29
حکم لقمان

مِن أحَدٍ استَحسَنَهُ إلاّ سَأَلَ عَن تَفسيرِهِ وعَمَّن أخَذَهُ . وكانَ يُكثِرُ مُجالَسَةَ الفُقَهاءِ وَ الحُكَماءِ ، وكانَ يَغشَى القُضاةَ وَالمُلوكَ وَالسَّلاطينَ ، فَيَرثي لِلقُضاةِ مِمَّا ابتُلوا بِهِ ، ويَرحَمُ المُلوكَ وَالسَّلاطينَ لِغِرَّتِهِم بِاللّهِ وطُمَأنينَتِهِم في ذلِكَ ، ويَعتَبِرُ ويَتَعَلَّمُ ، ما يَغلِبُ بِهِ نَفسَهُ ، ويُجاهِدُ بِهِ هَواهُ ، ويَحتَرِزُ بِهِ مِنَ الشَّيطانِ ، فَكانَ يُداوي قَلبَهُ بِالفِكرِ ويُداوي نَفسَهُ بِالعِبَرِ ، وكانَ لا يَظعَنُ إلاّ فيما يَنفَعُهُ .
فَبِذلِكَ اُوتِيَ الحِكمَةَ ومُنِحَ العِصمَةَ» . 1
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الروايات لا اختلاف ولا تعارض بينها ؛ وذلك لأنّ كلّ واحدة منها تشير إلى جوانب من مبادئ الحكمة الحقيقية الّتي اُعطيها لقمان .
وبعبارة اُخرى لكلّ هذه الخطوات دورها وتأثيرها في انبثاق نور الحكمة الّتي حباها اللّه عزّوجلّ للقمان .

أمثال لقمان في الاُمّة الإسلامية

تفيد البحوث الّتي اُجريت في هذا المضمار بأنّ ثلاثة من بين أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأهل بيته يضاهون لقمان في حكمته ، وهؤلاء الثلاثة هم :
1 . سلمان
وردت في هذا الصدد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيها : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله ذات يوم لأصحابه :
أيُّكُم يَصومُ الدَّهرَ ؟
فَقالَ سَلمانُ رحمه الله : أنَا يا رَسولَ اللّهِ .
فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : فَأَيُّكُم يُحيِي اللَّيلَ ؟

1.تفسير القمّي : ج ۲ ص ۱۶۲ ، بحار الأنوار : ج ۱۳ ص ۴۰۹ ح ۲ .


حکم لقمان
28

قالَ : بَلى .
قالَ : الَّذي كُنتَ تَرعى عِندَ جَبَلٍ كَذا وكَذَا ؟
قالَ : بَلى .
قالَ : مَا الَّذي بَلَغَ بِكَ ما أرى ؟
قالَ : صِدقُ الحَديثِ ، وطولُ السُّكوتِ عَمَّا لا يَعنيني» . 1
وقال قطب الدين الراوندي في كتاب لبّ اللباب :
«إنَّ لُقمانَ رَأى رُقعَةً فيها بِسمِ اللّهِ ، فَرَفَعَها وأكَلَها ، فَأَكرَمَهُ بِالحِكمَةِ» . 2
واجمع كلمة تضمنت اسباب نيل لقمان للحكمة ، هي ما قاله الصادق عليه السلام :
«أما وَاللّهِ ما اُوتِيَ لُقمانُ الحِكمَةَ بِحَسَبٍ ولا مالٍ ولا أهلٍ ولا بَسطٍ في جِسمٍ ولا جَمالٍ ، ولكِنَّهُ كانَ رَجُلاً قَوِيّا في أمرِ اللّهِ ، مُتَوَرِّعا فِي اللّهِ ، ساكِتا ، سَكينا ، عَميقَ النَّظَرِ ، طَويلَ الفِكرِ ، حَديدَ النَّظَرِ ، مُستعبرا بِالعِبَرِ ، لَم يَنَم نَهارا قَطُّ . ولَم يَرَهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ عَلى بَولٍ ولا غائِطٍ ولاَ اغتِسالٍ ؛ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وعُمقِ نَظَرِهِ وتَحَفُّظِهِ في أمرِهِ .
ولَم يَضحَك مِن شَيءٍ قَطُّ ؛ مَخافَةَ الإِثمِ ، ولَم يَغضَب قَطُّ ، ولَم يُمازِح إنسانا قَطُّ ، ولَم يَفرَح بِشَيءٍ إن أتاهُ مِن أمرِ الدُّنيا ، ولا حَزِنَ مِنها عَلى شَيءٍ قَطُّ .
وَقَد نَكَحَ مِنَ النِّساءِ ووُلِدَ لَهُ الأَولادُ الكَثيرَةُ ، وقَدَّمَ أكثَرَهُم إفراطا ، فَما بَكى عَلى مَوتِ أحَدٍ مِنهُم . وَلَم يَمُرَّ بِرَجُلَينِ يَختَصِمانِ أو يَقتَتِلانِ إلاّ أصلَحَ بَينَهُما ، ولم يَمضِ عَنهُما حَتّى يَحابّا ، ولَم يَسمَع قَولاً قَطُّ

1.الصمت لابن أبي الدنيا : ص ۲۹۶ ح ۶۷۵ ، الدرّ المنثور : ج ۶ ص ۵۱۲ .

2.مستدرك الوسائل : ج ۴ ص ۳۸۹ ح ۴۹۹۵ .

  • نام منبع :
    حکم لقمان
    المساعدون :
    غلامعلی، مهدی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95822
الصفحه من 200
طباعه  ارسل الي