147
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
146

د - حبّ الدنيا

يُعدّ حبّ الدنيا من أهمّ وأخطر جذور الكذب في مجال الخطابة الحسينيّة ، فقد جاء في حديث عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله :
حُبُّ الدُّنيا رَأسُ كُلِّ خَطيئَةٍ ، ومِفتاحُ كُلِّ سَيِّئَةٍ ، وسَبَبُ إحباطِ كُلِّ حَسَنَةٍ . ۱
الجدير بالذكر هو أنّ أنواع الدوافع غير الإلهية في الخطابة ، (سواء كانت هي الحصول على الدخل المادّي أو تحقيق الشهرة والشعبية أو غير ذلك) ، هي من حبّ الدنيا ، وما لم يُعالَج هذا المرض الخطير وما لم يحصل الإخلاص للخطباء الحسينيّين ، فإنّ جميع المساعي لإصلاح هذا المرض سوف تكون عقيمة ولا تجدي نفعاً .

6. البدعة في كيفية إقامة شعائر العزاء

إنّ الآفات التي ذكرناها حتّى الآن كانت تهدّد مضامين مجالس العزاء على سيّد الشهداء، وهناك عددٌ من الآفات ذات علاقة بشكل العزاء وكيفيّته .
وكما هو معلومٌ فإنّ العبادات من الناحية الفقهية - سواء الواجبة أو المستحبّة - توقيفيةٌ ؛ بمعنى أنّ أصل العبادة وكيفيتها يجب أن يتمّ إثباتهما بواسطة الأدلّة الشرعية، وإلّا فإنّ العمل الذي يؤدّى‏ باعتباره عبادة دون دليل شرعيّ يعدّ بدعةً ، وليس مَنهيّاً عنه فحسب، بل هو محرّمٌ أيضاً .
وإنّ استحباب إقامة العزاء على سيّد الشهداء ثابتٌ وفق الأدلّة الأكيدة والمُسلّم بها، ونظراً إلى آثارها وبركاتها الفردية والاجتماعية فإنّها تعتبر من أفضل العبادات . وأمّا فيما يتعلّق بكيفية أداء هذه العبادة، فإنّ المعيار هو كونها من مراسم العزاء التي كانت متداولة في عصر صدور الروايات المتعلّقة بشعائر إقامة العزاء ، بل يمكن القول إنّ إطلاق هذه الروايات يشمل أنواع شعائر العزاء المتداولة في العصور المختلفة أيضاً، شريطة أن يصدُق على ما هو شائع منها إقامة العزاء، وأن لا يؤدّي إلى الاستهانة بمذهب أهل البيت ، وأن لا يقترن بعمل محرّم .
وبناءً على ذلك، فإنّ ما أصبح رائجاً في عدد من مجالس العزاء بالتدريج ، مثل: استخدام الآلات الموسيقية والألحان المطربة، وتشبّه الرجال بالنساء، وكذلك ضرب الرؤوس بالقامات (السيوف)، كلّ ذلك يُعدّ بدعةً في إقامة شعائر العزاء. وخاصّة ضرب الرؤوس بالقامات ، حيث أدّى‏ في عصرنا الحاضر إلى استغلاله في الإعلام المضادّ لمذهب ومدرسة أهل البيت عليهم السلام والاستهانة بها ، يقول سماحة قائد الثورة آية اللَّه السيّد الخامنئي في هذا المجال :
إنّ (ضرب الرؤوس) بالقامات هو من المحرّمات ... ولا يمكن السكوت إزاء هذا العمل الخاطئ المتمثّل في أن يعمد البعض إلى حمل القامات ليضربوا بها رؤوسهم ويريقوا الدماء ، فأيّ شي‏ء في هذه الممارسة عزاء؟! نعم ضرب الرؤوس بالأيدي هو من العزاء، ولهذا تلاحظون الذين تحلّ بهم مصيبة ما، يضربون رؤوسهم وصدورهم بأيديهم. وهذا السلوك هو من علامات العزاء، ولكن أين رأيتم حتّى الآن شخصاً يضرب بالسيف على رأسه بسبب فقده أعزّ الأشخاص عليه؟ أين العزاء في هذه الممارسة؟!
إنّ ضرب الرؤوس بالقامات هو تقليد منتحل ومن الاُمور التي لا علاقة لها بالدين، ولا شكّ في أنّ اللَّه لا يرتضي القيام بمثل هذه الممارسات ، ولقد كان علماء السلف مكتوفي الأيدي، ولم يكن بإمكانهم أن يقولوا إنّ هذا العمل خاطئ ومخالف للإسلام، ولكنّ اليوم يوم حكومة الإسلام ويوم تجسّد الإسلام. وعلينا أن لا نقوم بعمل يؤدّي إلى تشويه صورة أفراد المجتمع الإسلامي الأفضل - أي المجتمع المحبّ لأهل البيت عليهم السلام الذي يفتخر باسم ولي العصر أرواحنا له الفداء وباسم الحسين بن عليّ عليهما السلام وباسم أمير المؤمنين عليه السلام - وطرحهم باعتبارهم مجموعة من الخرافيين العديمي المنطق في نظر المسلمين وغير المسلمين في العالم... إنّ هذا بدعة دون شكّ‏
. ۲وكلمتنا الأخيرة في هذا المجال هي أنّ ثقافة عاشوراء إن قُدّمت للعالم كما هي ودون تحريف، فإنّها تتمتّع بقدرة إعجازيّة من شأنها أن تُنهي نظام الهيمنة والاستكبار في العالم، وبذلك فإنّ الاُمّة الإسلاميّة سوف لا تكون هي المتحرّر الوحيد من ظلم الطغاة ومصّاصي الدماء في العالم ، بل سيتحرّر جميع المستضعفين، كما قال قائد الثورة الإسلامية آية اللَّه الخامنئي :
إنّ الحسين بن عليّ عليه السلام بإمكانه اليوم أن يُنقذ العالم بشرط أن لا تُشوّه صورته بواسطة التحريف‏ . ۳
وأنا لا أنسى أبداً تلك الليلة التي دعا فيها قائد الثورة الإسلاميّة خلال عهد رئاسته للجمهورية، أوّلَ قائد لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي إلى منزله، وكان يحضر هذا الاجتماع عددٌ من العلماء والمسؤولين في البلاد، فسأل أحد الحاضرين الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي: إلى أيّ مدى أنت واثق من نجاحك في طريقك؟ ورغم أنّه كان من أتباع المذهب السنّي، إلّا أنّه قدّم جواباً حيّر الجميع وأدهشهم ، فقد قال :
نحن لا نُفكّر في هذا الموضوع أساساً! ولكنّنا نرى نجاحنا وانتصارنا في اختيار طريق الحسين بن عليّ عليه السلام ، وهدفنا هو أداء الواجب الإلهي!
وعلى أيّ حال ، فإنّ جميع الأتباع الحقيقيّين لأهل البيت والمحبّين الواعين لسيّد الشهداء مسؤولون عن الحفاظ على ثقافة عاشوراء الأصيلة أمام مؤامرات الأعداء العامدين وتحريف الأصدقاء غير العامدين ، ولكن لا شكّ في أنّ مسؤولية مراجع التقليد، والمثقّفين، وعلماء الدين الواعين، والخطباء، والكتّاب ، والخطباء الملتزمين، أكبر وأعظم : (ثُمَّ لَتُسَْلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) . ۴

1.إرشاد القلوب: ص ۲۱ وراجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنّة : ص ۲۱۰ ح‏۵۷۸ .

2.كلمة سماحة آية اللَّه الخامنئي أمام مجموعة من رجال الدين من محافظة «كهكيلوية وبوير أحمد» على أعتاب شهر محرّم الحرام سنة ۱۴۱۵ق (۱۷ / ۳ / ۱۳۷۳ ه .ش ).

3.كلمة سماحته في لقائه مع العلماء والوعّاظ على أعتاب شهر محرّم سنة ۱۴۱۶ ق (۳ / ۳ / ۱۳۷۴ ه . ش) .

4.التكاثر: ۸ .

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 284635
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي