553
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

أوفرُها نصيبا ، أو يموت فما عند اللّه خيرٌ له وأبقى .
وليس يعنِي بقوله : الفالج القامِر الغالبَ كما فسّره الرّضيّ رحمه الله ، لأنّ الياسرَ الغالبَ القامِرَ لا ينتظر أوّلَ فوزةٍ من قِداحهِ ، وكيف ينتظر وقد غَلب ؟! وأيّ حاجة له إلى الانتظار؟! ولكنّه يَعنِي بالفالج الميمونَ النَّقيبة الّذي له عادةٌ مطّردةٌ أن يَغلِب ، وقلّ أن يكون مَقْهورا .

266

الأصْلُ:

۰.ومنهُ : كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللّهِ ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَى الْعَدُوِّ مِنْهُ .

قالَ : معنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو ، واشتد عضاض الحرب ، فزع المسلمون إلى قتال رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه ، فينزل اللّه تعالى النصر عليهم به ، ويأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه .
وقوله : «إذا احمرَّ البأْسُ» كناية عن اشتداد الأمر ، وقد قيل في ذلك أقوال ؛ أحسنها أنه شبّه حَمْيَ الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها ؛ ومما يقوي ذلك قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وقد رأى مُجْتَلَدَ الناس يوم حنين وهي حرب هوازن : «الآن حَمِيَ الوَطِيسُ» ، والوطيس : مستوقد النار ، فشبّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما استحرّ من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها .

الشّرْحُ:

الجيّد في تفسير هذا اللّفظ أن يقال : البأس الحرْب نفسُها ، قال اللّه تعالى : «والصابرين في البأساء والضّرّاء وحينَ البأس»۱ ؛ وفي الكلام حذفُ مضافٍ تقديرُه إذا احمرَّ مَوضعُ البأس ، وهو الأرْضُ الّتي عليها معرَكة القوم ، واحمرارُها لِما يسيل عليها من الدّم .

1.سورة البقرة ۱۷۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
552

264

الأصْلُ:

۰.وَمنهُ : أَنه شيع جيشاً يُغزِيه فقال : اعْزِبُوا عَنِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ .

ومعناه : اصدفوا عن ذكر النساء وشغل القلب بهن ، وامتنعوا من المقاربة لهن ، لأنّ ذلك يَفُتّ في عضد الحميّة ، ويقدح في معاقد العزيمة ، ويكسر عن العَدُوِّ ، ويلفت عن الإبعاد في الغزو ، فكلّ من امتنع من شيء فقد أعْزَبَ عنه ، والعازب والعزوب : الممتنع من الأكل والشرب .

الشّرْحُ:

التفسير صحيح ، لكنّ قوله : من امتنع من شيء فَقد أعزَب عنه ، ليس بجيّد ؛ والصحيح : فقد عَزَب عَنْه . ثلاثيُّ .

265

الأصْلُ:

۰.ومنهُ : كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزِةٍ مِنْ قِدَاحِهِ .

قالَ : الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور ، والفالج : القاهر والغالب ، يقال : فلج عليهم وفلجهم ، وقال الراجز :
*لما رأيت فالجاً قد فلجا*

الشّرْحُ:

أوّل الكلام أنّ المرء المسلِم ما لم يغشَ دَناءةً يَخشَع لها إذا ذكرتْ ، ويُغرِي به لئامَ النّاس ، كالياسِر الفالِجِ ينتظر أوّل فوزَةٍ من قِداحه ، أو داعيَ اللّه ، فما عند اللّه خيرٌ للأبرار ، يقول : هو بين خيرتين : إمّا أن يصيرَ إلى ما يُحِبّ من الدنيا ، فهو بمنزلة صاحب القِدْح المُعَلّى ، وهو

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111194
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي