661
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

441

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَى بَاطِن الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَى ظَاهِرِهَا ، وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا ، فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا أَحَسُّوا أَنْ يُمِيتَهُمْ ، وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ ، وَرَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلاَلاً ، وَدَرْكَهُمْ لَهَا فَواتاً ، أَعْدَاءٌ لِمَا سَالَمَ النَّاسُ ، وَسَلْمٌ لِمَنْ عَادَى النَّاسُ ! بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ ، وَبِهِ عُلِمُوا ، وَبِهِمْ قَامَ كِتَابُ اللّهِ تَعَالى ، وَبِهِ قَامُوا ، لاَ يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ ، وَلاَ مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ .

الشّرْحُ:

هذا يَصلُح أن تَجعله الإماميّة شرح حال الأئمّة المعصومِين على مذهبهم ، لقَولِه : فوقَ ما يَرْجون ، بهم عُلِم الكتاب ، وبه عُلموا ؛ وأمّا نحن فنجعله شرح حالِ العلماء العارفين ۱ وهم أولياءُ اللّه الذين ذكرهم عليه السلام لما نظر الناسُ إلى ظاهر الدنيا وزُخْرُفها من المناكح والملابس والشَّهَوات الحِسِّية ، نظروا هُمْ إلى باطن الدنيا ، فاشتغلوا بالعلوم والمعارف والعبادة والزهد في المَلاذّ الجُسْمانيّة ، فأمَاتُوا من شَهَواتِهم وقُواهم المذمومة كقوّة الغَضب وقوّة الحسد ما خافوا أن يُميتَهم ، وتَركُوا من الدنيا اقتناءَ الأموال لعلمهم أنها ستترُكهم ، وأنه لا يمكن دوامُ الصُّحْبة معها ، فكان استِكثارُ الناس من تلك الصفات استقلالاً عندهم ، وبلوغ الناس

1.أقول : هذه الأوصاف التي ذكرها الإمام عليه السلام لا تنطبق إلاّ على أئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام ، فلولاهم لما عُلم تفسير الآيات وتأويل المتشابهات . (وبه عُلموا) لدلالة آيات الكتاب الكريم على فضلهم وشرفهم وعلو رتبتهم ومنزلتهم ، كآيات المودة والتطهير ، والولاية والمباهلة ، والشاهد ، وغيرها . ولا شك أن أئمتنا عليهم السلام هم العلماء العارفون وهم أولياء اللّه الذين ذكرهم عليه السلام دون غيرهم . ولو أراد أن يعمم الكلام ليشمل العلماء الربانيين ، فلا بأس به فيكون المراد أنه علم فضلهم بالآيات الكريمة الدالة على فضل العلماء .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
660

الشّرْحُ:

هذه صورةُ أكثر الناس ، وذلك لأنّ أكثرهُم يَكُدّ بدنَه ونفسَه في بلوغِ الآمال الدّنيويّة ، والقليل منهم من تساعِده المقاديرُ على إرادته ، وإن ساعدَتْه على شيء منها بقِيَ في نفسه ما لا يَبْلغه ، كما قيل :

نَروحُ ونَغدُو لحاجاتناوحاجَةُ من عاش لا تَنْقضِي
تَموتُ مع المرءِ حاجاتُهوتبْقَى له حاجَةٌ ما بقِي
فأكثرُهم إذَنْ يَخرُج من الدنيا بحَسْرته ، ويُقدِم على الآخرة بتَبِعته ، لأنّ تلك الآمال التي كانت الحركة والسعيُ فيها ليستْ متعلقةً بأمور الدّين والآخرة ، لا جَرَم أنها تبعات وعُقوبات ، ونسأل اللّه عَفوَه .

440

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام :الرِّزْقُ رِزْقَانِ : طَالِبٌ وَمَطْلُوبٌ ، فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَهُ الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا ، وَمَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْهُ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهَا رِزْقَهُ .

الشّرْحُ:

هذا تحريضٌ على طلب الآخِرة ، ووَعْد لمن طَلَبها بأنه سيُكفى طلب الدنيا ، وإنّ الدنيا ستَطلبُه حتى يستوفيَ رزقَه منها .
وقد قيل : مَثَل الدّنيا مَثل ظِلّك ، كلّما طلبتَه بَعُد عنك ، فإن أدبَرْتَ عنه تَبِعَك ۱ .

1.في الحكمة ۳۸۵ : « الرزق رزقان ... » .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 111211
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي