189
الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام

المرحلة السابعة (مراسم العزاء بعد الصفويين)

اتّجهت الدولة الصفوية إلى الضعف والانحطاط بعد قرنين ولم تستمرّ أمام هجوم الأفاغنة ، فسقطت . ولم تُجدِ الجهود المحدودة للشاه طهماسب الثاني نفعاً؛ ولكن نادراً سيطر على الأوضاع على إثر هجومه الصاعق ، واستعاد المناطق المحتلّة من الأفغان والدولة العثمانيّة واستردّ السيادة لإيران.
وقد عمل نادر منذ بداية حكمه إلى تغيير الثقافة الدينيّة الشائعة في إيران ، بدافع أو بذريعة تحقيق الوحدة والسلام ، ومنع عن بعض الاُمور ومن جملتها مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام، وذكرها على شكل عبارة في ميثاق بيان «مُغان» . ۱ ويروي لنا الميرزا محمّد خليل المرعشي الصفوي مساعي نادر من أجل محو جميع الشعائر الشيعيّة . ۲
ولم يدم حكم نادر طويلاً وتولّت الحكم من بعده دول اُخرى ذات ميول شيعيّة (مثل الزندية والقاجاريين) وإذا بالشعائر الشيعيّة تحيى مرّة اُخرى وتستمرّ شعائر العزاء.
وبعد تولّي «القاجاريين» للسلطة، اتّسعت شعائر العزاء في محرّم كمّاً وكيفاً ، وبلغت أساليب العزاء الذروة ، وسعى رجال الحكم أيضاً في نشرها، بل إنّهم أسّسوا التكايا والمواكب الحكوميّة . وانتشر العزاء في العراق والهند بالإضافة إلى إيران ، وكان الشيعة في مناطق العالم الإسلامي المختلفة يمارسون العزاء. ولكن حدث في إيران اُفول بعد ذلك الازدهار ، وبدأت محاربة المظاهر الدينيّة بنفوذ الاستعمار البريطاني ، ومجي‏ء طاغية مستهتر وعديم الهويّة هو «رضاخان» على رأس الحكم، فمنع العزاء منعاً باتّاً ، وقد عادت مراسم العزاء إلى حالتها العاديّة بعد خروجه من إيران، لتزدهر كما كانت في القرون الماضية.
وفي العراق واجهت مراسم العزاء المشاكل في عهد حكم صدّام وتسلّط حزب البعث، وخاصّة في السنوات الأخيرة من حكمه.
لقد كان ما ذكرناه حتّى الآن، نظرة عابرة وسريعة إلى المسيرة التاريخيّة لشعائر العزاء على الإمام الحسين عليه السلام على مرّ التاريخ. ولم نتحدّث عن دور محرّم وعاشوراء ومراسم العزاء في عهد الثورة الإسلاميّة وأثرها العجيب في نهضة الاُمّة وانتصارها، فكلّ ذلك يمثّل حدثاً كبيراً يستحقّ الاهتمام ، ولا يتّسع المجال هنا للحديث عنه.

1.عالم آراي نادري (بالفارسية) لمحمّد كاظم مروي وزير مرو: ج ۳ ص ۹۸۲ و ۹۸۳.

2.مجمع التواريخ لميرزا محمّد خليل مرعشي صفوي: ص ۸۴.


الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
188

المرحلة السادسة (مراسم العزاء أيّام الصفويين «القرنين العاشر والحادي عشر»)

اكتسب التشيّع في إيران الطابع الرسمي بتتويج الشاه إسماعيل الصفوي سنة 907 ه . ق ، وكان نشر الشعائر الشيعيّة من جملة الأهداف المهمّة لهذه الدولة .
وفي هذه الفترة، اكتسب إقامة العزاء الطابع العلني ، ومارس الشيعة هذه الشعائر في غاية الفخامة، نظير ما كان في القرنين الرابع والخامس (عهد البويهيين والفاطميين). وقد ذكرت كيفية هذه المراسم في العهد الصفويّ ، في مصادر كثيرة، من جملتها كتب ورحلات الاُوروبيّين والسوّاح في إيران، حيث وصفت شعائر العزاء برؤية دقيقة .
وكان الملوك الصفويّون يهتمّون بشكل خاصّ بمراسم العزاء في محرّم ، حتّى أنّهم لم يكونوا يدَعونها حتّى في الدورات العسكريّة. فيذكر لنا التاريخ أنّ الشاه عبّاس الصفوي توقّف سنة 1011 ه . ق في يوم عاشوراء عند «ماء خطب»، وذلك خلال حربه مع جيش الأوزبك، وأقام مراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام . ۱ وفي محرّم عام 1013 ه . ق حاصر الشاه عبّاس قلعة أيروان وأقام مراسم العزاء في المعسكر ليلاً، وارتفعت أصوات العويل والبكاء من المعسكر ، حتّى ظنّ سكان القلعة أنّ الأمر قد صدر بالهجوم الليلي، فبعثوا رسولاً وأعلنوا عن تسليم أنفسهم . ۲
وفي بلاط الصفويّين كان يُقرأ كتاب روضة الشهداء في أيّام محرّم وعاشوراء . ۳وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان ملوك هذه الاُسرة يحضرون المراسم العامّة ليوم عاشوراء في ساحة المدينة ، وكانت مواكب العزاء تمرّ من أمامهم. وكانوا يرتدون لباس العزاء . ۴ وكانوا يوقفون بعض الأملاك لإقامة مراسم العزاء أيضاً.

1.تاريخ عالم آراي عباسي (بالفارسية): ج ۲ ص ۶۲۷.

2.تاريخ عالم آراي عباسي (بالفارسية): ج ۲ ص ۶۵۵.

3.دستور شهرياران (بالفارسية) لمحمّد إبراهيم بن زين العابدين نصيري : ص ۳۳.

4.تاريخ وجنبه أدبي تعزيه «بالفارسية» : ص ۲۴ نقلاً عن رحلة نيكلاس هميوس . السفر في سنة ۱۶۳۳ م.

  • نام منبع :
    الصّحیح من مقتل سیّد الشّهداء و أصحابه علیهم السّلام
عدد المشاهدين : 284676
الصفحه من 850
طباعه  ارسل الي