بريدة بن الحصيب بن عبد اللّه بن الحارث بن عامر الاَسلمي، يُكنّى أبا حصيب، و«أسلم» فيمن انخزع من بطون خزاعة، قيل: لما هاجر رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكّة إلى المدينة فانتهى إلى الغميم أتاه بريدة بن الحصيب فدعاه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الاِسلام فأسلم هو ومن معه، و كانوا زهاء ثمانين بيتاً، فصلّى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) العشاء الآخرة فصلّوا خلفه. وأقام بأرض قومه ثمّ قدم على رسول اللّهبعد أُحد فشهد معه مشاهده، وشهد الحديبية، وبيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان من ساكني المدينة ثمّتحوّل إلى البصرة وابتنى بها داراً، ثمّ خرج منها غازياً إلى خراسان فأقام بمرو حتى مات و دفن بها وبقي ولده بها.(۱)

روى عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول اللّه عليّاً إلى خالد بن الوليد ليقسِّم الخمس، وقال روح مرّة ليقبض الخمس، قال: وأصبح علي ورأسه يقطر، قال: فقال خالد لبريدة: ألا ترى إلى ما يصنع هذا ؟قال: فلما رجعتُ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرته بما صنع عليّ (عليه السلام) ، قال: و كنت أبغض عليّاً، فقال يا بريدة: أتبغض عليّاً ؟ قال: قلت: نعم، قال: فلا تبغضه، وقال «روح » مرّة: فأحبه فانّ له في الخمس أكثر من ذلك. أخرجه الثلاثة.(۲)

أقول: لو صحّ الحديث فقد استأثر عليّ (عليه السلام) بما استأثره من باب انّ خمس الغنائم للّه سبحانه وللرسول ولذي القربى وعلي (عليه السلام) منهم، فلم يكن استئثاراً بمال المسلمين، فأعظم ذنب اقترفه«بريدة»، هو بغضه لصدّيق الاَُمة وأوّل من آمن باللّه ورسوله في الاَُمّة وجاهد بنفسه ونفيسه إلى أن لقي اللّه سبحانه وتعالى في محراب عبادته.

هذا هو الذنب العظيم الذي اقترفه بريدة، لا ما ينقله الذهبي عنه، حيث قال: شهدت خيبر و كنت فيمن صعد الثلمة فقاتلت حتى رُئي مكاني وعليَّ ثوب أحمر، فما أعلم انّي ركبت في الاِسلام ذنباً أعظم عليَّ منه ـ أي الشهرة ـ.(۳)

إنّ ما يحكيه الرجل عن مكانه في خيبر لا يعدُّ ذنباً إذا كانت النيّة صادقة، وأمّا إذا كانت النيّة غير صادقة فلا يترتب عليها ثواب لا انّه يعدّذنباً، وهذا يكشف عن قلّة فهمه للدين آنذاك.

وعلى أية حال فقد توفي بريدة سنة ۶۲ أو ۶۳ هـ ، و روي لبريدة نحواً من ۱۵۰ حديثاً.(۴)

وقد جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت مائة حديث(۵).وله روايات يحكي سمّوها عن صحّة نسبتها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وله روايات شاذة عن القواعد الصحيحة، وإليك نزراً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه:

۱. أخرج ابن ماجة في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : العهد الّذي بيننا و بينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر.(۶)

الظاهر انّالضمير في «بينهم» يرجع إلى العباد بقرينة رواية جابر بن عبد اللّه الاَنصاري، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :بين العبد و بين الكفر ترك الصلاة، وروى أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، قال: ليس بين العبد والشرك إلاّ ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك.(۷)

ثمّ لو كان ترك الصلاة دليلاً على إنكار وجوبها، فالتارك كافر كفرَ جحود، وأمّا لو كان التركُ، تركَ تساهل وتسامح، فالكفر كفر النعمة، مثل قوله سبحانه: (وَللّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاًوَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين) (آل عمران/۹۷). فقد فُسِّر الكفر فيها بكفر النعمة بترك الحج تساهلاً، لا عناداً وإنكاراً.

۲. أخرج أبو داود في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: خطبنا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل الحسن والحسين رضي اللّه عنهما ، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل فأخذهما، فصعد بهما المنبر، ثمّ قال: صدق اللّه (إِنّما إِموالُكُمْ وَأَولادُكُمْ فِتْنَة) رأيت هذين فلم أصبر. ثمّ أخذ في الخطبة.(۸)

۳. أخرج النسائي في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: خطب أبو بكر وعمر، فاطمةَ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّها صغيرة فخطبها عليٌّ فزوّجها منه.(۹)

نعم كانت فاطمة(عليها السلام) صغيرة ومع ذلك كان تزويجها بعليٍّ ثمة مرجحات وموَهّلات توَهلها للزواج منه (عليه السلام) .

۴. أخرج الترمذي في سننه عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: يا عليّ لا تتبع النَّظرة، النَّظرة، فإنّ لك الاَُولى وليست لك الآخرة.(۱۰)

والخطاب في قوله: لا تتبع من قبيل قوله: إيّاك أعني و اسمعي يا جارة، قال سبحانه مخاطباً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرين) (الزمر/۶۵).

۵. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة، فلمّا قدمت على رسول اللّهذكرت عليّاً فتنقصته، فرأيت وجه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يتغير، فقال: يا بريدة ألست أولى بالموَمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.(۱۱)

هذا هو و اقع الحديث، وقد لعب البخاري به وذكره بنحو آخر يخلو من الفقرة الاَخيرة،أعني قوله: «ألست أولى...» حيث قال: عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليّاً وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا، فلمّا قدمنا على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض عليّاً، فقلت: نعم، فقال: لا تبغضه فانّ له في الخمس أكثر من ذلك.(۱۲)

۶. أخرج الترمذي عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّاللّه أمرني بحبِّ أربعة، وأخبرني انّه يحبُّهم، قيل: يا رسول اللّه سمِّهم لنا، قال: عليٌّ منهم ، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذرّ، والمقداد وسلمان، أمرني بحبِّهم، وأخبرني انّه يحبُّهم.(۱۳)

۷. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له، ثمّ أخذه من الغد فخرج فرجع ولم يفتح له وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :إنّي دافع اللواء غداً إلى رجل يحبّه اللّه ورسوله ويحب اللّه ورسوله، لا يرجع حتى يفتح له، فبتنا طيبة أنفسنا انّ الفتح غداً، فلما ان أصبح رسول اللّه صلّى الغداة، ثمّ قام قائماً فدعا باللواء و الناس على مصافّهم، فدعا عليّاً وهو أرمد فتفل في عينيه، ودفع إليه اللواء وفتح له.

قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها.(۱۴)

ولعلّ الفاعل في قوله: «ثم أخذه من الغد» هو عمر دون أبي بكر أي أخذ عمر الراية من الغد بشهادة انّ الاِمام أحمد نقله أيضاً عن بريدة في موضع آخر بهذا النحو.

أخرج أحمد في مسنده عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: لما نزل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بحصن أهل خيبر أعطى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) اللواء عمر بن الخطاب ونهض معه من نهض من المسلمين فلقوا أهل خيبر، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : لاَعطينّاللواء غداً...».(۱۵)

هذه نخبة من روائع أحاديثه تلوناها لتكون نموذجاً لما لم نذكر.

نعم عزيت إليه روايات لا تستقيم مع الضوابط و الموازين التي حررناها في صدر الكتاب.

أحاديثه السقيمة

۱. خمس لا يعلمهنّ إلاّ اللّه

أخرج الاِمام أحمد في مسنده، عن عبيد اللّه بن بريدة، عن أبيه، يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: خمس لا يعلمهنّ إلاّاللّه، إنّ اللّه عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الاَرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفس بأيّ أرض تموت ان ّاللّه عليم خبير».(۱۶)

لا شكّ انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أخبر بأنّ ثمة أُموراً خمسة لا يعلمها إلاّ اللّه يحتم علينا القبول لاَنّه خبر صادق مصدق.

إنّما الكلام إذا حاولنا استخراج هذا الخبر الغيبي من الآية الواردة في آخر سورة لقمان، فالظاهر انّ الآية لا تدل على الانحصار إلاّفي موارد ثلاثة.

أ. علم الساعة: ( إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعةِ) .

ب. العلم بما يكسبه الاِنسان في غده: (وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً).

ج. العلم بالاَرض التي تموت فيها: (وَما تَدْري نفس بِأَيّ أَرْضٍ تَمُوت)هذه الاَُمور الثلاثة مما استأثر اللّه سبحانه علمها لنفسه، وأمّا الاَمران الباقيان فلا دلالة في الآية على الاستئثار.

أمّا الاَوّل أعني قوله: (وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ) فهو اخبار عن كونه سبحانه منزلَ الغيث، ولا دلالة في قوله على استثار علم النزول بنفسه، ويشهد لذلك تغيير الصيغة بين المعطوف عليه و المعطوف.

فالمعطوف عليه جملة اسمية أعني قوله: (عنده علم الساعة) .

والمعطوف جملة فعلية أعني قوله: (وينزّل الغيث) فلو كانت الجملة الثانية هادفة لبيان الانحصار كان الاَنسب أن يقول: «ونزول الغيث»، فتكون الآية بالشكل التالي: انّاللّه عنده علم الساعة ونزول الغيث.

وأمّا الثاني: أعني قوله «ويعلم ما في الاَرحام» فهو بصدد إثبات العلم للّه سبحانه لا بصدد النفي عن غيره، واستفادة النفي منه يحتاج إلى دليل قاطع.

۲. القضاة ثلاثة

أخرج الترمذي، عن ابن بريدة، عن أبيه، انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحقّ فعلم ذاك، فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار ، وقاض قضى بالحقّ فذلك في الجنة.(۱۷)

والوارد عن أئمّة أهل البيت انّ القضاة أربعة:

أخرج الكليني عن أحمد، عن أبيه(۱۸)رفعه عن أبي عبد اللّه، قال: القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنة، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم(۱۹)غاً فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة.(۲۰)

۳. الملك لا يدخل بيتاً فيه كلب

أخرج أحمد في مسنده،عن عبد اللّه بن بريدة ، عن أبيه، قال:

احتبس جبريل (عليه السلام) على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: ما حبسك؟ قال: انّا لا ندخل بيتاً فيه كلب.(۲۱)

والحديث من دلائل القول باحتباس الوحي على رسول اللّهوقد ذكر المفسرون تبعاً لاَصحاب الحديث، احتباس الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير قوله سبحانه: (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلَى) (الضحى/۳) وقد اختلفوا في مدّة الاحتباس وسببه اختلافاً كثيراً، يعرب عن كون الحديث منقولاً على غير الوجه الصحيح، أو موضوعاً على لسان النبي ونقل القرطبي(۲۲)

والطبرسي(۲۳)ما نشير إليه من الاختلافات.

أمّا مدّة الاحتباس فقيل: كان اثني عشر يوماً.

قال ابن عباس: خمسة عشر يوماً.

وقيل: خمساً وعشرين يوماً.

وقال مقاتل: أربعين يوماً.

فقال المشركون: إنّ محمّداً ودّعه ربُّه وقلاه، ولو كان أمره من اللّه لتاب عليه كما كان يفعل بمن كان قبله من الاَنبياء.

وفي البخاري عن جندب بن سفيان، قال: اشتكى رسول اللّهفلم يقم ليلتين أو ثلاث فجاءت امرأة (زوج أبي لهب) فقالت: يا محمد إنّي لاَرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل اللّه عزّوجلّ: (وَالضُّحى* واللَّيلِ إِذا سَجَى* ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) .

وأمّا سبب الاحتباس ففيه الاَقوال التالية:

۱. انّ جرواً دخل البيت، فدخل تحت السرير فمات، فمكث نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أياماً لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيتي؟ ما لجبرئيل لا يأتيني؟ قالت خولة: فقلت: لو هيأت البيت وكنسته، فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا جرو ميت، فأخذته فألقيته خلف الجدار، فجاء نبي اللّه ترعد لَحِيْاه وكان إذا نزل عليه الوحي استقبلته الرعدة، فقال: يا خولة: دثريني، فأنزل اللّه هذه السورة، ولما نزل جبرئيل سأله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن التأخر، فقال: أما علمت أنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة.

۲. سألته اليهود عن الروح وذي القرنين وأصحاب الكهف، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : سأخبركم غداً ولم يقل إن شاء اللّه فاحتبس عنه الوحي إلى أن نزل جبرئيل عليه بقوله: (وَلا تَقُولَنَّ لِشيءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غداً* إِلاّأَن يَشاءَ اللّهُ)(الكهف۲۳ ـ ۲۴). فأخبره بما سأل عنه وفي هذه القصة نزلت (ما ودّعك ربّك وما قَلى).

۳. انّ المسلمين قالوا: يا رسول اللّه ما لك لا ينزل عليك الوحي؟

فقال: وكيف ينزل عليَّ وأنتم لا تنقون رواجبكم.

ولا تقصون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم، فنزل جبرئيل بهذه السورة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :ما جئت حتى اشتقت إليك، فقال جبرئيل: وأنا كنت أشدّ إليك شوقاً ولكنّي عبد مأمور.

۴. عن جندب البجلي قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غار فدميت اصبعه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «هل أنت إلا اصبع دميت، وفي سبيل اللّه ما لقيت» وابطأ عليه جبرئيل، فقال المشركون قد ودع محمد، فأنزل اللّه تبارك و تعالى : (ما ودَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) .

هذا ما رواه المحدثون وتبعهم المفسرون في تفسير الآية، وفي الجميع تأملات:

الاَوّل: انّالاختلاف في المدة والسبب خير دليل على أنّ الحديث موضوع على لسان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلو كان السبب موت الجرو تحت السرير فيرجع زمان الاحتباس إلى أوائل البعثة. ولو كان السبب هو عدم الاستثناء، فيرجع زمنه إلى السنة السابعة أو الثامنة من البعثة.

الثاني: كيف يمكن أن نتصور انّ الجرو مات ومكثت جيفته تحت السرير دون أن يشعر بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولا أهل بيته، مع انّطبيعة الحال تقتضي أن تكون منتنة في هذه المدّة، فيشعر بها كلّ من مرّ على البيت فضلاً عمن يقطن فيه لا سيما في أجواء حارة كأجواء الجزيرة العربية التي سرعان ما يفسد فيها كلّشيء؟!

الثالث: كيف يكون عدم قصِّ الاَظفار وأخذ الشوارب سبباً لاحتباس الوحي، وهل هذا إلاّ أخذ البريء بذنب المجرم؟! قال سبحانه: (وَلا تَزِرُ وازرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (الاَنعام/۱۶۴).

فعلى ضوء ذلك يجب أن لا ينزل الوحي على أيِّ نبيّ طيلة عمره، لاَنّ الاَنبياء والمرسلين كانوا على مقربة من المشركين والعصاة الذين لم يكونوا يقصُّون أظفارهم ولا يأخذون شواربهم بل يقترفون أشدّ المعاصي.

والحقّ انّه لم يكن هناك أيّ احتباس، بل تعلقت مشيئته تبارك و تعالى بإنزال الوحي بالتدرج حسب طروء الاَسباب والحوادث التي تقتضي نزوله.

قال سبحانه: (وَقالَالَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرآن جُمْلَةً واحِدةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُوَادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (الفرقان/۳۲).

وقد أشارت الآية إلى سبب من أسباب نزول الوحي تدريجاً وهو تثبيت فوَاد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ،لاَنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مهما كان إنساناً مثالياً، فهو بحاجة ماسّة إلى إمدادات غيبية من قبل اللّه سبحانه و تعالى في خضمّ الحياة المليئة بالطوارىَ، والحوادث العصيبة، فاتصاله بعالم الغيب تدريجاً يخلق في روحه نشاطاً دوَوباً للعمل، يزيح عنها غبار التعب والهموم وبذلك يثبت قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بصلته بعالم الوحي.

وهذا الاَثر الاِيجابي رهن نزول الوحي تدريجاً، وأمّا نزوله دفعة واحدة وإقفال بابه إلى آخر عمره فهو يخلو عن ذلك الاَثر.(۲۴)

هذا، ولنزول الوحي تدريجاً آثار ايجابية أُخرى، أشار إليها الذكر الحكيم في بعض آياته، ولنقتصر على هذا المقدار.

وعلى ضوء ما ذكرنا فلم يكن أيّ احتباس وانقطاع للوحي، وإن زعم المشركون خلافه. وبالتالي لم يكن هناك سبب غير ما ذكرنا وبذلك يظهر وهن الرواية وعدم صحتها.

۴. غزا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) تسع عشرة غزوة

أخرج مسلم في صحيحه، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، قال: غزا رسول اللّه تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمانٍ منهنّ.(۲۵)

أقول: إنّ غزوات الرسول أكثر ممّا ذكره، فقد بسط الواقدي الكلام في مغازي النبي وسراياه في الجزء الاَوّل ثمّ استنتج ممّا ذكره ما يلي:

فكانت مغازي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي غزا بنفسه تسعاً وعشرين غزوة، وكان ما قاتل فيها تسعاً: بدر القتال، وأحد، والمريسيع، والخندق، وقريظة، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف.

وكانت السرايا سبعاً وأربعين سريّة، واعتمر ثلاث عُمَر، ويقال: قد قاتل في بني النضير ولكن اللّه جعلها له نفلاً خاصّة، وقاتل في غزوة وادي القرى في منصرفه عن خيبر وقتل بعض أصحابه، وقاتل في الغابة حتى قتل محرز بن نظلة، وقتل من العدو ستة.(۲۶)

وقد سرد الواقدي أسماء غزواته (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب المغازي:

۱. غزوة الاَبواء۲. غزوة بواط۳. غزوة بدر الكبرى ۴. غزوة ذات العُشير۵. غزوة القينقاع ۶. غزوة السويق ۷. غزوة قرارة الكُدر۸. غزوة غطفان۹. غزوة بني سليم ۱۰. غزوة أُحد ۱۱. غزوة حمراء الاَسد۱۲. غزوة بئر معونة ۱۳. غزوة الرجيع۱۴. غزوة بني النضير۱۵.غزوة بني الموعد ۱۶. غزوة ذات الرقاع۱۷. غزوة دومةالجندل۱۸. غزوة المريسيع ۱۹. غزوة الخندق۲۰. غزوة بني قريظة ۲۱. غزوة القرطاء ۲۲. غزوة بني لحيان ۲۳. غزوة الغابة۲۴. غزوة الحديبية ۲۵.غزوة خيبر ۲۶. غزوة القضية۲۷. غزوة موَتة ۲۸. غزوتة ذات السلاسل ۲۹. غزوةالفتح.

وقد ذكر ابن هشام قصيدة حسّان الذي عد فيها المغازي، ومطلعها:

ألست خير معد كلّها نفراً * ومعشراً ان هم عموا وإن حصلوا

قوم هم شهدوا بدراً بأجمعهم * مع الرسول فما آلوا وما خذلوا(۲۷)

كلّ ذلك يعرب عن أنّ غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أكثر من تسع عشرة غزوة ويُحتمل أن يكون المراد الغزوات التي شارك فيها بريدة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهي عبارة عن تسع عشرة غزوة.

ولكنّه احتمال ضعيف، لاَنّه روي عن بريدة في موضع آخر من صحيح مسلم، أنّه قال:

غزا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ست عشرة غزوة(۲۸)

وعلى كلّتقدير فالرواية مضطربة.

۵. تحرك الجبل والاَمر بثباته

أخرج أحمد في مسنده، عن عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه، انّرسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالساً على حراء ومعه أبو بكر وعمر و عثمان، فتحرك الجبل، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : أثبت حراء، فانّه ليس عليك إلاّنبي وصديق وشهيد.(۲۹)

لا شكّ انّ الاَنبياء والاَولياء يمتلكون قدرة خارقة للعادة يتصرّفون في الكون بإذنه ومشيئته سبحانه ولا غرو في ذلك، فقد قال سبحانه مخاطباً عيسى ابن مريم: (وَإِذْتَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْر بَإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طِيراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىَُ الاََكْمَهَ وَالاََبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ المَوتى بِإِذْنِـي) (المائدة/۱۱۰).

ولكنّهم لا يقومون بخوارق العادات إلاّ لغايات خاصة استدعت الضرورة ذلك، وهي إثبات نبوّتهم واتصالهم بالغيب، وعند ذلك تطرح الاستفسارات التالية، فأي غاية كانت في تثبيت جبل حراء؟

فهل كان ثمة شاك في نبوة النبي وأراد (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا العمل أن يزيل الشك عن قلبه؟!

أو كان وراء حركة الجبل خسف وزلزال مهلك لمن كان عليه؟!

ثمّهل كانت الحركة مختصة بالجبل دون سائر الجبال والاَراضي المتاخمة؟

وبما انّ «حراء» كان جبلاً من جبال مكة وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يأوي إليه في أشهر معدودات قبل البعثة فهل كان هوَلاء الثلاثة موحدين يومذاك حتى يكونوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجبل؟

ولو افترضنا انّ النبي يأوي إليها بعد البعثة، فقد أسلم عمر بن الخطاب في السنة السادسة من البعثة، فهل كان هناك اجتماع في هذه السنة أو بعدها؟

وأسلم بريدة عند مسير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة، فكيف ينقل تلك الحادثة وهي ترتبط بما قبل إسلامه؟!

كلّهذه الاستفسارات تزيد الشك في صحّة الرواية وتجعلها من الموضوعات، وقد لعبت العاطفة الدينية دورها في جعل هذه الرواية.

كما وأخرجها مسلم عن أبي هريرة بنحو آخر، قال: إنّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة.

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : اهدأ، فما عليك إلاّ نبي أو صديق أو شهيد.(۳۰)

وتنتهي الرواية إلى أبي هريرة مع أنّه أسلم بعد الهجرة عام سبع، وقد اضيف فيها علي وطلحة والزبير، وابدل الجبل بالصخرة، كما رواه أيضاً الترمذي عن أبي هريرة في باب مناقب عثمان.(۳۱)

۶. ضرب الدفّ عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أخرج الترمذي في سننه، عن عبد اللّه بن بريدة، قال: سمعت بريدة، يقول: خرج رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول اللّه، إنّي كنت نذرت إن ردّك اللّه صالحاً ان أضرب بين يديك بالدّفّ وأتغنّى.

فقال لها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن كنت نذرت فاضربي، وإلاّفلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثمّ دخل عليّوهي تضرب، ثمّدخل عثمان وهي تضرب، ثمّ دخل عمر فألقت الدفَّ تحت إستها، ثمّ قعدت عليه، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّالشَّيطان ليخاف منك يا عمر، إنّي كنت جالساً وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثمّ دخل عليّوهي تضرب، ثمّ دخل عثمان وهي تضرب، فلمّا دخلتَ أنت يا عمر ألقتْ الدف.(۳۲)

وقد نقله أحمد على اختلاف.

فتارة نقل دفَّ الجارية على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط دون أن يذكر شيئاً من دخول أبي بكر وعمر و عثمان عليه.(۳۳)وأُخرى نقل دف الجارية مع دخول أبي بكر ثمّعمر دون أن يذكر دخول علي (عليه السلام) وعثمان.(۳۴)

وعلى أيّة حال فقد اتّفق الفقهاء على لزوم كون المنذور أمراً راجحاً لا محرماً ولا مكروهاً، فلا ينعقد النذر إذا كان المنذور مكروهاً فضلاً عن كونه حراماً.

والضرب بالدف امّا مكروه أو حرام، فكيف أجازها النبيالضرب بالدفِّ عند رأسه؟! وقد أخرج أحمد عن أبي أمامة، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال تبيت طائفة من أُمّتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثمّيصبحون قردة وخنازير ، فيُبعث على أحياء من احيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات.(۳۵)

على أنّالظاهر من الحديث انّ الضرب بالدفّ كان أمراً قبيحاً ولذلك لما دخل عمر ألقت الجارية الدفَّ تحت إستها ثمّ قعدت عليه لتخفيه عن عمر، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولى بأن ينهاها عن ذلك الاَمر القبيح ولا يسمح لها بالدفِّ على رأسه.

ثمّإنّ ظاهر الرواية انّعثمان دخل وهي تضرب وجلس دون أن تمسك الجارية، وهي تخالف ما رواه ابن أبي أوفى، قال: استأذن أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجارية تضرب الدف فدخل، ثمّ استأذن عمر فدخل، ثمّ استأذن عثمان فامسكت، قال: فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ عثمان رجل حييّ.(۳۶)

ومن البعيد أن تكون الواقعة متعددة.

ولعمر القارىَ انّهذه الروايات تشوّه سمعة الاِسلام والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومعناها جلوس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بغية استماع ضرب الجارية للدف وغنائها.

۷. خير القرون قرني

أخرج أحمد، عن عبد اللّه بن مولة، قال: كنت أسير مع بريدة الاَسلمي، فقال: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «خير هذه الاَُمّة القرن الذي بعثت أنا فيهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ يكون قوم تسبق شهادتُهم ايمانَهم، وايمانهم شهادَتهم.(۳۷)

القرن في اللغة عبارة عن الفترة من الزمان وإطلاقه على مائة سنة، إطلاق حادث لا تحمل عليه الرواية، وعلى ضوء ذلك فالقرن الذي بعث فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خير القرون من الاَزمنة باعتبار نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقط، فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) نوراً انبعث في الظلمة حيث تقوضت به دعائم الشرك والوثنية، وأُشيد دعائم التوحيد والحنفية.

هذا يرجع إلى نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأمّا غيره فالظاهر من الرواية انّها تصنِّف الناس حسب التفضيل بالنحو التالي:

الصحابة (القرن الذي بعثت فيه).

التابعون(ثمّ الذين يلونهم).

تابعو التابعين (ثمّ الذين يلونهم) و هكذا.

فكلّمن قرب زمنه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو أفضل ممن بعد عنه.

هذا ما تفيده الرواية، وللاَسف الشديد انّالواقع الملموس يثبت خلاف ذلك، لا سيما من تصفح في التاريخ والحديث.

فهذا هو الاِمام البخاري يروي في حقّ الصحابة.

أخرج البخاري عن ابن أبي مليكة، قال: قالت أسماء عن النبيقال: أنا على حوضي أنتظر من يرد عليّ، فيوَخذ بناس من دوني فأقول أُمّتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى. قال ابن أبي مليكة: اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن.

وأخرج أيضاً عن أبي وائل، قال: قال عبد اللّه، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا فرطكم على الحوض، ليرفعنَّ إليّرجال منكم حتى إذا أهويت لاَناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربّأصحابي، يقول: لا تدري ماأحدثوا بعدك.(۳۸)

والرواية الثانية دليل على أنّ المراد من قوله : «بناس» في الرواية الاَُولى هم الصحابة.

أضف إلى ذلك انّ قوله: هم الذين يلونهم: يهدف إلى التابعين، وفيهم الاَمويون، فهل يمكن أن نعد عصر الاَمويين خير القرون وقد خضّبوا وجه الاَرض بدماء الاَبرياء وقتلوا سبط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كربلاء عطشاناً وذبحوا أولاده وأصحابه وهتكوا حرمة الكعبة؟!

وهذا هو الحجاج صنيعة أيديهم اقترف من الجرائم البشعة ما يقشعر لها جبين الاِنسانية، ولا أطيل الكلام في ذلك والتاريخ خير شاهد على كذب هذه الرواية ووضعها من قبل سماسرة الحديث لتطهير الجهاز الاَموي الحاكم ممّا ارتكبه. وقد مضى الكلام حول الحديث عند دراسة أحاديث عمران بن الحصين(۳۹).

۸. سبق بلال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الجنة

أخرج الترمذي، عن عبد اللّه بن بريدة، قال حدثني أبي بريدة، قال: أصبح رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا بلالاً، فقال: يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلاّ سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة الجنّة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربّع مشرّف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لرجل من العرب، فقلت: أنا عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، قلت: أنا قرشيّ، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أُمّة محمّد، قلت: أنا محمد، لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب. فقال بلال: يا رسول اللّه ما اذّنت قطّ إلاّ صلّيت ركعتين، وما أصابني حدث قطّ إلاّ توضأت عندها ورأيت انّ للّه عليّ ركعتين، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : بهما.(۴۰)

إنّ أبا أمامة الباهلي نقل نظير هذه الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأضاف بعد عمر، عبد الرحمن بن عوف الثريّ المعروف(۴۱)وبين الروايتين من حيث المضمون اختلاف فاحش، فحلّ فيها محل القصر وضع الميزان وترجيح كفة كلّمن النبي صوعمر وأبي بكر على جميع الاَُمّة، ونذكر الرواية عند دراسة رواياته.

والمقارنة بين الروايتين تعرب انّ يد الدس تصرفت في الرواية سواء أصحت أم لم تصح.

وبعد ذلك فكيف سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خشخشة بلال وهو حيّ يُرزَق في المدينة؟!

ثمّ إنّ جواب المجيب لسوَال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّ القصر لرجل من العرب ثمّ الاِجابة ثانياً ـ بعد سوَال النبي ـ بأنّه لعربي قرشي يعرب عن غلبة روح الطائفية و العنصرية على صانع الحديث، فانّ معيار الفضل عنده سبحانه هو التقوى والعمل الصالح، وسيوافيك بعض ما في الرواية من الاِشكالات عند دراسة أحاديث أبي أمامة الباهلي.

ودراسة هذه الروايات دراسة مقارنة تعرب عن أنّ يد الوضع والتحريف قد نالت من هذه الروايات بغية رفع منزلة الخلفاء لدى المسلمين عبر القرون.

هذه دراسة ما عزي إلى أبي بريدة الاَسلمي من الروايات ولا تُحْمل مسوَولية هذه الروايات على بريدة وإنّما عهدة ذلك على الرواة الذين نقلوا عنه أمثال هذه الروايات، ومع ذلك لا نبرّىَ ساحة بريدة عنها، والمهم في المقام هي دراسة ما روي عن النبيدراسة منزهة عن كلّرأي مسبق.

۱. طبقات ابن سعد: ۴/۲۴۱ـ ۲۴۲؛ أُسد الغابة:۱/۱۷۵.

۲. أُسد الغابة: ۱/۱۷۶.و«روح» من رواة الحديث واقع في اسناده.

۳. سير أعلام النبلاء: ۲/۴۷۰.

۴. المصدر السابق.

۵. المسند الجامع: ۳/۱۸۶ـ۲۴۶.

۶. سنن ابن ماجة: ۱/۳۴۲ برقم ۱۰۷۹.

۷. المصدر السابق: برقم ۱۰۷۸و۱۰۸۰.

۸. سنن أبي داود: ۱/۲۹۰ برقم ۱۱۰۹؛ وأخرجه ابن ماجة في سننه: ۲/۱۱۹۰ برقم ۳۶۰۰.

۹. سنن النسائي: ۶/۶۲ باب تزوج المرأة مثلها في السن.

۱۰. سنن الترمذي: ۵/۱۰۱ برقم ۲۷۷۷.

۱۱. مسند أحمد بن حنبل: ۵/۳۴۷.

۱۲. صحيح البخاري: ۵/۱۶۳، باب بعث علي بن أبي طالب و خالد بن الوليد إلى اليمن.

۱۳. سنن الترمذي: ۵/۶۳۶ برقم ۳۷۱۸؛ وأخرجه ابن ماجة في سننه: ۱/۵۳ برقم ۱۴۹.

۱۴. مسند أحمد بن حنبل: ۵/۳۵۴.

۱۵. مسند أحمد بن حنبل: ۵/۳۵۸.

۱۶. مسند أحمد بن حنبل: ۵/۳۵۳.

۱۷. سنن الترمذي: ۳/۶۱۳ برقم ۱۳۲۲.

۱۸. المراد، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ووالده هو محمد بن خالد.

۱۹. وهذا القسم سقط من الحديث النبوي.

۲۰. الوسائل: ۱۸، الباب الرابع، من أبواب صفات القاضي، الحديث ۶.

۲۱. مسند أحمد: ۵/۳۵۳.

۲۲. تفسير القرطبي: ۲۰/۹۲ـ۹۴.

۲۳. مجمع البيان: ۱۰/۷۶۴.

۲۴. ما ذكرناه في تفسير الآية(وَقالَ الَّذِينَ كفروا...) هو الاَولى بالاَخذ، وقد ذكر السيد الطباطبائي وجهاً آخر ومثله السيد قطب، فراجع الميزان:۱۵/۲۱۰ـ ۲۱۱؛ وفي ظلال القرآن :۱۹/۳۴ـ ۳۵ في تفسير سورة الفرقان.

۲۵. صحيح مسلم: ۵/۲۰۰. باب عدد غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتاب الجهاد والسير .

۲۶. الواقدي، المغازي: ۱/۷.

۲۷. سيرة ابن هشام: ۲/۲۰۰.

۲۸. مسند أحمد: ۵/۳۴۶.

۲۹. صحيح مسلم: ۵/۲۰۰ باب عدد غزوات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كتاب الجهاد والسير .

۳۰. صحيح مسلم:۷/۱۲۸، باب فضائل طلحة والزبير.

۳۱. سنن الترمذي:۵/۶۲۴ برقم ۳۶۹۶.

۳۲. سنن الترمذي: ۵/۶۲۰ـ ۶۲۱ برقم ۳۶۹۰.

۳۳. مسند أحمد: ۵/۳۵۶.

۳۴. مسند أحمد: ۵/۳۵۸.

۳۵. مسند أحمد: ۵/۲۵۹.وأخرجه مسلم عن أبي هريرة ج۷/۱۸۵، باب فضل الصحابة.

۳۶. مسند أحمد: ۴/۳۵۳.

۳۷. مسند أحمد: ۵/۳۵۷، ولاحظ ص ۳۵۰.

۳۸. صحيح البخاري: ۹/۴۶، كتاب الفتن.

۳۹. لاحظ ص ۲۴۹.

۴۰. سنن الترمذي: ۵/۶۲۰ برقم ۳۶۸۹.

۴۱. مسند أحمد:۵/۲۵۹.