427
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

89

الأصْلُ:

۰.إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ ، فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ ۱ .

الشّرْحُ:

لو قال : إنّها تَمَلّ كما تَمَلّ الأبدان ، فأحمِضُوا ، كما نقل عن غيرِه ؛ لحُمِل ذلك على أنّه أراد نَقلَها إلى الفُكاهات والأخبار والأشعار ، ولكنّه لم يقل ذلك ، ولكن قال : « فابْتَغوا لها طرائفَ الحِكمة» ، فوَجَب أن يُحمَل كلامُه عليه السلام على أنّه أراد أنّ القُلوبَ تَمَلّ من الأنظار العقلِيّة في البراهين الكلاميّة على التوحيد والعدل ، فابتغوا لها عندَ مَلالِها طرائفَ الحِكمة ، أي الأمثال الحِكَمِية الراجعة إلى الحِكمة الخلقية ، كما نحن ذاكرُوه في كثيرٍ من فصولِ هذا الباب ، مِثل مدح الصبر ، والشجاعة ، والزهد ، والعِفَّة ، وذمّ الغضب ، والشهوة ، والهوى ، وما يَرجع إليه سياسة الإنسان نفسه ، وولده ، ومنزله ، وصديقه ، وسلطانه ، ونحو ذلك ؛ فإنّ هذا عِلْمٌ آخَر وفَنّ آخر ، لا تَحتاجُ القلوب فيهِ إلى فِكْر واستنباط ، فتَتعب وتكِلّ بترادُف النّظر والتأمّل عليها ، وفيه أيضا لذَّةٌ عظيمةٌ للنّفس . وقد جاء في إجمامِ النّفس كثيرٌ . قال بعضهم : رَوِّحوا القلوب برَواتِع الذّكر .

90

الأصْلُ:

۰.لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ الْفِتْنَةِ» ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فِتْنَةٍ ، وَلكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ ، فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ :

1.طرائف الحكم : قيل هي ، لطائفها وغرائبها المعجبة للنفس اللّذيذة لها ، وذلك ليكون أبدا في اكتساب الحكمة بنشاط . وسيأتي مثل هذا مكرراً في الحكمة رقم (۱۹۳) .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
426

يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ اللّهِ ۱ .

الشّرْحُ:

قَلَّ موضعٌ من الكتاب العزيز يَذكُر فيه الوعيد إلاّ ويَمزُجه بالوعد ، مِثل أن يقول : «لَشَدِيدُ الْعِقَابِ» ثم يقول : «وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» ، والحكمة تَقتضِي هذا ليكون المكلَّف متردِّدا بين الرّغبة والرّهبة .
ويقولون في الأمثال المرموزة : لقِيَ موسَى وهو ضاحكٌ مستبشرٌ عيسَى وهو كالِحٌ قاطِب ، فقال عيسى : مالَك كأنّكَ آمِنٌ من عذاب اللّه ؟ فقال موسى عليه السلام : مالَكَ كأنّك آيِسٌ من رَوْح اللّه ! فأوحَى اللّه إليهما : موسى أحبُّكما إليّ شِعارا ، فإنِّي عِنْدَ حُسْن ظَنِّ عبدي بي .
واعلم أنّ أصحابَنا وإن قالوا بالوعيد ؛ فإنّهم لا يؤيسون أحدا ولا يقنِّطونه من رحمة اللّه ، وإنما يَحُثّونه على التوبة ، ويخوِّفونه إن ماتَ من غير توبة .

88

الأصْلُ:

۰.أَوْضَعُ الْعِلْمِ مَا وَقَفَ عَلَى اللِّسَانِ ، وَأَرْفَعُهُ مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ وَالْأَرْكَانِ .

الشّرْحُ:

هذا حقّ ؛ لأنّ العالِمَ إذا لم يَظهَر من عِلمِهِ إلاّ لَقْلَقَةُ لسانِه من غيرِ أن تَظْهرَ منه العبادات ، كان عالما ناقصا ، فأمّا إذا كان يُفيدُ الناسَ بألفاظهِ ومنطقِه ، ثمّ يشاهِدُهُ النّاسُ على قَدَمٍ عظيمةٍ من العبادةِ ، فإنَّ النفعَ يكون به عامّا تامّا ، وذلك لأنّ الناس يقولون : لو لم يكن يَعتقِد حقيقةَ ما يقوله ، لما أدْأَبَ نَفسَه هذا الدَّأَب .
وأمّا الأوّل فيقولون فيه : كُلّ ما يقوله نفاق وباطل ؛ لأنّه لو كان يعتقد حقيقةَ ما يقول لأخَذَ به ، ولظَهرَ ذلك في حَرَكاته ، فيَقْتَدون بفِعله لا بقَوْله ، فلا يَشتغِل أحدٌ منهم بالعبادة ولا يهتمّ بها .

1.القنوط : اليأس ، وقنّطه : يأّسه . رَوْح اللّه : لطفه ورأفته . مكر اللّه : أخذ العبد بالعقاب من حيث لا يشعر.

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111124
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي