479
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

يحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام وهو مجاز من الإحراق ، والشيء الموضوع لَهَا هذا اللفظ حقيقة . والعورات : الأحوال التي يخاف انتقاضها في ثَغْر أو حرب ، قال تعالى : « يَقُولُونَ إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعوْرَةٍ »۱ . والكَلَب : الشرّ والأذى .
واعلم أنّ هذا الكلام قد اختلف في الحال التي قاله فيها لعمر ، فقيل : قاله له في غَزَاة القادسيّة ، وقيل في غَزَاة نهاوَنْد . وإلى هذا القول الأخير ذهب محمد بن جرير الطبريّ في « التاريخ الكبير » ، وإلى القول الأول ذهب المدائنيّ في كتاب « الفتوح » .

147

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامفَبَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله وسلم ، بِالْحَقِّ لِيُخْرِجَ عِبَادَهُ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَتِهِ ، وَمِنْ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ إِلَى طَاعَتِهِ ، بِقُرْآنٍ قَدْ بَيَّنَهُ وَأَحْكَمَهُ ، لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلُوهُ ، وَلِيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدُوهُ ، وَلِيُثْبِتُوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَرُوهُ . فَتَجَلَّى لَهُمْ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا رَأَوْهُ بِمَا أَرَاهُمْ مِنْ قُدْرَتِهِ ، وَخَوَّفَهُمْ مِنْ سَطْوَتِهِ ، وَكَيْفَ مَحَقَ مَنْ مَحَقَ بِالْمَثُـلاَتِ . وَاحْتَصَدَ مَنِ احْتَصَدَ بِالنَّقِمَاتِ!

الشّرْحُ :

الأوثان : جمع وَثَن ؛ وهو الصَّنَم ، ويجمع أيضا على وُثْن ، مثل أسَد وآساد وأُسْد ؛ وسمّي وَثَنا لانتصابه وبقائه على حال واحدة ، من قولك : وثِنَ فلان بالمكان ؛ فهو واثن : وهو الثابت الدائم .
قوله : « فتجلّى سبحانه لهم » ، أي ظهر من غير أن يُرى بالبصر ، بل بما نبَّههم عليه في

1.سورة الأحزاب ۱۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
478

146

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد استشاره عمر في الشخوص لقتال الفرس بنفسهإِنَّ هذَا الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ نَصْرُهُ وَلاَ خِذْلاَنُهُ بِكَثْرَةٍ وَلاَ بِقِلَّةٍ . وَهُوَ دِينُ اللّهِ الَّذِي أَظْهَرَهُ ، وَجُنْدُهُ الَّذِي أَعْدَّهُ وَأَمَدَّهُ ، حَتَّى بَلَغَ مَا بَلَغَ ، وَطَلَعَ حَيْثُما طَلَعَ ؛ وَنَحْنُ عَلَى مَوْعُودٍ مِنَ اللّهِ ، وَاللّهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ ، وَنَاصِرٌ جُنْدَهُ . وَمَكَانُ الْقَيِّمِ بِالْأَمْرِ مَكَانُ النِّظَامِ مِنَ الْخَرَزِ يَجْمَعُهُ وَيَضُمُّهُ : فَإِنِ انْقَطَعَ النِّظَامُ تَفَرَّقَ وَذَهَبَ ، ثُمَّ لَمْ يَجْتَمِعْ بِحَذَافِيرِهِ أَبَداً .
وَالْعَرَبُ الْيَومَ ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلاً ، فَهُمْ كَثِيرُونَ بِالاْءِسْلاَمِ ، عَزِيزُونَ بِالاِجْتِمَاعِ ! فَكُنْ قُطْباً ، وَاسْتَدِرِ الرَّحَا بِالْعَرَبِ ، وَأَصْلِهِمْ دُونَكَ نَارَ الْحَرْبِ ، فَإِنَّكَ إِنْ شَخَصْتَ مِنْ هذِهِ الأَرْض انْتَقَضَتْ عَلَيْكَ الْعَرَبُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَأَقْطَارِهَا ، حَتَّى يَكُونَ مَا تَدَعُ وَرَاءَكَ مِنَ الْعَوْرَاتِ أَهَمَّ إِلَيْكَ مِمَّا بَيْنَ يَدَيْكَ .
إِنَّ الأَعَاجِمَ إِنْ يَنْظُرُوا إِلَيْكَ غَداً يَقُولُوا : هذَا أَصْلُ الْعَرَبِ ، فَإِذَا اقْتَطَعْتُمُوهُ اسْتَرَحْتُمْ ، فَيْكُونُ ذلِكَ أَشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ ، وَطَمَعِهِمْ فِيكَ .
فَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَوْمِ إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أَكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ . وَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى تَغْيِيرِ مَا يَكْرَهُ . وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ ، فَإِنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيَما مَضَى بِالْكَثْرَةِ ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ .

الشّرْحُ :

نظام العِقْد : الخيط الجامع له ، وتقول : أخذته كلّه بحذافيره ، أي بأصله ؛ وأصل الحذافير أعالي الشيء ونواحيه ؛ الواحد حِذْفار . وأصْلِهم نار الحرب : اجعلهم صالين لها ، يقال : صليتُ اللحم وغيره أصْليه صَلْيا ، مثل رميته أرميه رَمْيا ، إذا شويتَه . وعلى هذا الوجه

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86592
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي