411
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ويطيعوكم لأجل اللّه ، وانتمائكم إلى طاعته ، ثم إنّكم لا تكرمون اللّه ولا تطيعونه في نفع عباده ، والإحسان إليهم . ومحصول هذا القول : كيف تسيمون الناس أن يطيعوكم لأجل اللّه ، ثم إنكم أنتم لا تُطيعون اللّه ، الذي تكلّفون الناس أن يطيعوكم لأجله!
ثم أمرهم باعتبارهم بنزولهم منازل مَنْ كان قبلهم ، وهذا مأخوذ من قوله تعالى : « وَسَكَنْتُمْ فِي مساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ »۱ .
وروي عن « أصل إخوانكم » ، وذلك بموت الأب ، فإنه ينقطع أصل الأخ الواشج بينه وبين أخيه ، والرواية الأُولى أظهر .

117

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامأَنْتُمُ الأَنْصَارُ عَلَى الْحَقِّ ، وَالإِخْوَانُ فِي الدِّينِ ، وَالْجُنَنُ يَوْمَ الْبَأس ، وَالْبِطَانَةُ دُونَ النَّاس . بِكُمْ أَضْرِبُ الْمُدْبِرَ ، وَأَرْجُو طَاعَةَ الْمُقْبِلِ . فَأَعِينُوني بِمُنَاصَحَةٍ خَلِيَّةٍ مِنَ الْغِشِّ ، سَلِيمَةٍ مِنَ الرَّيْبِ ، فَوَاللّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاس بِالنَّاس!

الشّرْحُ :

الجُنن : جمع جُنّة ، وهي ما يُستَر به . وبطانة الرجل : خواصّه وخالصته الذين لا يطوِي عنهم سرّه .
فإن قلت : أمّا ضربُه بهم المدبر فمعلوم ؛ يعني الحرب ، فما معنى قوله عليه السلام : « وأرجو طاعة المقبل »؟
قلت : لأنّ مَنْ ينضوِي إليه من المخالفين إذا رأى ما عليه شيعتُه وبطانتُه من الأخلاق

1.سورة إبراهيم ۴۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
410

وغلام ثقيف المشار إليه ، هو الحجّاج بن يوسف . والذيّال : التائه ، وأصله من « ذال » أي تبختر ، وجرّ ذيله على الأرض . والميّال : الظالم . ويأكل خَضِرَتكم : يستأصل أموالكم . ويذيب شحمتكم مثله ، وكلتا اللفظتين استعارة . ثم قال له كالمخاطب لإنسان حاضر بين يديه : « إيهٍ أبا وَذَحه » ، إيه : كلمة يُستزاد بها من الفعل ، تقديره : زِدْ وهات أيضا ما عندك ، وضدّها إيها ، أي كفّ وأمسك .
فلما كان أمير المؤمنين عليه السلام يعلمُ مِن حال الحجاج نجاسته بالمعاصي والذنوب ؛ التي لو شوهدت بالبصر لكانت بمنزلة البعر الملتصِق بشعر الشاء ، كنّاه « أبو وذَحَة » . ويمكن أيضا أن يكنّيه بذلك لدمامته في نفسه ، وحقارة منظره ، وتشويه خلقته ، فإنه كان قصيرا دميماً نحيفاً ، أخفشَ العينين معوجّ الساقين ، قصير الساعدين ، مجدورَ الوجه ، أصلع الرأس ، فكنّاه بأحقر الأشياء ، وهو البعرة .

116

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامفَـلاَ أَمْوَالَ بَذَلتمُوهَا لِلَّذِي رَزَقَهَا ، وَلاَ أَنْفُسَ خَاطَرْتُمْ بِهَا لِلَّذِي خَلَقَهَا . تَكْرُمُونَ بِاللّه عَلَى عِبَادِهِ ، وَلاَ تُكْرِمُونَ اللّهَ فِي عِبَادِهِ!
فَاعْتَبِرُوا بِنُزُولِكُمْ مَنَازِلَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَانْقِطَاعِكُمْ عَنْ أَوْصَلِ إِخْوَانِكُمْ!

الشّرْحُ :

انتصاب « الأموال » بفعل مقدّر دلّ عليه « بذلتموها » وكذلك « أنفس » ، يقول : لم تبذلوا أموالكُم في رضَا من رزقكم إياها ، ولم تخاطروا بأنفسكم في رضا الخالق لها ، والأوْلَى بكم أن تبذُلوا المالَ في رضا رازِقه ، والنفْس في رضا خالقها ؛ لأ نّه ليس أحَدٌ أحقّ منه بالمال والنفس وبذلهما في رضاه . ثم قال : من العجب أنّكم تطلبون من عباد اللّه أن يكرموكم

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 87692
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي