45
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

بِقَلْبِي إِلَى مَرَاشِدِي ، فَلَيْسَ ذلِكَ بِنُكْرٍ مِنْ هِدَايَاتِكَ ، وَلاَ بِبِدْعٍ مِنْ كِفَايَاتِكَ .
اللَّهُمَّ احْمِلْنِي عَلَى عَفْوِكَ ، وَلاَ تَحْمِلْنِي عَلَى عَدْلِكَ .

الشّرْحُ:

أنِست : ضدّ وحشت ، والإيناس : ضدّ الإيحاش ، وكان القياس أن يقول : إنّك آنس المؤنسين ؛ لأنّ الماضي «أفعل» وإنما الآنسون جمع آنس ، وهو الفاعل من أنست بكذا ، لا من «آنست» ؛ فالرواية الصحيحة إذن «بأوليائك» ، أي أنت أكثرهم أُنسا بأوليائك وعطفاً وتحنُّناً عليهم . وأحضرهم بالكفاية ، أي أبلغهم إحضاراً لكفاية المتوكّلين عليهم ، وأقومُهم
بذلك . تشاهدهم في سرائرهم ، أي تطلع على غيبهم ، والبصائر : العزائم ، نفذت بصيرته في كذا ، أي حقّ عزمه . وقلوبهم إليك ملهوفة ، أي صارخة مستغيثة . وفهِهت عن مسألتي ، بالكسر : عَيِيت ، والفهَّة والفَهاهةُ : العيّ رجل أفِهٌ ، ورجل فَهّ أيضا ، وامرأة فَهِهة . وقد فَهِهْتَ يا رجل فَهَها ، أي عييت ، ويقال سفيه فهيه ، وفههه اللّه ، وخرجت لحاجة فأفهَّني عنها فلان ، أي أنسانيها .
ويروى : «أو عمهت» بالهاء والميم المكسورة ، والعَمَة : التحيّر والتردّد ، عَمِه الرّجل ، فهو عَمِه وعَامِهٌ والجمع عُمْهٌ ، وأرض عَمْهاء : لا أعلام بها . والنّكر : العجب . والبِدْع : المتبدع ، ومنه قوله تعالى : «قُلْ مَا كُنتُ بِدْعا مِنَ الرُّسُلِ»۱ ، أي لم آت بما لم أسبق إليه .
ومثل قوله عليه السلام : «اللهم إِحملْني على عفوِك ، ولا تحملني على عَدْلك» قولُ المرْوانية للهاشميّة لما قُتل مروان في خبرٍ قد اقتصصناه قديما : ليسعنا عدْلُكم ، قالت الهاشمية : إذنْ لا نُبقي منكم أحدا ، لأنكم حاربتم عليا عليه السلام ، وسَممتم الحسن عليه السلام ، وقتلتم الحسين عليه السلام وزيداوابنه ، وضربتم عليّ بن عبد اللّه ، وخنقتم إبراهيم الإمام في جراب النّورة .
قالت : قد يسعنا عفوكم ، قالت : أمّا هذا فنعم .

1.سورة الأحقاف ۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
44

الشّرْحُ:

بالبلى محفوفة ، قد أحاط بها من كلِّ جانب . وتارات : جمع تارة ، وهي المرّة الواحدة . ومتصرّفة : منتقلة متحوّلة . ومستهدِفة بكسر الدال : منتصبة مهيّأة للرمي ، وروي : « مستهدَفة» بفتح الدال على المفعولية ، كأنها قد استهدفها غيرُها ، أي جعلها أهدافاً . ورياحهم راكدة : ساكنة . وآثارهم عافية : مندرسة . والقصور المشيّدة : العالية ، ومن روى : « المشِيدة» بالتخفيف وكسر الشين ، فمعناه المعمولة بالشِّيد ، وهو الجِصّ . والنمارق : الوسائد . والقبور المُلْحَدَة : ذوات اللحود . وروي : «والأحجار المسنّدة» بالتشديد .
قوله عليه السلام : «قد بُنِيَ على الخراب فناؤها» ، أي بنيت لا لتسكن الأحياء فيها كما تبنى منازل أهل الدنيا . والكلكل : الصدر ؛ وهو هاهنا استعارة . والجنادل : الحجارة . وبعثرت
القبور : أُثيرت . وتبلو كلّ نفس ما أسلفت : تخبر وتعلم جزاء أعمالها ، وفيه حذف مضاف ، ومن قرأ : «تتلو» بالتاء بنقطتين ، أي تقرأ كلّ نفس كتابها . وضلّ عنهم ما كانوا يفترون : بطل عنهم ما كانوا يدّعونه ويكذبون فيه من القول بالشركاء وأنهم شفعاء .

222

الأصْلُ:

۰.ومن دعاء له عليه السلاماللَّهُمَّ إِنَّكَ آنَسُ الآنِسِينَ لِأَوْلِيَائِكَ ، وَأَحْضَرُهُمْ بِالْكِفايَةِ لِلْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ . تُشَاهِدُهُمْ فِي سَرَائِرِهِمْ ، وَتَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ فِي ضَمَائِرِهِمْ ، وَتَعْلَمُ مَبْلَغَ بَصَائِرِهِمْ . فَأَسْرَارُهُمْ لَكَ مَكْشُوفَةٌ ، وَقُلُوبُهُمْ إِلَيْكَ مَلْهُوفَةٌ . إِنْ أَوْحَشَتْهُمُ الْغُرْبَةُ آنَسَهُمْ ذِكْرُكَ ، وَإِنْ صُبَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَصَائِبُ لَجَؤُوا إِلَى الاْسْتِجَارَةِ بِكَ ، عِلْماً بَأَنَّ أَزِمَّةَ الْأُمُورِ بِيَدِكَ ، وَمَصَادِرَهَا عَنْ قَضَائِكَ .
اللَّهُمَّ إِنْ فَهِهْتُ عَنْ مَسَأَلَتِي ، أَوْ عَمِيتُ عَنْ طِلْبَتِي ، فَدُلَّنِي عَلَى مَصَالِحِي ، وَخُذْ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111207
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي