467
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فإن قلت : كيف يقول عليه السلام : الباطل ما يُسمع والحق ما يُرى ، وأكثر المعلومات إنما هي من طريق السماع ، كعلمنا الآن بنبوّة محمد صلى الله عليه و آله وسلم بما بلغنا من معجزاته التي لم نرها ، وإنما سمعناها!
قلت : ليس كلامه في المتواتر من الأخبار ، وإنما كلامه في الأقوال الشاذّة الواردة من طريق الآحاد ، التي تتضمّن القَدْح فيمن قد غلَبت نزاهته ، فلا يجوز العدولُ عن المعلوم بالمشكوك .

142

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلاموَلَيْسَ لِوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ، وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ ، مِنَ الْحَظِّ فِيَما أَتى إِلاَّ مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ ، وَثَنَاءُ الْأَشْرَارِ ، وَمَقَالَةُ الْجُهَالِ ، مَا دَامَ مُنْعِماً عَلَيْهِمْ؛ مَا أَجْوَدَ يَدَهُ ! وَهُوَ عَنْ ذَاتِ اللّهِ بَخِيلٌ .
فَمَنْ آتَاهُ اللّهُ مَالاً فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ ، وَلَْيَفُكَّ بِهِ الْأَسِيرَ وَالْعَانِيَ ، وَلْيُعْطِ مَنْهُ الْفَقِيرَ وَالْغَارِمَ ، وَلْيَصْبِرْ نَفْسَهُ عَلَى الْحُقُوقِ وَالنَّوَائِبِ ، ابْتِغَاءَ الثَّوَابِ؛ فَإِنَّ فَوْزاً بِهذِهِ الْخِصَالِ شَرَفُ مَكَارِمِ الدُّنْيَا ، وَدَرْكُ فَضَائِلِ الآخِرَةِ؛ إِنْ شَاءَ اللّهُ .

الشّرْحُ :

هذا الكلام يتضمّن ذمّ من يُخرج ماله إلى الفتيان والأقران والشعراء ، ونحوهم ، ويبتغي به المدحَ والسمعة ، ويعدل عن إخراجه في وجوه البر وابتغاء الثواب ، قال عليه السلام : ليس له من الحظّ إلاّ محمَدة اللئام وثناء الأشرار ، وقولهم : ما أجود يده ! أي ما أسمحه ! وهو بخيل بما


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
466

141

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامأَيُّهَا النَّاسُ ، مَنْ عَرَفَ مِنْ أَخِيهِ وَثِيقَةَ دِينٍ وَسَدَادَ طَرِيقٍ ، فَـلاَ يَسْمَعَنَّ فِيهِ أَقَاوِيلَ الرِّجَالِ . أَمَا إِنَّهُ قَدْ يَرْمِي الرَّامِي ، وَتُخْطِئُ السِّهَامُ ، وَيُحِيلُ الْكَـلاَمُ ، وَبَاطِلُ ذلِكَ يَبُورُ ، وَاللّهُ سَمِيعٌ وَشَهِيدٌ . أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلاَّ أَرْبَعُ أَصَابِـعَ .
فَسُئل عليه السلام عن معنى قوله هذا ، فجمع أصابعه ووضعها بين أُذُنه وعينه ، ثمّ قال :
الْبَاطِلُ أَنْ تَقُولَ سَمِعْتُ ، وَالْحَقُّ أَنْ تَقُولَ رَأَيْتُ!

الشّرْحُ :

هذا الكلام هو نَهْيٌ عن التسرّع إلى التصديق بما يقال من العيب والقدْح في حقّ الإنسان المستور الظاهر ، المشتهَر بالصلاح والخير ، وهو خلاصة قوله سبحانه : « إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْما بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ »۱ . ثمّ ضرب عليه السلام لذلك مثلاً ، فقال : قد يرمي الرامي فلا يصيب الغرض ، وكذلك قد يطعن الطاعن فلا يكون طعنه صحيحا ، وربَّما كان لغرض فاسدٍ أو سمعة ممّن له غرض فاسد ، كالعدوّ والحسود ، وقد يشتبه الأمر فيظنّ المعروف منكرا ، فيعجل الإنسان بقول لا يتحقّقه .
قال عليه السلام : « ويُحيل الكلام » ، أي يكون باطلاً ، أحال الرجلُ ، في منطقه ، إذا تكلّم الّذي لا حقيقة له ، ومن الناس من يرويه : « ويحِيك الكلام » بالكاف ، من قولك ما حاك فيه السيف ، ويجوز « أحاك » بالهمزة ، أي ما أثّر ، يعني أنّ القول يؤثّر في العِرْض وإن كان باطلاً ، والرواية الأُولى أشهر وأظهر . ويبور : يفسد . وقوله : « وباطل ذلك يبور » ، مثل قولهم : للباطل جولة ، وللحق دولة. والإصبع مؤنثة ، ولذلك ، قال : « أربع أصابع » فحذف الهاء .

1.سورة الحجرات ۶.

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86559
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي