181
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

24

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام
بما يُعمل في أمواله ، كتبها بعد منصرفه من صفين
هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَالِهِ ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللّهِ ، لِيُولِجَهُ بِهِ الْجَنَّةَ ، وَيُعْطِيَهُ بِهِ الْأَمَنَةَ .

الشّرْحُ:

قد عاتبت العثمانِيّة وقالت : إنّ أبا بكر مات ولم يخلِّف ديناراً ولا درهماً ، وإنّ عليّا عليه السلام مات وخلّف عَقاراً كثيراً ـ يَعنون نَخْلاً .
قيل لهم : قد عَلِم كلُّ أحدٍ أنّ عليّا عليه السلام استخرَج عيوناً بكدِّ يدِه بالمدينة ويَنْبُع وسُويْعة ، وأحْيَا بها مَواتا كثيرا ، ثم أخرَجها عن مِلكِهِ ، وتَصدّق بها على المسلمين ، ولم يمتْ وشيءٌ منها في ملكِه ، ولم يُورِّث عليٌّ عليه السلام بنيه قليلاً من المال ولا كثيرا إلاّ عبيدَه ، وإماءَه وسَبْعَمئة درهم من عَطائه ، تركها ليشتريَ بها خادماً لأهله ، وإنما لم يَترُك أبو بكر قليلاً ولا كثيرا لأنّه ما عاش ، ولو عاش لتَرَك .
وقد مات رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وله ضِياعٌ كثيرةٌ جليلة جدّاً بخيْبَر وفَدَك وَبَني النّضِير ، وكان له وادِي نخْلة ، وضِياعٌ أُخرى كثيرة بالطائف ، فإن كان عليٌّ عليه السلام مَعيباً بضياعه ونخلِه فكذلِك رسولُ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وهذا كفر وإلحاد .
ورُويَ : «ويُعطيني بهِ الأمَنَةَ» ، وهي الأمْن .

الأصْلُ:

۰.منها:فإنَّهُ يَقُومُ بِذلِكَ الْحَسنُ بْنُ علِيٍّ يأْكُلُ مِنْهُ بِالْمعْروفِ ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ ، فَإِنْ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
180

كان يقوم الليل كلّه ، ومنهم من كان يصوم الدهر كلَّه ، ومنهم المرابط في الثّغور ، ومنهم المجاهد مع سقوط الجهاد عنه لقيام غيره به ، ومنهم تاركُ النّكاح ، ومنهم تاركُ المطاعم والملابس ؛ وكانوا يتفاخرون بذلك ، ويتنافسون فيه ، فأراد عليه السلام أن يبيِّن لأهله وشيعته وقتَ الوصيَّة أنّ المهمّ الأعظم هو التّوحيد ، والقيام بما يُعلم من دين محمّد صلى الله عليه و آله وسلم أنه واجب ، ولا عليكم بالإخلال بما عدا ذلك ، فليت من المئة واحدا نَهَض بذلك ، والمراد ترغيبهم بتخفيف وظائف التكاليف عنهم ، فإن اللّه تعالى يقول : «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ»۱ . وقال صلى الله عليه و آله وسلم : «بُعثتُ بالحنيفيّة السّهلة السَّمْحة» .
قولُه : وخَلاكم ذمّ ، لفظةٌ تقال على سبيل المثَل ، أي قد أعذَرتم ، وسَقَط عنكم الذمّ .
ثم قسم أيامه الثلاثة أقساما فقال : أنا بالأمس صاحبُكم أي كنت أُرجَى وأُخاف ، وأنا اليوم عِبرةٌٍ لكم ، أي عِظة تعتبرون بها . وأنا غداً مفارقكم ، أكون في دار أُخرى غير داركم .
ثم ذكر أنه إن بقي ولم يمتْ من هذه بالضربة فهو وليّ دمِه ، إن شاء عَفا ، وإنْ شاء اقتصّ ، وإن لم يَبْق فالفناء الموعد الَّذي لابدّ منه . ثم عاد فقال : وإن أعْفُ ، والتقسيم ليس على قاعدة تقسيم المتكلِّمين . والمعنى منه مفهوم ، وهو إمّا أن أسلم من هذه الضربة أو لا أسلم ، فإن سلمت منها فأنا وليّ دَمي ؛ إن شئتُ عفوتُ فلم أقتصّ ، وإن شئتُ اقتصصتُ ، ولا يعني بالقصاص هاهنا القتل ، بل ضربةً بضربة ، فإن سَرَتْ إلى النفس كانت السراية مُهدَرة كقَطْع اليد . ثم أومأَ إلى أنه إن سلم عفا ، بقوله : إن العفو لي إن عفوْت قرْبة .
ثم عُدْنا إلى القسم الثاني من القسمين الأوَّليْن ، وهو أنه عليه السلام لا يَسلَم من هذه ؛ فولاية الدم إلى الورثة إن شاؤوا اقتَصُّوا وإن شاؤوا عَفَوْا . ثم أومأ إلى أنَّ العفوَ منهم أحسن ، بقوله : «وهو لكم حسنة» ، بل أمَرَهم أمرا صريحا بالعفو ، فقال : فاعفوا ، «أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ» . وهذا لفظ الكتاب العزيز ، وينبغي أن يكون أمْرُه بالعفو في هذا الكلام محمولاً على النّدب .
ثم أقسَم عليه السلام أنّه ما فجأه من الموت أمْرٌ أنكَرَه ولا كَرهه ، فجأني الشيء : أتاني بغتةً . ثم قال : «ما كنتُ إلاّ كقارِب وَرَد» ، والقارب : الّذي يسير إلى الماء وقد بقي بينه وبينَه ليلة واحدة ، والاسم : القَرَب ، فهم قارِبون ، ولا يقال : «مقرِبون» ، وهو حرف شاذٌّ .

1.سورة البقرة ۱۸۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112947
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي