557
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قال : « فَمنْ هداك إلى اجترارِ الغِذَاء من ثدْيِ أُمّك ؟ » ، اجترار : امتصاص اللبن من الثَّدْي ؛ وذلك بالإلهام الإلهيّ . « وعرّفك عند الحاجة » ، أي أعلمك بموضع الحَلَمة عند طلبك الرّضاع فالتقمتَها بفمِك . ثم قال : « هيهات » ، أي بَعُد أن يحيط علماً بالخالق مَنْ عجز عن معرفة المخلوق !

165

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لعثمان بن عفان
قالوا : لمّا اجتمع الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وشكوا إليه ما نقموه على عثمان ، وسألوه مخاطبته واستعتابه لهم ، فدخل عليه السلام على عثمان ، فقال :
إِنَّ النَّاسَ وَرَائِي وَقَدِ اسْتَسْفَرُوني بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ ، وَوَاللّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ ! مَا أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْرٍ لاَ تَعْرِفُهُ . إِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نَعْلَمُ مَا سَبَقْنَاكَ إِلَى شَيْءٍ فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ ، وَلاَ خَلَوْنَا بِشَيْءٍ فَنُبَلِّغَكَهُ . وَقَدْ رَأَيْتَ كَمَا رَأَيْنَا ، وَسَمِعْتَ كَمَا سَمِعْنَا ، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم كَمَا صَحِبْنَا . وَمَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلاَ ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْخيرِ مِنْكَ ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا؛ وَقَدْ نِلْتَ مِنْ صِهْرِهِ مَا لَمْ يَنَالاَ . فَاللّهَ اللّهَ فِي نَفْسِكَ ! فَإِنَّكَ ـ وَاللّهِ ـ مَا تُبَصَّرُ مِنْ عَمىً ، وَلاَ تُعَلَّمُ مِنْ جَهْلٍ ، وَإِنَّ الْطُّرُقَ لَوَاضِحَةٌ ، وَإِنَّ أَعْلاَمَ الدِّينِ لَقَائِمَةٌ .
فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللّهِ عِنْدَ اللّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ ، هُدِيَ وَهَدَى ، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً ، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً . وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ ، لَهَا أَعْلاَمٌ ، وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ ، لَهَا أَعْلاَمٌ . وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ بِهِ ، فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً ، وَأَحْيَا بِدْعَةً


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
556

الأصْلُ :

۰.منها :أَيُّهَا الْمَـخْلُوقُ السَّوِيُّ ، وَالْمُنْشَأُ الْمَرْعِيُّ ، فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ ، وَمُضَاعَفَاتِ الْأَسْتَارِ . بُدِئْتَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ، وَوُضِعْتَ فِي قَرَارٍ مَكِينِ ، إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ، وَأَجَل مَقْسُومٍ . تَمُورُ فِي بَطْنِ أُمِّكَ جَنِيناً لاَ تُحِيرُ دُعَاءً ، وَلاَ تَسْمَعُ نِدَاءً . ثُمَّ أُخْرِجْتَ مِنْ مَقَرِّكَ إِلَى دَارٍ لَمْ تَشْهَدْهَا ، وَلَمْ تَعْرِفْ سُبُلَ مَنَافِعِهَا . فَمَنْ هَدَاكَ لاِجْتِرَارِ الْغِذَاءِ مِنْ ثَدْيِ أُمِّكَ ؟ وَعَرَّفَكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ مَوَاضِعَ طَلَبِكَ وَإِرَادَتِكَ ؟! هَيْهَاتَ ، إِنَّ مَنْ يَعْجِزُ عَنْ صِفَاتِ ذِي الْهَيْئَةِ وَالْأَدَوَاتِ فَهُوَ عَنْ صِفَاتِ خَالِقِهِ أَعْجَزُ ، وَمِنْ تَنَاوُلِهِ بِحُدُودِ المخْلُوقِينَ أَبْعَدُ!

الشّرْحُ :

السّويّ : المستوى الخلقة غير ناقص ، قال سبحانه : « فَتَمثَّلَ لَهَا بَشَرا سَوِيّا »۱ . والمُنشَأ ، مفعول من « أنشأ » أي خُلِق وأُوجِد . والمرعيّ : المحوط المحفوظ . وظلمات الأرحام ، ومضاعفات الأستار : مستقرّ النُّطَف ، والرَّحِم .
قوله : « بُدِئت من سُلاَلة من طين » ، أي كان ابتداء خلْقك من سُلالة ؛ وهي خلاصة الطين ؛ لأنّها سُلَّت من بيْن الكَدَر ، و « فُعَالة » بناء للقلّة ، كالقُلامة والقُمامة . ثم قال : « ووضعتَ في قرار مكين » ، الكلام الأوّل لآدم الذي هو أصلُ البشر ، والثاني لذريّته ، والقرار المكين : الرَّحِم متمكّنة في موضعها برباطاتها ؛ لأنّها لو كانت متحرّكة لتعذّر العُلُوق . ثم قال : « إلى قَدَر معلوم ، وأجَلٍ مقسوم » ، إلى : متعلّقة بمحذوف ، كأنّه قال : « منهيّا إلى قَدَرٍ معلوم » ، أي مقدَّرا طوله وشكله إلى أجلٍ مقسوم مدّة حياته . ثم قال : « تمور في بطْنِ أُمّك » ، أي تتحرّك . لا تُحيِر ، أي لا ترجع جواباً ، أحار يُحير . إلى دار لم تشهدها ، يعني الدنيا ، ويقال : أشبه شيء بحال الانتقال من الدنيا إلى الأحوال التي بعد الموت ؛ انتقالُ الجنين من ظلمة الرَّحِم إلى فضاء الدنيا ؛ وهكذا حالنا في الدنيا إذا شاهدنا ما بعد الموت .

1.سورة مريم ۱۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86574
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي