203
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الشّرْحُ:

ما لم تغُبوا عنه ، أي لم تسهوا عنه ولم تغفلوا ، يقال : غبيتُ عن الشيء أغبى غباوة ؛ إذا لم يفطُن ، وغَبِي الشيءُ عليّ كذلك إذا لم تعرفه ، وفلان غبيّ على «فعيل» ، أي قليل الفِطْنة ، وقد تَغَابى ؛ أي تغافل ؛ يقول لهم : قد كان من خروجكم يومَ الجمل عن الطاعة ، ونشرِكم حبلَ الجماعة ، وشقاقِكم لِي ما لستم أغبياء عنه ، فغفرت ورفعت السيف ، وقبلت التوبة والإنابة . والمدبر هاهنا : الهارب . والمقبِل : الّذي لم يفرّ لكن جاءنا فاعتذر وتنصّل .
ثم قال : فإن خطت بكم الأُمور ، خطا فلان خُطْوة يخطُو ، وهو مقدار ما بين القَدمين ، فهذا لازم ، فإن عدّيتَه ، قلت : أخطيت بفلان ، وخطوت به ، وهاهنا قد عدّاه بالباء .
والمردية : المهلكة . والجائرة : العادلة عن الصواب . والمنابذة ، مفاعلة ، من نبذتُ إليه عهدَه أي ألقيتَه وعدلت عن السِّلم إلى الحرب ، أو من نبذت زيدا ، أي اطّرحته ولم أحفل به .
قوله : «قرّبت جيادي» ، أي أمرت بتقريب خيلي إليّ لأركب وأسير إليكم . ورحلت ركابي ، الرّكاب الإبل ، ورحلتها : شددت على ظهورها الرَّحل . كلَعقة لاعق ، مثل يضرب للشيء الحقير التافه ، ويروى بضم اللام ، وهي ما تأخذه المِلْعقة .
ثم عاد فقال مازجا الخشونَة باللِّين : مع أني عارف فضلَ ذي الطاعة منكم ، وحقّ ذي النصيحة ، ولو عاقبت لما عاقبت البريء بالسقيم ، ولا أخذت الوفيّ بالناكث .

30

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى معاويةفَاتَّقِ اللّهَ فِيَما لَدَيْكَ ، وَانْظُرْ فِي حَقِّهِ عَلَيْكَ ، وَارْجِعْ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا لاَ تُعْذَرُ بَجَهَالَتِهِ ، فَإِنَّ لِلطَّاعَةِ أَعْلاَماً وَاضِحَةً ، وَسُبُلاً نَيِّرَةً ، وَمَحَجَّةً نَهْجَةً ، وَغَايَةً مُطَّلَبَةً ، يَرِدُهَا الأكيَاسُ ، وَيُخَالِفُهَا الأنكَاسُ ؛ مَنْ نَكَبَ عَنْهَا جَارَ عَنِ الْحَقِّ ، وَخَبَطَ فِي التِّيهِ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
202

وبطانته وأنصاره ؛ لأنهم كانوا يعتقدون إمامة الشَّيخين ؛ إلاّ القليل الشاذّ من خواصّ الشِّيعة ، فلما كَتَب ذلك الكتابَ مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يُغضب عليّاً ويُحرِجَه ويُحوِجَه إذا قرأ ذكر أبي بكر ، وأنه أفضل المسلمين ، إلى أن يَخلِط خطه في الجواب بكلمةٍ تقتضي طعنا في أبي بكر ، فكان الجواب مُجَمْجَما غير بيّن ، ليس فيه تصريح بالتّظليم لهما ، ولا التّصريح ببراءتهما ، وتارةً يترحّم عليهما ، وتارةً يقول : أخَذَا حقّي وقد تركته لهما ، فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتاباً ثانياً مناسباً للكتاب الأوّل ليستفزّا عليّاً عليه السلام ويستخِفّاه ، ويحمله الغَضَب منه أن يكتب كلاماً يتعلّقان به في تقبيح حاله وتَهْجين مذهبه . وقال له عمرو : إنّ عليَّاً رجل نَزِق تَيّاه ، وما استطعمت منه الكلامَ بمثل تقريظ أبي بكر وعمر ، فاكتب . فكتب كتاباً أنفَذَه إليه مع أبي أُمامة الباهليّ ، وهو من الصحابة ، بعد أن عزم على بعثته مع أبي الدَّرداء .

29

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل البصرةوَقَدْ كَانَ مِنِ انْتِشَارِ حَبْلِكُمْ وَشِقَاقِكُمْ مَا لَمْ تَغْبُوْا عَنْهُ ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ ، وَرَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ ، وَقَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ ، فَإِنْ خَطَتْ بِكُمُ الْأُمُورُ الْمُرْدِيَةُ ، وَسَفَهُ الآرَاءِ الْجَائِرَةِ ، إِلَى مُنَابَذَتِي وَخِلاَفِي ، فها أنا ذا قَدْ قَرَّبْتُ جِيَادِي ، وَرَحَلْتُ رِكَابِي .
وَلَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ لَأَوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لاَ يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ إِلَيْهَا إِلاَّ كَلَعْقَةِ لاَعِقٍ ؛مَعَ أَنِّي عَارِفٌ لِذِي الطَّاعَةِ مِنْكُمْ فَضْلَهُ ، وَلِذِي النَّصِيحَةِ حَقَّهُ ، غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ مُتَّهَماً إِلَى بَرِيءٍ ، وَلاَ ناكِثاً إِلَى وَفِيٍّ ۱ .

1.انتشار حبلكم: تفرّقكم. شقاقكم: عداوتكم وخلافكم. المردية: المهلكة. سفه الآراء: ضعفها. المنابذة: المخالفة.

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111129
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي