217
مكاتيب الأئمّة ج4

إنّ اللّه جلَّ وعزَّ عيَّرَ أقواماً في القرآنِ بالإذاعَةِ ، فَقُلتُ لَه : جُعلِتُ فداكَ أينَ قالَ ؟ قال : قولُهُ : «وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ»۱ ثمّ قال : المُذيعُ عَلَينا سِرَّنا كالشّاهِرِ بِسَيفِهِ عَلَينا ، رَحِمَ اللّهُ عَبداً سَمِعَ بِمَكنونِ عِلمِنا فَدَفَنَهُ تَحتَ قَدَميهِ .
وَاللّهِ ، إنّي لَأعلَمُ بِشِرارِكُم مِنَ البَيطارِ بِالدَّوابِّ ، شِرارُكم الّذينَ لا يَقرؤونَ القُرآنَ إلاّ هُجراً وَلا يأتون الصّلاةَ إلاّ دُبراً ۲ وَلا يَحفَظونَ ألسِنَتَهُم .
اعلَم أنَّ الحسَنَ بنَ عَليٍّ عليهماالسلام لَمّا طُعِنَ وَاختَلَفَ النّاسُ عَلَيهِ ، سَلَّمَ الأمرَ لِمُعاوِيَةَ فَسَلَّمَت عَلَيهِ الشّيعَةُ : عَليكَ السَّلامُ يا مُذِلَّ المُؤمِنينَ .
فقالَ عليه السلام : ما أنا بِمُذلِّ المُؤمِنينَ ، وَلكنّي مُعِزُّ المُؤمِنينَ . إنّي لَمّا رَأيتُكُم لَيسَ بِكُم عَلَيهِم قُوَّةٌ سَلَّمتُ الأمرَ لِأبقى أنا وَأنتُم بَينَ أظهُرِهِم ، كما عابَ العالِمُ السَّفينَةَ لِتَبقى لأصحابِها ، وَكذلِكَ نَفسي وَأنتُم لِنَبقى بَينَهُم .
يا ابنَ النُّعمان ، إنّي لَأُحدِّثُ الرَّجُلَ مِنكُم بِحَديثٍ فَيَتَحدَّثُ بهِ عَنّي ، فَأستَحِلُّ بِذلِكَ لَعنَتَهُ وَالبَراءَةَ مِنهُ . فإنَّ أبي كانَ يَقولُ : وَأيُّ شَيءٍ أقرُّ لِلعَينِ مِنَ التَّقِيَّةِ ، إنَّ التَّقِيَّةَ جُنَّةُ المُؤمِنِ ، وَلَولا التَّقِيَّةَ ما عُبِدَ اللّهُ ، وَقالَ اللّهُ عز و جل : « لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَ لِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِى شَىْ ءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً »۳ .
يا ابنَ النُّعمانِ ، إيّاكَ وَالمِراءَ ، فَإنّهُ يُحبِطُ عَمَلَكَ .
وَإيّاكَ وَالجِدالَ ، فإنَّهُ يُوبِقُكَ .
وإيّاكَ وَكَثرَةَ الخُصوماتِ ، فإنَّها تُبعِدُكَ مِنَ اللّهِ .
ثُمَّ قالَ : إنَّ من كانَ قَبَلَكُم كانوا يَتَعلّمونَ الصّمتَ ، وَأنتُم تَتَعلّمونَ الكلامَ ، كان أحَدُهُم إذا أرادَ

1.النساء:۸۳.

2.الهجر - بالضم - : الهذيان والقبيح من الكلام . والدّبر ـ بضم فسكون أو بضمتين ـ من كلّ شيء : مؤخّره وعقبه .

3.آل عمران:۲۸.


مكاتيب الأئمّة ج4
216

ما استَطاعوا ، فَإنَّهُم لَن يَزالوا بِخَيرٍ ما فَعَلوا ذلِكَ ، وَإن كان دينٌ يُدانُ بِهِ . وعَهِدَ إن حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ وَلَم يُغَيِّر عَهدَهُ هذا وَهُوَ أولى بِتَغييرِهِ ما أبقاهُ اللّهُ ، لِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا وَكَذا ، وَلِفُلانٍ كَذا ، وَفُلانٌ حُرٌّ ، وَجَعَلَ عَهدَهُ إلى فُلانٍ ۱ . الحديث ۲

70

وصيّته عليه السلام لأبي جعفر محمّد بن النّعمان

الحثّ على مكارم الأخلاق والتّحذير من رذائلها

۰.وصيّته عليه السلام لأبيجعفر محمّد بن النّعمان الأحول۳:قال أبو جعفر :قال لي الصّادق عليه السلام :

1.وسيأتي تمام الحديث في مكاتيب الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام إن شاء اللّه .

2.الكافي:ج ۷ ص ۵۳ ح۸ .

3.أبو جعفر محمّد بن عليّ بن النّعمان هو أبو جعفر محمّد بن عليّ بن النّعمان الكوفيّ ، المعروف عندنا بصاحب الطّاق ، ومؤمن الطّاق ، والمخالفون يلقّبونه شيطان الطّاق ، كان صيرفيّاً في طاق المحامل بالكوفة ، يرجع إليه في النّقد فيخرج كما ينقد فيقال : شيطان الطّاق ، وهو من أصحاب الصّادق والكاظم عليهماالسلام ، كان رحمه اللّه ثقة ، متكلّماً، حاذقاً ، كثير العلم ، حسن الخاطر ، حاضر الجواب . حكي عن أبي خالد الكابليّ أنّه قال : رأيت أبا جعفر صاحب الطّاق وهو قاعد في الرّوضة ، قد قطّع أهل المدينة إزاره وهو دائب يجيبهم ويسألونه ، فدنوت منه وقلت : إنّ أبا عبد اللّه عليه السلام نهانا عن الكلام . فقال : وأمرك أن تقول لي ، فقلت : لا واللّه ، ولكنّه أمرني أن لا أكلّم أحداً قال : فاذهب وأطعه فيما أمرك . فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام فأخبرته بقصّة صاحب الطّاق ، وما قلت له ، وقوله : اذهب وأطعه فيما أمرك . فتبسّم أبو عبد اللّه عليه السلام وقال : يا أبا خالد ، إنّ صاحب الطّاق يكلّم النّاس فيطير وينقض ، وأنت إن قصّوك لن تطير ، انتهى . وله مع أبي حنيفة حكايات نقلها المؤرّخون وأهل السّير فمنها أنّه لمّا مات الصّادق عليه السلام رأى أبو حنيفة مؤمن الطّاق فقال له : مات إمامك . قال : نعم ، أمّا إمامك فمن المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم . وله كتب منها كتاب الإمامة وكتاب المعرفة وكتاب الرّدّ على المعتزلة في إمامة المفضول وكتاب في إثبات الوصيّة وغير ذلك . (راجع : رجال الكشّي : ج ۲ ص ۴۲۲ ، الفهرست للطّوسي : ص ۲۰۷ الرّقم ۵۹۴) . وما قيل : إنّ الطّاق حصن بطبرستان وبه سكن محمّد بن النّعمان المعروف سهو ، ولعلّ أصله منها ، والاّ فإنّه كان رحمه اللهيسكن الكوفة كما يظهر من محاوراته مع أبي حنيفة وأمثاله .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج4
    المساعدون :
    الفرجی، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1384 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 88999
الصفحه من 530
طباعه  ارسل الي