179
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

23

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلام قاله قبل موته
على سبيل الوصيّة لمّا ضَرَبه ابن مُلجم لعنه اللّه
وَصِيَّتِي لَكُمْ أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللّهِ شَيْئاً ؛ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَـلاَ تُضَيِّعُوا سُنَّـتَهُ . أَقِيمُوا هذَيْنِ الْعَمُودَيْنِ ، وَأَوْقِدُوا هذَيْنِ الْمِصْبَاحَيْنِ ، وَخَلاَكُمْ ذَمٌّ!
أَنَا بالْأَمْس صَاحِبُكُمْ ، وَالْيَوْمَ عِبْرَةٌ لَكُمْ ، وَغَداً مُفَارِقُكُمْ ، إِنْ أَبْقَ فَأنَا وَلِيُّ دَمِي ، وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي ، وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ ، وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ ، فاعْفُوا : «أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ»۱ .
وَاللّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ ، وَلاَ طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ ؛ وَمَا كُنْتُ إِلاَّ كَقَارِبٍ وَرَدَ ، وَطَالِبٍ وَجَدَ ؛ «وَمَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لِـلْأَبْرَارِ»۲ .
قال الرضي رحمه الله :
أقولُ : وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدّم من الخطب ، إلاّ أن فيه هاهنا زيادةً أوجبت تكريره .

الشّرْحُ:

فإن قلت : لقائل أن يقول : إذا أوصاهم بالتّوحيد واتّباع سنّة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فلم يبقَ شيء بعد ذلك يقول فيه : أقيموا هذين العَمودين وخَلاَكم ذمّ ؛ لأنّ سنّة النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم فعلُ كلّ واجب . وتجنُّب كلّ قبيح ؛ فخلاهم ذَمّ فيماذا يقال؟
والجواب : أنّ كثيراً من الصَّحابة كلَّفوا أنفسهم أُمورا من النّوافل شاقّةً جدّا ، فمنهم من

1.سورة النور ۲۲ .

2.سورة آل عمران ۱۹۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
178

بما ختم ، وإلى اللّه ترجع الأُمور!

22

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد اللّه بن العبّاس رحمه الله
وكان ابنُ عبّاس يقول : ما انتفعت بكلامٍ بعدَ كلام رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم كانتفاعي بهذا الكلام :
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَسُرُّهُ دَرْكُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَهُ ، وَيَسُوؤُهُ فَوْتُ مَا لَمْ يَكُنْ لِيُدْرِكَهُ ، فَلْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا نِلْتَ مِنْ آخِرَتِكَ ، وَلْيَكُنْ أسَفُكَ عَلَى مَا فَاتَكَ مِنْهَا ، وَمَا نِلْتَ مِنْ دُنْيَاكَ فَـلاَ تُكْثِرْ بِهِ فَرَحاً ، وَمَا فَاتَكَ مِنْهَا فَـلاَ تَأسَ عَلَيْهِ جَزَعاً ، وَلْيَكُنْ هَمُّكَ فِيَما بَعْدَ الْمَوْتِ .

الشّرْحُ:

يقول : إنّ كلّ شيء يصيب الإنسانَ في الدّنيا من نَفْع وضَرّ فبقضاء من اللّه وقَدره تعالى ؛ لكنّ الناسَ لا ينظرون حقّ النظر في ذلك ، فيُسَرّ الواحدُ منهم بما يصيبه من النّفع ، ويُساء بفوْت ما يَفُوته منه ، غيرُ عالم بأنّ ذلك النفعَ الّذي أصابه ، كان لابدّ أن يصيبه ، وأنّ ما فاته منه كان لابدّ أن يفوته ، ولو عرَف ذلك حقّ المعرفة لم يفرَح ولم يَحزَن .
ولقائلٍ أن يقول : هَبْ أن الأُمور كلّها بقضاءٍ وقَدَر ، فلم لا ينبغي للإنسان أن يَفرَح بالنفع وإن وَقع بالقَدَر ، ويُساءَ بفَوْته أو بالضّرر وإن وَقَعا بقَدَر؟
والجواب : ينبغي أن يُحمَل هذا الكلامُ على أنّ الإنسان ينبغي أن لا يعتقد في الرِّزق أنه أتاه بسَعْيه وحَرَكته فيَفرَح مُعْجَبا بنفسه ، وكذلك ينبغي ألاّ يساء بفَوات ما يفوته من المنافع لائما نفسَه في ذلك ناسبا لها إلى التقصير وفسادِ الحيلة والاجتهاد ؛ لأنّ الرزق هو من اللّه تعالى لا أَثَر للحركة فيه ، وإن وقع عندها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111135
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي