361
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الْحَلْبَةِ ، مُتَنَافَسُ السُّبْقَةِ ، شَرِيفُ الْفُرْسَانِ . التَّصْدِيقُ مِنْهَاجُهُ ، وَالصَّالِحَاتُ مَنَارُهُ ، وَالْمَوْتُ غَايَتُهُ ، وَالدُّنْيَا مِضْمَارُهُ ، وَالْقِيَامَةُ حَلْبَتُهُ ، وَالْجَنَّةُ سُبْقَتُهُ .

الشّرْحُ :

هذا باب من الخطابة شريف ؛ وذلك لأ نّه ناط بكلّ واحدة من اللفظات لفظة تناسبها وتلائمها لو نيطَتْ بغيرها لما انطبقت عليها ، ولا استقرّت في قرارها ، ألا تراه قال : « أمناً لمنْ عَلِقه » ؛ فالأمنُ مرتّب على الاعتلاق ، وكذلك في سائر الفِقَر كالسلْم المرتّب على الدخول ، والبرهان المرتّب على الكلام ، والشاهد المرتّب على الخصام ، والنّور المرتّب على الاستضاءة ... إلى آخرها ، ألا ترى أ نّه لو قال : « وبرهانا لمن دخله ، ونورا لمن خاصم عنه ، وشاهدا لمن استضاء به » ، لكان قد قرن باللفظة ما لا يناسبها ، فكان قد خرج عن قانون الخطابة ، ودخل في عَيْب ظاهر!
وتوسّم : تفرّس . والولائج : جمع وليجة ، وهو المدخل إلى الوادي وغيره . والجُنّة : التّرس . وأبلج المناهج : معروف الطريق . والحلْبة : الخيل المجموعة للمسابقة . والمِضْمار : موضع تضمير الخيل ، وزمان تضميرها . والغاية : الراية المنصوبة ، وهو هاهنا خِرْقة تجعل على قَصَبة وتنصب في آخر المدَى الذي تنتهي إليه المسابقة ؛ كأنه عليه السلام جعل الإسلام كخيل السّباق التي مضمارها كريم ، وغايتها رفيعة عالية ، وحَلْبتها جامعة حاوية ، وَسُبقتها متنافس فيها ، وَفُرسانها أشراف . ثم وصفه بصفات أُخرى ، فقال : التصديق طريقه ، والصالحات أعلامه ، والموت غايته ؛ أي أنّ الدنيا سِجْن المؤمن ، وبالموت يخلُص من ذلك السجن ، ويحظى بالسعادة الأبدية . قال : والدنيا مضماره ؛ كأنّ الإنسان يجري إلى غاية هي الموت ، وإنما جعلها مِضْمار الإسلام ؛ لأنّ المسلم يقْطَع دنياه لا لدنياه بل لآخرته ، فالدّنيا له كالمِضْمار للفرس إلى الغاية المعيّنة .
قال : والقيامة حلْبته ، أي ذات حلبته فحذف المضاف ، كقوله تعالى : « هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ »۱ أي ذوو درجات . ثم قال : والجنّة سُبقُته ، أي جزاء سُبقتِه ، فحذف [ المضاف ]أيضا .

1.سورة آل عمران ۱۶۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
360

لا يدفع عنكم ما تشكون منه ؛ وإنما ينقض برأيه الفاسد ما قد أبرمه الحقّ والشرع لكم . ثم ذكر أ نّه ليس على الإمام إلاّ ما قد أوضحه من الأُمور الخمسة .
ثم أمرهم بمبادرة أخذ العلم من أهله ـ يعني نفسَه عليه السلام ـ قبل أن يموت ، فيذهب العلم . وتصويح النَّبْت ، كناية عن ذلك . ثم قال : وقبل أن تشغَلُوا بالفتَن وما يحدث عليكم من خطوب الدنيا عن استثارة العلم من معدنه واستنباطه من قرارته . ثم أمرهم بالنّهي عن المنكر ، وأن يتناهوْا عنه قبل أن يُنْهَوْا عنه ، وقال : إنما النهيُ بعد التناهي .
وفي هذا الموضع إشكال ، وذلك أنّ لقائل أن يقول : النهي عن المنكَر واجب على العدْل والفاسق ، فكيف قال : « إنما أُمرتم بالنهي بعد التناهي » .
والجواب : أنه عليه السلام لم يردْ أن وجود النهي عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي عن المنكَر ؛ وإنما أراد : أنّي لم آمركم بالنهي عن المنكر إلاّ بعد أن أمرتُكم بالانتهاء عن المنكر ؛ فالترتيب إنّما هو في أمره عليه السلام لهم بالحالتين المذكورتين ؛ لا في نهيهم وتناهيهم .
فإن قلت : فلماذا قدم أمرَهم بالانتهاء على أمرهم بالنهى؟
قلت : لأنّ إصلاح المرء نفسه أهمّ من الاعتناء بإصلاحه لغيره .

105

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الَّذِي شَرَعَ الاْءِسْلاَمَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ ، فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ ، وَنُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ ، وَفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ ، وَلُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ ، وَتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ ، وَعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَنَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ ، وَثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ ، وَرَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ ، وَجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ ، فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهجِ وَأَوْضَحُ الْوَلاَئِجِ ؛ مُشْرَفُ الْمَنَارِ ، مُشْرِقُ الْجَوَادِّ ، مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ ، كَرَيمُ الْمِضْمَارِ ، رَفِيعُ الْغَايَةِ ، جَامِعُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86625
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي