255
الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي

من خلال اهتمامه بهذا الأمر . ۱
نورد هنا رواية واحدة في هذا المجال :
أبو بصير : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : ما معنى أجعل صلواتي كلّها لك ؟ فقال : يقدّمه بين يدي كُلّ حاجة ، فلا يسأل اللّه عز و جل شيئا حتّى يبدأ بالنّبي صلى الله عليه و آله ، فيصلّي عليه ، ثُمَّ يسأل اللّه حوائجه . ۲
يفهم من هذا المتن الأخير ومن عدّة أحاديث اُخرى إلى جانب هذا الحديث ، بأنّ المراد من الصلاة هنا معناها اللغوي ، وإلاّ فلا معنى لجعل الصلاة بمعناها الفقهي لشخص آخر على قيد الحياة ، وهذا التفسير ينسجم ويتماشى مع روايات عديدة تأمر بالصلاة على النَّبي صلى الله عليه و آله قبل طلب الحاجات وبعدها . ۳

ب ـ تقييد المطلق

كان المجلسي رحمه الله يعلم جيداً ـ بعدما جمع الروايات المتشابهة وذات الموضوع الواحد ـ كيف يوجد تناسباً بينها وبين ما في يده من الروايات الأولية ، فهو يعلم بأنّه لا يمكن العمل بالروايات المطلقة مع وجود روايات مُقَيِّدة ، وحتّى احتمال وجود الرواية المقيّدة يمنعه من الاحتجاج باطلاق الروايات . وهذا دأب كُلّ الفقهاء المحدّثين ، وكلّ المحدّثين الفقهاء ، وهو مستقىً من اُسلوب الجمع العرفي المتداول في المحاورات اليومية بين الناس .
ومن المؤسف أنّ هذا الاُسلوب العرفي الشائع الّذي كان مقبولاً عند الأئمّة عليهم السلام أيضاً يُنسى أحياناً ونتشبّث برواية مطلقة ، ونطبّق الكثير من مصاديقها غير الحقيقية وغير الصحيحة دون الالتفات إلى قيودها ؛ فنخلق بذلك مشاكل لأنفسنا وللمجتمع . وأحد الأمثلة على ذلك مفهوم الكف ء عند اختيار الزوج . فالبعض انتهج منهج الإفراط وأخذ

1.روضة المتّقين ، ج ۱۲ ، ص ۴۴.

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۹۲ ، ح ۴ .

3.اُنظر : الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۹۱ ـ ۴۹۶.


الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
254

أن يجعل عليه حلقة من الخطّ ، ليدلّ على الزيادة .

استنتاج المجلسي من القرائن اللفظية

لم يتوقّف عمل العلاّمة المجلسي رحمه الله في جمع الروايات المتشابهة عند حدَّ العثور على تلك الروايات ، فهو كان يقوم ـ بعد حصوله على الروايات ـ بعدّة اُمور . فكان أحياناً يستنير بها لإزالة إجمال اللغة الصياغة أو العامّة للأخبار ، وأحياناً يقيّد حكمها العام والمطلق ، أو يحل الأخبار المتعارضة استدلالياً وليس سنديّاً .
ونشرح فيما يلي جهوده في كلّ واحد من هذه الطُرق الثلاثة .

أ ـ تبيين المجمل

المجمل أمر نسبي ، والمتن الّذي يكون بالنسبة لنا مجملاً أحياناً ، لا يكون مجملاً بالنسبة إلى شخص آخر ، وفي أحيان اُخرى لا يكون مجملاً في عهد من الزمن ، ولكن هذا الأمر الواضح يغدو مجملاً في زمن آخر ، وفي حالة الإجمال نرجع إلى القائل ، وإذا لم يكن القائل موجوداً نستعين بكلامه المشابه وبقرائن اُخرى .
يشير المجلسي رحمه الله إلى هذا الطريق إشارة مباشرة ويقول : «والظاهر أنّ العبارات مجملة محتملة لاُمور والأخبار الآتية مفسّرة لها» ۱ . واستعان هو نفسه بهذه الطريقة لحل أخبار مثل «أجعلُ صلواتي لك ؟» . جاء رجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال : يا رسول اللّه إنّي أجعل لك ثلث صلواتي ، لا بل أجعل لك نصف صلواتي ، لا ، بل أجعلها كلّها لك ؟ فقال رسول اللّه : إذا تُكفى مؤونة الدنيا والآخرة ۲
. ولكن من حسن الحظ أنّ هناك أحاديث اُخرى نُقلت في هذا المجال ، وقد أوردها الكليني كلّها تقريباً في باب أفرده لها في كتاب الدعاء وهي توضّح مفهوم الرواية بكلّ جلاء . ونقل المجلسي رحمه الله روايات الكافي

1.روضة المتّقين ، ج ۸ ، ص ۹۶ ، والمراد : العبارات الحديثية المتعلّقة بالنكاح .

2.الكافي ، ج ۲ ، ص ۴۹۱ ، ح ۳ .

  • نام منبع :
    الأسس الحديثية و الرجالية عند العلامة الشيخ محمد تقي المجلسي
    المساعدون :
    جدیدی نجاد، محمدرضا ، المسعودی، عبدالهادی
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1385
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 93617
الصفحه من 296
طباعه  ارسل الي