477
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

«يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إلاّ بإذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيد»۱ .

148

الأصْلُ:

۰.الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ . وَعَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ : إِثْمُ الْعَمَلِ بِهِ ، وَإِثْمُ الرِّضا بِهِ .

الشّرْحُ:

لا فرقَ بين الرّضا بالفعل وبين المُشارَكة فيه ؛ ألا ترى أنّه إذا كان ذلك الفعل قبيحا استَحَقّ الراضي به الذمّ كما يستحقّه الفاعل له ! والرّضا يفسَّر على وجهين : الإرادة وتَرْك الاعتراض ، فإن كان الإرادة فلا رَيْب أنّه يَستحِق الذّم ؛ لأنّ مُريد القَبِيح فاعلٌ للقبيح ، وإن كان ترك الاعتراض مع القدرة على الاعتراض فلا رَيْب أنّه يستحقّ الذمّ أيضا ؛ لأنّ تاركَ النهي عن المنكر مع ارتفاع المَوانِع يستحقّ الذمّ .
فأمّا قولُه عليه السلام : «وعلى كلّ داخل في باطلٍ إثمان» ، فإن أراد الدّاخل فيه بأن يَفعَله حقيقة ، فلا شُبْهة في أنّه يأثم من جهتين : إحداهما من حيثُ إنّه أراد القبيح . والأُخرى من حيث أنه فَعَله .
وإن أراد أنّ الراضيَ بالقبيح فقط يستحقّ إثمين : أحدهما لأنّه رَضِيَ به ، والآخَر لأنّه كالفاعل ، فليس الأمْر على ذلك ؛ لأنّه ليس بفاعلٍ للقبيح حقيقةً لِيستحقّ الإثم من جهة الإرادة ومن جهة الفعليّة جميعا ، فوَجَب إذَنْ أن يُحمَل كلامُه عليه السلام على الوجه الأوّل .

1.سورة هود ۱۰۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
476

وسوّف التوبة ، وإن عَرَتْه مِحْنة انفَرَج عن شرائط المِلّة» ، هذا كما قيل : أمدَحُه نَقْداً ويُثِيبُني نَسِيئة . وانفرج عن شرائط الملّة ، قال أو فعل ما يقتضي الخروجَ عن الدّين ؛ وهذا موجودٌ في كثيرٍ من الناس إذا عرتْه الِمحَن كَفَر أو قال ما يُقارِب الكفرَ من التسخّط والتبرّم والتأفّف . «يَصِف العِبْرة ولا يَعتبِر ، ويُبالِغ في الموعظة ولا يتّعظ» ، هذا هو المعنى الأوّل . « فهو بالقول مُدِلّ ، ومن العمل مُقِلّ» ، هذا هو المعنى أيضا . «ينافِسُ فيما يَفنَى» ، أي في شَهَوات الدنيا ولذّاتها . و «يُسامِح فيما يَبقَى» ، أي في الثّواب . «يَرى الغُنْم مَغرَما ، والغُرْم مَغنَماً » ۱ ، هذا هو المعنَى الّذي ذكرْناه آنِفا . قال : «يَخشَى الموت ، ولا يُبادِر الفَوْت» ، قد تكرّر هذا المعنى في هذا الفَصْل ، وكذلك قولُه : «يَستعظِم من معصيةِ غيرِه ما يستقلّ أكثر منه من نفسِه ... » ، وإلى آخر الفصل كلٌّ مكرّرَ المعنى وإن اختلفت الألفاظ ، وذلك لاقتدارِه عليه السلام على العِبارة ، وسَعةِ مادّة النّطق عندَه .

147

الأصْلُ:

۰.لِكُلِّ امْرِئٍ عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ .

الشّرْحُ:

هكذا قرأناه ووجَدْناه في كثيرٍ من النُّسَخ ، ووجَدْناه في كثير منها : «لكلّ أمرٍ عاقبة» ، وهو الأليَق ، ومثل هذا المعنى قولُهم في المَثَل : لكلّ سائلٍ قَرار ، وقد أخَذَه الطائيّ فقال :

فكانتْ لوعة ثمّ استقرّتْكذاكَ لكلّ سائلةٍ قَرارُ۲
فأمّا الرواية الأُولى وهي : «لكلّ امرئٍ» فنظائرُها في القرآن كثيرة ، نحو قوله تعالى :

1.الغُنْم : الغنيمة . الغرم : الغرامة . الفوت : فوات الفرصة وانقضاؤها . بادر : أسرع ، بادره : عاجله قبل أن يذهب . يرشد : يهدي . يغوي : يضلّ . يستوفي : يأخذ حقّه كاملاً . يوفي : اعطاه إياه تاماً .

2.ديوانه ۲ : ۱۵۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 112905
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي