655
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

النِّينَانِ فِي الْبِحَارِ الْغَامِرَاتِ ، وَتَلاَطُمَ الْمَاءِ بِالرِّيَاحِ الْعَاصِفَاتِ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَجِيبُ اللّهِ ، وَسَفِيرُ وَحْيِهِ ، وَرَسُولُ رَحْمَتِهِ .
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَكُمْ ، وَإِلَيْهِ يَكُونُ مَعَادُكُمْ ، وَبِهِ نَجَاحُ طَلِبَتِكُمْ ، وَإِلَيْهِ مُنْتَهْى رَغْبَتِكُمْ ، وَنَحْوَهُ قَصْدُ سَبِيلِكُمْ ، وَإِلَيْهِ مَرَامِي مَفْزَعِكُمْ . فَإِنَّ تَقْوَى اللّهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ ، وَبَصَرُ عَمَى أَفِئِدَتِكُمْ ، وَشِفَاءُ مَرَض اَجْسَادِكُمْ ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ ، وَطَهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ ، وَجِلاَءُ غِشاءِ أَبْصَارِكُمْ ، وَأَمْنُ فَزَعِ جَأشِكُمْ ، وَضِيَاءُ سَوَادِ ظُلْمَتِكُمْ .

الشّرْحُ :

العجيج : رفع الصوت ، وكذلك العَجّ ، وفي الحديث : « أفضل الحجّ العَجّ والثَّجّ » ، أي التلبية وإراقة الدم ، وعجيج ، أي صوت ، ومضاعفة اللفظ دليل على تكرير التصويت . والنِّينان : جمع نُونٍ ، وهو الحوت ، واختلافها هاهنا : هو إصعادها وانحدارها . ونجيب اللّه : منتجَبه ومختاره . وسفير وحيِه : رسول وحيِه ، والجمع سفَراء ، مثل فقيه وفقهاء . وإليه مرامي مفزعِكم : إليه تفزعون وتلجئون ، ويقال : فلان مرمَى قصدي ، أي هو للوضع الذي أنحوه وأقصِده .
ويروى : « وجلاء عَشَى أبصاركم » ، بالعين المهلمة والألف المقصورة ، والجأش : القلب، وتقدير الكلام : وضياء سواد ظلمة عقائدكم ، ولكنّه حذف المضاف للعلم به .

الأصْلُ :

۰.فَاجْعَلُوا طَاعَةَ اللّهِ شِعَاراً دُونَ دِثَارِكُمْ ، وَدَخِيلاً دُونَ شِعَارِكُمْ ، وَلَطِيفاً بَيْنَ أَضْلاَعِكُمْ وأمِيراً فَوْقَ أُمُورِكُمْ ، وَمَنْهَلاً لِحِينِ وَرُوُدِكُمْ ، وَشَفِيعاً لِدَرَكِ طَلِبَتِكُمْ ، وَجُنَّةً لِيَوْمِ فَزَعِكُمْ ، وَمَصَابِيحَ لِبُطُونِ قُبُورِكُمْ ، وَسَكَناً لِطُولِ وَحْشَتِكُمْ ، وَنَفَساً لِكَرْبِ مَوَاطِنِكُمْ . فَإِنَّ طَاعَةَ اللّهِ حِرْزٌ مِنْ مَتَالِفِ مُكْتَنِفَةٍ ، وَمَخَاوِفَ مُتَوَقَّعَةٍ ، وَأُوَارِ نِيرَانٍ مُوقَدَةٍ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
654

رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أوصاه بذلك ، وقال : إنه لا يبصر عورتي أحدٌ غيرُك إلاّ عَمِيَ واتفقوا على دفنه في البيت الذي قضى فيه وصلوا عليه إرسالاً لا يؤمّهم أحد .
وقيل : إن عليّاً عليه السلام أشار بذلك فقبلوه .
وأنا أعجب من ذلك ؛ لأنّ الصّلاة عليه كانت بعد بَيْعة أبي بكر ، فما الذي منع من أن يتقدّم أبوبكر فيصلّي عليه إماماً ؟! ۱
قوله عليه السلام : « فمن ذا أحقّ به منّي حيّا وميتاً ! » ، انتصابهما على الحال من الضمير المجرور في « به » ، أي أيّ شخص أحقّ برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم حال حياته وحال وفاته منّي ؟ ومرادُه من هذا الكلام ، أ نّه أحقّ بالخلافة بعدَه وأحقّ الناس بالمنزلة منه حيث كان بتلك المنزلة منه في الدنيا .
قوله عليه السلام : « فانفذوا إلى بصائركم » ، أي أسرعوا إلى الجهاد على عقائدكم التي أنتم عليها ، ولا يدخلنّ الشكّ والرَّيب في قلوبكم .
قوله عليه السلام : « إني لعلى جادّة الحق ، وإنهم لعلَى مزلّة الباطل » ، كلام عجيب على قاعدة الصناعة المعنوية ؛ لأ نّه لا يحسن أن يقول : وإنهم لَعَلَى جادّة الباطل ؛ لأنّ الباطل لا يوصف بالجادّة ، ولهذا يقال لمن ضلّ : وقع في بُنَيّاتِ الطريق ، فتعوّض عنها بلفظ « المزلّة » ، وهي الموضع الذي يزلّ فيه الإنسان ، كالمزلقة : موضع الزَّلَق ، والمغرَقة : موضع الغرق ، والمهلكة : موضع الهلاك .

191

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاميَعْلَمُ عَجِيجَ الْوُحُوشِ فِي الْفَلَوَاتِ ، وَمَعاصِيَ الْعِبَادِ فِي الْخَلَوَاتِ ، وَاخْتِلاَفَ

1.في الحديث كما في الكافي عن أبي جعفر عليه السلام قال : لمّا قبض النبي صلى الله عليه و آله وسلم صلّت عليه الملائكة والمهاجرون والأنصار فوجاً فوجاً . أما الشارح المتعجب الذي أراد توفيقاً لم يتمّ له ، فهو يعلم أن أبابكر وغيره من الصحابة كانوا يتصارعون على الخلافة وسلطان محمد صلى الله عليه و آله وسلم في سقيفة بني ساعدة .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 86603
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي