ويستعرف حجّتنا ، حتّى استفرغنا ۱ ما عندنا وظنّنا إنّا قد قطعناه أدحض حجّتنا بكلام يسير، وخطاب قصير ، يلزمنا به الحجّة ، ويقطع العذر ، ولا نستطيع لجوابه ردّاً ، فإن كنت من أصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.
[ سببُ إملاء كتاب المفضّل ]
قال المفضّل: فخرجت من المسجد محزوناً مفكّراً فيما بلى به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، فدخلتُ على مولاي صلوات اللّه عليه ، فرأني منكسراً فقال: ما لك؟
فأخبرته بما سمعت من الدّهريّين ، وبما رددت عليهما . فقال :
لَأُلقِيَنَّ إليك مِن حِكمَةِ الباري جَلَّ وعلا وتَقَدَّسَ اسمُهُ في خَلقِ العالَمِ والسِّباعِ وَالبَهائِمِ وَالطَّيرِ والهَوامِّ وَكُلِّ ذي روحٍ مِنَ الأنعامِ وَالنَّباتِ والشَّجَرَةِ المُثمِرَةِ وَغَيرِ ذاتِ الثَّمَرِ وَالحُبوبِ وَالبُقولِ المأكولِ من ذلِكَ وَغَيرِ المَأكولِ ما يَعتَبِرَ بِهِ المُعتَبرون ، وَيَسكُنُ إلى مَعرِفَتِهِ المُونونَ ، وَيَتَحيَّرُ فيهِ المُلحدونَ فَبَكِّر عَلَيَّ غداً .
قال المفضّل : فانصرفت من عنده فرحاً مسروراً ، وطالت عليّ تلك اللّيلة انتظاراً لما وعدني به ، فلمّا أصبحت غدوتُ فاستون لي فدخلت وقمت بين يديه ، فأمرني بالجلوس فجلست ، ثمّ نهض إلى حجرة كان يخلو فيها فنهضت بنهوضه فقال : اتبعني.
فتبعته فدخل ودخلت خلفه ، فجلس وجلست بين يديه فقال:
يا مُفضَّلُ ، كأنّي بِكَ وَقَد طالَت عَلَيكَ هذهِ اللّيلَةَ انتِظاراً لِما وَعَدتُكَ ؟
فقلتُ : أجل يا مولاي. فقال:
يا مُفَضَّلُ ، إنَّ اللّهَ كانَ ولا شيءَ قَبلَهُ ، وَهُوَ باقٍ ولا نِهايَةَ لَهُ ، فله الحمد على ما ألهمنا، وله الشّكر على ما منحنا ، وَقَد خَصَّنا مِنَ العُلومِ بِأعلاها ، ومِنَ المَعالي بِأسناها ، واصطفانا على جَميع الخَلقِ