوسقت هذه في قيادها كما تستوسق الإبل المقودة إلى أعطانها .

1.سورة الملك ۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
354

ثم أخبر عليه السلام أنّ اللّه لا يجور على العباد ؛ لأ نّه تعالى عادل ولا يظلم ، ولكنه يبتلي عباده أي يختبرهم ، ثم تلا قوله تعالى : « إنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ وَإنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ »۱ ، والمراد أنه تعالى إذا فسد الناس لا يلجئهم إلى الصلاح ؛ لكن يتركهم واختيارهم امتحاناً لهم ، فمن أحسن أُثيب ، ومن أساء عوقب!

103

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّداً صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِه ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً ، وَلاَ يَدَّعِي نُبُوَّةً وَلاَ وَحْياً ، فَقَاتَلَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مَنْ عَصَاهُ ، يَسُوقُهُم إِلَى مَنْجَاتِهِمْ؛ وَيُبَادِرُ بِهِمُ السَّاعَةَ أَنْ تَنْزِلَ بِهِمْ ، يَحْسِرُ الْحَسِيرُ ، وَيَقِفُ الْكَسِيرُ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ حَتَّى يُلْحِقَهُ غَايَتَهُ ، إِلاَّ هَالِكاً لاَ خَيْرَ فِيهِ ، حَتَّى أَرَاهُمْ مَنْجَاتَهُمْ وَبَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، فَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ، وَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ .
وَايْمُ اللّهِ ، لَقَدْ كُنْتُ مِنْ سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا ، وَاسْتَوْسَقَتْ فِي قِيَادِهَا؛ مَا ضَعُفْتُ ، وَلاَ جَبُنْتُ ، وَلاَ خُنْتُ ، وَلاَ وَهَنْتُ ، وَايْمُ اللّهِ ، لَأَبْقُرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى أُخْرِجَ الْحَقَّ مِنْ خَاصِرَتِهِ!

قال الرضي رحمه اللّه تعالى :
وقد تقدَّم مختار هذه الخطبة ، إلاّ أني وجدتها في هذه الرواية على خلاف ما سبق من زيادة ونقصان ، فأوجبت الحال إثباتها ثانية .

1.سورة المؤمنون ۳۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86549
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي