أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن نجار، أبو منذر الاَنصاري النجاريّ المدنيّ، المقرىَ البدري، يكنّى أبا الطفيل.

شهد العقبة وبدراً، وجمع القرآن في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعرض عليه وحفظ عنه علماً.

روي عن أنس انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا َُبي بن كعب: إنّاللّه أمرني أن اقرأ عليك القرآن، وفي لفظ: أمرني أن اقرئك القرآن.

قال: اللّه سماني لك؟ قال: نعم، قال: وذُكرت عند ربّالعالمين؟ قال: نعم، فذرفت عيناه.

روى عنه: عبادة بن الصامت، و ابن عباس، وعبد اللّه بن خباب، و ابنه الطفيل ابن أُبي.

وكان أُبي يكتب في الجاهلية قبل الاِسلام، و كانت الكتابة في العرب نادرة، وكان يكتب في الاِسلام الوحي لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعهده إذا عاهد، وصلحه إذا صالح، ولاَُبي في الكتب الستة نيف و ستون حديثاً، وله في مسند «بَقيّ بن مَـخْلَد» مائة و أربعة وستون حديثاً منها في البخاري ومسلم ثلاثة أحاديث، وانفرد البخاري بثلاثة، ومسلم بسبعة.

وقد اختلفوا في تاريخ وفاته، فمن قائل بأنّه تُوفّي في خلافة عمر بن الخطاب عام ۲۲ هـ، ولما نُعي إلى عمر، قال: اليوم مات سيد المسلمين.

ومنهم من يقول: إنّه مات في خلافة عثمان سنة ۳۰هـ، ويرجحه ابن حجر، ويقول: هو أثبت الاَقاويل ،ويوَيده ما دار بينه و بين عثمان من الحوار في قوله سبحانه: (وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونها فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرهُمْ بِعَذابٍ أَليم) (التوبة/۳۴) وكان عثمان يقرأه بلا واو «الذين» خلافاً لاَبي فكان يقرأه «والذين» فطال الحوار بينهما، فقال أُبي غاضباً: لتلحقنّها أو لاَضعنّ سيفي على عاتقي، وهو يريد بأنّه لابدّ من أن تعود الواو عاطفة إلى مكانها أو ليتوصل إلى ذلك بالقوة(۱).(۲)

و بلغت أحاديثه في المسند الجامع ۹۲ حديثاً.(۳)

ولنذكر من روائع رواياته شيئاً ثمّ نردفها بما لا يصحّ عزوه إليه.

روائع أحاديثه

۱. أخرج عبد اللّه بن أحمد، عن ابن أبي الجوزاء ،عن أُبي بن كعب، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نَفَساً يفرغ الآكل من طعامه في مَهَل، ويقضي المتوضىَ حاجته في مهل.(۴)

۲. أخرج ابن ماجة، عن أبي بصير، عن أُبي بن كعب: قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعاً وعشرين، أو خمساً وعشرين درجة.(۵)

۳. أخرج أحمد في مسنده، عن الحسن، انّ عمر أراد أن ينهى عن متعة الحجّ، فقال له أُبي: ليس ذلك لك، قد تمتعنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينهنا عن ذلك، فاضرب عن ذلك عمر ، و أراد أن ينهى عن حلل الحبرة لانّها تصبغ بالبول، فقال له أُبي: ليس ذلك لك قد لبسهنَّ النبي ولبسناهنَّ في عهده.(۶)

۴. أخرج ابن ماجة، عن أبي رافع، عن أُبي بن كعب، انّ النبيكان يعتكف العشر الاَواخر من رمضان، فسافر عاماً، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين يوماً.(۷)

۵. أخرج البخاري في صحيحه عن سويد بن غفلة، قال: لقيت أُبي بن كعب... فقال: وجدت صرّة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها مائة دينار، فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال: عرِّفها حولاً.

فعرَّفتها حولاً فلم أجد من يعرفها، ثمّ أتيته، فقال:عرِّفها حولاً، فعرَّفتها فلم أجد، ثمّ أتيته ثلاثاً، فقال: احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلاّ فاستمتع بها ،فاستمتعت.

قال شعبة: فلقيته يعني سلمة بن كهيل بعد بمكة، فقال: لا أدري ثلاثة أحوال أو حولاً واحداً.(۸)

وقد اتّفق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) على أنّه يكفي تعريفها حولاً واحداً، ولعلّ أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتعريف ثلاثة أحوال للتأكد أو لكون اللقطة ذات قيمة مالية لا يستهان بها.

وإليك بعض رواياته السقيمة التي عزيت إليه:

أحاديثه السقيمة

۱. طلوع الشمس بيضاء لا شعاع لها

أخرج مسلم في صحيحه، عن زرّ بن حبيش، قال: سمعت أُبي بن كعب، يقول: وقيل له: إنّ عبد اللّه بن مسعود، يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، فقال أُبي: واللّه الذي لا إله إلاّ هو انّها لفي رمضان، و واللّه انّي لاَعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا بها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بقيامها، هي ليلة صبيحة ۲۷، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.(۹)

أقول: ثمّة اشكالان على الحديث:

الاَوّل: انّ من جرّب طلوع الشمس في صبيحة يوم السابع والعشرين من رمضان يرى انّـها لا تختلف عن طلوعها في صبيحة اليوم السابق واللاحق، وما ذكره ليس له واقع ملموس.

الثاني: جرت سنة اللّه تبارك وتعالى على كون الشمس ذات أشعة مستنيرة تبثها في الكون و يصل إلى الاَرض مقدار ضئيل جداً منها.

وأمّا روَيتها بلا شعاع، فهي تابعة للاَوضاع الجوية، فإذا كان الجو صحواً تُرى الشمس وهي ترسل بأشعتها، بخلاف ما إذا كان ملبداً لا سيما أوان الطلوع فتراها قرصاً محمّراً.

۲. جزاء من تعزّى بالجاهلية

أخرج أحمد في مسنده، عن أبي عثمان، عن أُبي بن كعب: انّ رجلاً اعتزى، فأعضَّه أُبىُُّّ بهن أبيه، فقالوا: ما كنت فحّاشاً، قال: إنّا أمرنا بذلك.(۱۰)

وأخرج أيضاً عن عُتيِّ بن ضمرة، عن أُبيّ بن كعب، قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، يقول: من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه ولا تكنّوا.(۱۱)

أقول: إنّ غاية ما كان يجب على أُبي بن كعب أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر على النحو الذي أمر الكتاب به ، قال سبحانه: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) (النحل/۱۲۵) لا ما جاء في الرواية من مقابلة المنكر بمنكر أبشع منه.

ناهيك عمّـا روي من انّ سباب الموَمن فسوق.(۱۲)

وما روى عن أُسامة بن زيد حيث قال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إنّ اللّه لا يحب كلّفاحش متفحش.(۱۳)

۳. آيتان كانتا عند أُبي بن كعب فقط

أخرج أحمد في مسنده ، عن أبي العالية، عن أُبي بن كعب، انّهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر، فكان رجال يكتبون و يملي عليهم أُبي بن كعب، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة براءة (ثُمَّ انصَـرفوا صَـرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأنّهُم قَومٌ لا يَفقَهون) فظنوا أنّ هذا آخر ما أنزل من القرآن.

فقال لهم أُبي بن كعب: إنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أقرأني بعدها آيتين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُوَْمِنينَ رَوَُوفٌ رَحِيم) إلى (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الَعَظِيم) .

ثمّ قال: هذا آخر ما أُنزل من القرآن.(۱۴)

ونعلق على الحديث بالقول:

أوّلاً: قد ثبت فيما سبق انّ القرآن جمع على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فكيف ينسب الجمع إلى عهد الخلافة، فهذه الرواية تعارض ما تضافر من أنّ القرآن جمع على عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثانياً: انّ معنى الرواية انّ بعض آيات الذكر الحكيم وصلت إلينا عن طريق الآحاد وهو أُبي بن كعب، فلولاه لم يكن لها أثر.

ثالثاً: ما ذكره يعارض ما روي عن زيد بن ثابت.

أخرج البخاري: انّ أبا بكر قال لزيد: أنت رجل شاب عاقل لانتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فتتبع القرآن وأجمعه ـ إلى أن قال: قال زيد: فكنت أتتبع القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الاَنصاري لم أجدها مع أحد غيره (لقد جاءَكُمْ رَسُولٌ من أَنفسِكُمْ عزيز عَليهِ ما عنتّم) حتى خاتمة براءة....(۱۵)

۴. نسيان ما نزل في أحد من الآية

أخرج أحمد في «مسنده»، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب أنّه أُصيب يوم أُحد من الاَنصار أربعة وستون وأُصيب من المهاجرين ستة، فمثلوا بقتلاهم.

فقالت الاَنصار: لئن أصبنا منهم يوماً من الدهر لنربينَّ(۱۶)عليهم. فلما كان يوم فتح مكة نادى رجل من القوم لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، فأنزل اللّه على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وإنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ وَلئِن صَـبَرتُمْ لَهُوَ خَيْـرٌ للصّابِرين) .

فقال نبي اللّه: كفّوا عن القوم(۱۷)

وفي رواية السيوطي: فقال رسول اللّه: نصبر ولا نعاقب، كفوا عن القوم إلاّ أربعة(۱۸).

نعلق على الحديث، و نقول:

إنّ المفسرين اتّفقوا ـ تبعاً للروايات ـ على أنّ قوله سبحانه: (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا...) نزل في أُحد. حيث إنّ المشركين مثلوا بحمزة وأراد المسلمون أن يمثلوا بسبعين من الكافرين إذا استولوا عليهم في قبال حمزة فنزلت الآية(۱۹)

وقد تلاها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمعها الصحابة و مع ذلك كيف يقول القائل يوم فتح مكة: لا قريش بعد اليوم، أو ليس ذلك اجتهاداً في مقابل النص؟

ولو افترضنا انّ القائل لم يسمع كلام اللّه سبحانه ـ و إن كان الاحتمال بعيداً جداً ـ فكيف يصحّ لرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد نزول الآية ثانياً في مكة المكرمة أن يقول: نصبر ولا نعاقب أو كفّوا عن القوم؟ أو ليس معنى ذلك انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان موافقاً لنداء المنادي ولكنّه عدل عن رأيه بعد نزول الآية؟ ومعنى ذلك انّ النبي نسي مضمون الآية وصمم على استئصال شأفة قريش حتى عدل عن رأيه بعد نزول الآية مرة أُخرى، وقال: نصبر ولا نعاقب وكأنّه لولا نزول الآية لما صبر و عاقب ولما كفّ عنهم.

والرواية على افتراض الصحة نقلت مضطربة خصوصاً بالنظر إلى سائر صورها.

۵. أوّل من يصافحه الحق عمر

أخرج ابن ماجة في سننه، عن سعيد بن المسيب، عن أُبي بن كعب، قال:

قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أوّل من يصافحه الحقُّ عمر، وأوّل من يسلّم عليه، وأوّل من يأخذ بيده فيدخله الجنّة.(۲۰)

الحديث ظاهر انّ اللّه سبحانه أوّل من يصافح عمر بن الخطاب وهو يلازم كونه سبحانه ذا يد يصافح بها غيره، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

وإن كان الحديث كناية عن نزول الرحمة عليه قبل كلّ أحد ففي الاَُمّة من هو أفضل منه باتّفاق الفريقين فكيف يقدّم المفضول على الفاضل؟!

۱. الدر المنثور، في تفسير الآية.

۲. أُسد الغابة: ۱/۴۹؛ الطبقات الكبرى: ۳/۴۹۸؛ سير اعلام النبلاء: ۱/۳۸۹ برقم ۸۲.

۳. المسند الجامع: ۱/۱۷ برقم ۳.

۴. مسند أحمد: ۵/۱۴۳.

۵. سنن ابن ماجة: ۱/۲۵۹ برقم ۷۹۰.

۶. مسند أحمد: ۵/۱۴۳.

۷. سنن ابن ماجة: ۱/۵۶۲ برقم ۱۷۷۰.

۸. صحيح البخاري: ۳/۱۲۶، كتاب اللقطة، الحديث الاَوّل؛ صحيح مسلم: ۵/۱۳۶، كتاب اللقطة.

۹. صحيح مسلم: ۲/۱۷۸، باب الترغيب في قيام رمضان.

۱۰. مسند أحمد: ۵/۱۳۳.

۱۱. مسند أحمد: ۵/۱۳۶.

۱۲. صحيح مسلم:۱/۵۸، باب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .

۱۳. مسند أحمد: ۵/۲۰۲.

۱۴. مسند أحمد: ۵/۱۳۴ والآيات ۱۲۷ ـ ۱۲۹ من سورة التوبة .

۱۵. صحيح البخاري: ۶/۱۸۳، باب جمع القرآن.

۱۶. لنربين: لنزيدن في التمثيل بقتلاهم.

۱۷. مسند أحمد: ۵/۱۳۵، سنن الترمذي: ۵/۲۹۹ برقم ۳۱۲۹، والآية ۱۲۶ من سورة النحل.

۱۸. السيوطي: الدر المنثور: ۵/۱۷۹.

۱۹. الدر المنثور: ۵/۱۷۹.

۲۰. سنن ابن ماجة: ۲/۳۹ برقم ۱۰۴، قال في الزوائد: اسناده ضعيف فيه داود بن عطاء المديني وقد اتّفقوا على ضعفه وباقي رجاله ثقات،وقال السيوطي: قال الحافظ عماد الدين بن كثير في جامع المسانيد، هذا الحديث منكر جداً، وما هو أبعد من أن يكون موضوعاً.