245
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قليلة . فأما في الحزن فلا يقال إلاّ وَجَدت أنا ، بالفتح لا غير . والجَهد : الطاقة ، أي لم استبطئك في بذل طاقتك ووسعك ، ومن رواها الجَهْد بالفتح فهو من قولهم : اجهد جَهدك في كذا ، أي ابلغ الغاية ، ولا يقال هذا الحرف هاهنا إلاّ مفتوحا .
ثمّ طيّب عليه السلام نفسه بأن قال له : لو تمّ الأمر الذي شرعت فيه من ولاية الأشتر مصرلعوّضتك بما هو أخفّ عليك مؤونة وثقلاً ، وأقلّ نصبا من ولاية مصر ؛ لأنّه كان في مصر بإزاء معاوية من الشام وهو مدفوع إلى حربه . ثم أكّد عليه السلام ترغيبه بقوله : «وأعجب إليك ولاية» .
فإن قلت : ما الذي بيده ممّا هو أخفّ على محمد مؤونة وأعجب إليه من ولاية مصر؟
قلت : ملْك الإسلام كلُّه كان بيد علي عليه السلام إلاّ الشام ، فيجوز أن يكون قد كان في عزمه أن يولّيَه اليمن أو خراسان أو أرمينيَة أو فارس .
ثم أخذ في الثناء على الأشتر وكان علي عليه السلام شديد الاعتضاد به ، كما كان هو شديد التحقّق بولايته وطاعته . وناقما ، من نقمت على فلان كذا ، إذا أنكرته عليه وكرهته منه . ثم دعا له بالرضوان ؛ ولست أشك بأنّ الأشتر بهذه الدعوة يغفر اللّه له ويكفّر ذنوبه ، ويدخله الجنّة ، ولا فرق عندي بينها وبين دعوة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ويا طُوبَى لمن حصل له من علي عليه السلام بعض هذا .
قوله : «فأصْحَر لعدوّك» ، أي ابرز له ولا تستتر عنه بالمدينة التي أنت فيها ، أصحر الأسدُ من خِيسه ، إذا خرج إلى الصحراء . وشمر فلان للحرب ، إذا أخذ لها أُهبتَها .

35

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عبدللّه بن العباس بعد مقتل محمّد بن أبي بكرأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مِصْرَ قَدِ افْتُتِحَتْ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ـ رَحِمَهُ اللّهُ ـ قَدِ اسْتُشْهِدَ ، فَعِنْدَ اللّهِ نَحْتَسِبُهُ وَلَداً نَاصِحاً ، وَعَامِلاً كَادِحاً ، وَسَيْفاً قَاطِعاً ، وَرُكْناً دَافِعاً .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
244

34

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر
لما بلغه تَوَجُّدُهُ من عزله بالأشتر عن مصر ، ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها :
أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِيحِ الْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ ، وَإِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذلِكَ اسْتِبْطَاءً لَكَ في الجَهْدِ ، وَلاَ ازْدِياداً لَكَ فِي الْجِدِّ ، وَلَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ ، لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَؤُونَةً ، وَأَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلاَيَةً .
إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ كَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً ، وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِيداً نَاقِماً ، فَرَحِمَهُ اللّهُ ! فَلَقَدِ اسْتَكْمَلَ أَيَّامَهُ ، وَلاَقَى حِمَامَهُ ، وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضونَ ؛ أَوْلاَهُ اللّهُ رِضْوَانَهُ ، وَضَاعَفَ الثَّوَابَ لَهُ . فَأَصْحِرْ لِعَدُوِّكَ ، وَامْض عَلَى بَصيرَتِكَ ، وَشَمِّرْ لِحَرْبِ مَنْ حَارَبَكَ ، وَادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ، وَأَكْثِرِ الاِسْتَعَانَةَ بِاللّهِ يَكْفِكَ مَا أَهْمَّكَ ، وَيُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ ، إِنْ شَاءَ اللّهُ .

الشّرْحُ:

أُمّ محمد رحمه الله أسماء بنت عُميس الخثعميّة ، وهي أُخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وأخت لبابة أم الفضْل وعبد اللّه زوج العباس بن عبد المطلب ؛ وكانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة ، وهي إذ ذاك تحت جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، فولدت له هناك محمد وعبد اللّه وعونا ، ثم هاجرت معه إلى المدينة ، فلما قتِل جعفر يوم مؤتة تزوّجها أبو بكر . فولدت له محمدا هذا ثمّ مات عنها فتزوجها علي عليه السلام وولدت له يحيى بن علي . ثم كان في حجر علي عليه السلام ، وكان يُثني عليه ويقرّظه ويفضّله .
قوله : «فقد بلغني موجدتك» ، أي غضبك ، وجدت على فلان مَوْجِدة ، ووِجدانا لغة

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111272
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي