هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري، يكنّى أبا إسحاق، وأُمّه: حمنة بنت سفيان بن أُمية بن عبد شمس، وقيل حمنة بنت أبي سفيان بن أُمّية أسلم بعد ستة، و قيل بعد أربعة، وكان عمره عندما أسلم ۱۷ سنة.

أحد السابقين الاَوّلين، وأحد ستة أهل الشورى، شهد بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد كلّها مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبلى يوم أحد بلاءً عظيماً، و هو أوّل من أراق دماً في سبيل اللّه، وأوّل من رمى بسهم في سبيله.

استعمله عمر بن الخطاب على الجيوش الذين سيّرهم لقتال الفرس، وكان أميرَ الجيش في معركة القادسية وجلولاء، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق، وبنى الكوفة وولي العراق ثمّ عزله، فلمّا حضرت عمرَ الوفاةُ جعله أحد أصحاب الشورى، ثمّ استعمله عثمان فولاّه الكوفة ثمّ عزله، و لما قتل عثمان لزم بيته ولم يبايع عليّاً، فلما اعتزل طمع فيه معاوية فكتب إليه يدعوه إلى أن يعينه على الطلب بدم عثمان فأجابه بالاَبيات التالية:

معاوي داوَك الداء العيّاء * وليس لما تجيَ به دواء

أيدعوني أبوحسن عليّ * فلم أردد عليه ما يشاء

وقلت له اعطني سيفاً قصيراً * تميز به العداوة والولاء

أتطمع في الذي أعيا عليّاً * على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيّاً * وميتاً أنت للمرء الفداء(۱)

وما حضر سعد وقعة الجمل ولا صفين ولا التحكيم في دومة الجندل.(۲)

يقول ابن مزاحم: وكان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليّاً ومعاوية، فنزل على ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوّف الاَخبار، وكان رجلاً له بأس ورأي في قريش، ولم يكن له في عليٍّ ولا معاوية هوى، فأقبل راكب يُوضِعُ من بعيد فإذا هو بابنه عمر بن سعد فقال له أبوه: مَهْيَمْ.(۳)

فقال: يا أبي ! التقى الناس بصفين و كان بينهم ما قد بلغك حتى تفانوا، ثمّ حكّموا الحكمين: عبد اللّه بن قيس، و عمرو بن العاص، وقد حضر ناس من قريش عندهما، وأنت من أصحاب رسول اللّه و من أهل الشورى ولم تدخل في شيء ممّا تكره هذه الاَُمّة، فاحضر دومة الجندل فانّك صاحبها غداً.

فقال: هذا أمر لم أشهد أوّله فلا أشهد آخره، ولو كنت غامساً يدي في هذا الاَمر لغمستها مع عليٍّ، إلى أن قال: فلما جنّه الليل رفع صوته ليسمع ابنه:

دعوت أباك اليوم واللّه للّذي * دعاني إليه القوم والاَمر مقبل

فقلت لهم للموت أهون جرعة * من النّار فاستبقوا أخاكم أو اقتلوا

إلى أن قال:

لـو كنت يومـاً لا محـالـة وافـداً * تبعت عليـاً والهوى حيث يجعل(۴)

وليس ما جاء في بيته الاَخير أوّل مرة ولا آخرها باح فيها بفضل الاِمام أمير الموَمنين، بل نرى نظائر هذه الكلمات في أحاديثه، حيث ينقل فضائل الاِمام بصدر رحب.

۱. أخرج مسلم في صحيحه، عن سعيد بن المسيب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي. قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً فحدثته بما حدثني عامر، فقال: أنا سمعته. فقلت: أنت سمعته؟ فوضع اصبعيه على أُذنيه فقال: نعم، وإلاّفاستكتا.(۵)

ولما كانت الرواية من الدلائل الساطعة على خلافة الاِمام علي «عليه السلام» بعد رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حاول بعض المعلِّقين على صحيح مسلم أن يشكِّك في دلالتها على الخلافة وقال: والمستدل بهذا الحديث على أنّ الخلافة له بعد رسول اللّه زائغ عن منهج الصواب، فإنّ الخلافة في الاَهل في حياته لا تقتضي الخلافة في الاَُمّة بعد مماته.(۶)

وقد عزب عن المعلِّق انّه لو كان المراد خصوص الخلافة في الاَهل لما احتاج إلى استثناء مقام النبوّة بقوله: «إلاّأنّه لا نبي بعدي» فانّ الاستثناء دليل على ثبوت ما كان لهارون من مقامات و مناصب لعلي إلاّالنبوة، وقد جاء في الذكر الحكيم انّه كان وزيراً لموسى وفي الوقت نفسه نبيّاً مثله.

قال سبحانه: (وَاجْعَلْلِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارونَ أَخِي) (طه/۳۰) وقال سبحانه: (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارونَ نَبيّاً) (مريم/۵۳) إلى غير ذلك من الآيات التي تشير بوضوح إلى مناصب هارون العامة في بني إسرائيل، والحديث المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يسمى «بحديث المنزلة» يُثبت لعلي كلّ ما كان لهارون من مناصب إلاّ النبوة، فيكون الاِمام خليفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ووزيره.

۲. أخرج الاِمام أحمد، عن عبد اللّه بن الرقيم الكناني، قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها، فقال: أمر رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» بسدّ الاَبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي «عليه السلام» .(۷)

۳. أخرج مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبَّ أبا التراب؟

فقال: أما ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسُبّه لاَن تكون لي واحدة منهنّأحبُّ إليَّ من حمر النعم: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبوة بعدي.

وسمعته يقول يوم خيبر: لاَُعطينَّ الراية رجلاً يحبُّاللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله، قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد، فبصق في عينه ودفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه.

ولما نزلت هذه الآية: (فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) دعا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً و فاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: اللّهمّ هوَلاء أهلي.(۸)

ورغم علمه بمواقف علي (عليه السلام) وفضائله لم يمدَّ يد البيعة إليه، نقل الطبري: انّه جيَ بسعد إلى المسجد حتى يبايع علياً فلم يبايع، وقال : لا أُبايع حتى يبايع الناس، واللّه ما عليك مني بأس، قال علي (عليه السلام) : خلُّو سبيله.(۹)

والعجب انّه بعد ما سمع ما ذكره الرسول في حقّ علي (عليه السلام) يصف بيعة الناس لعليٍّ وجهاده مع الناكثين والقاسطين والمارقين، فتنة.

أخرج الاِمام أحمد، عن بسر بن سعيد انّ سعد بن أبي وقاص قال عند قتل عثمان بن عفان: أشهد انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنّها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل عليّ بيتي وبسط يده إليَّ ليقتلني، قال: كن كابن آدم(۱۰).(۱۱)

ارتحل الرسول إلى الرفيق الاَعلى وجابه المسلمون حوادث مرّة مروراً بالسقيفة إلى حوادث الردة إلى قتل عثمان، ورغم كل هذه الحوادث فما وجه تخصيص الحديث ببيعة الاِمام علي (عليه السلام) ـ الذي بايعه معظم الاَنصار والمهاجرين وتمت الحجة على الغائب ـ دون سائر الحوادث؟

فإذا ثبتت خلافة الخليفتين ببيعة عدّة من المهاجرين والاَنصار وخلافة الخليفة الثالث ببيعة نفر قليل من أعضاء الشورى الستة، فلماذا لا تثبت خلافة الاِمام علي (عليه السلام) ببيعة جماهير الاَنصار والمهاجرين ولم يتخلف إلاّنفر يسير من أصحاب الاَهواء والمصالح؟(۱۲)الرواية على فرض صحتها تنبىَ عن ظهور فتنة على نحو كلي دون أن تحددها، بحدث خاص، لكن ابن أبي وقّاص طبّقها على قتل عثمان وعلى الاَحداث التي تلته، ولذلك لم يبايع علياً «عليه السلام» ولم يشارك في الحروب التي خاضها الاِمام مع الناكثين وغيرهم.

ويظهر انّه كان حريصاً على الدنيا ومكباً عليها.

روى ابن سعد قال: انبأنا محمد بن عمر، حدثنا فروة بن زبيد، عن عائشة بنت سعد قالت: أرسل أبي إلى مروان بزكاة خمسة آلاف، وترك يوم مات مائتي ألف وخمسين ألفاً.

وقال الزبير بن بكار: كان سعد قد اعتزل في آخر عمره في قصر بناه بطرف حمراء الاَسد.

روى نوح بن يزيد، عن إبراهيم بن سعد: انّ سعداً مات وهو ابن ۸۲ سنة في سنة ۵۶هـ، وقيل سنة ۵۷هـ، وقال المدائني: توفي سنة ۵۵ وعلى قول سنة ۵۴.(۱۳)

قال الذهبي: روى جملة صالحة من الحديث، وله في الصحيحين ۱۵ حديثاً، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم ۱۸ حديثاً، وقال أيضاً: وقع له في مسند «بَقي بن مخلد» ۲۷۰ حديثاً فمن ذاك في الصحيح ۳۸ حديثاً.(۱۴)

وقد جمعت أحاديثه في المسند الجامع فبلغت ۱۴۴ رواية(۱۵)

وعلى أية حال فهو صحابي، وله ما لسائر الصحابة من الفضل والكمال، ولا يعني ذلك براءته من كلِّ رين وشين، فلنذكر شيئاً من روائع أحاديثه.

روائع أحاديثه

۱. أخرج ابن ماجة في سننه، عن محمد بن سعد، عن سعد قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.(۱۶)

۲. أخرج الترمذي في سننه، عن محمد بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل انّه سمع سعد بن أبي وقاص والضحاك بن قيس، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحج. فقال الضحاك بن قيس: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه، فقال سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي.

فقال الضحاك بن قيس: فإنّ عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك.

فقال سعد: قد صنعها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وصنعنا معه.(۱۷)

وهذه الرواية حجّة على من يقلد الخليفة في إفتائه بحرمة المتعتين، متعة الحج ومتعة النساء.

وقد روى الاِمام البخاري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمان، عن عبد اللّه بن عمر، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي انّه مسح على الخفين.

وانّ عبد اللّه بن عمر سأل عمر عن ذلك، فقال: نعم إذاحدثك شيئاً سعدُ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تسأل عنه غيره.(۱۸)

وعلى ذلك فقد حدّث سعد عن حلية المتعتين فيجب على الخليفة وغيره اتّباعه.

۳. أخرج الدارمي في سننه، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان ممّن ترك النساء، بعث إليه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا عثمان: إنّي لم أوَمر بالرهبانية، أرغبتَ عن سنتي؟

قال: لا، يا رسول اللّه، قالص: إنّ من سنتي ان أُصلِّـي وأنام، وأصوم وأطعم وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إنّ لاَهلك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً.

قال سعد: فواللّه لقد كان أجمع رجال من المسلمين على أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هو أقرّ عثمان على ما هو عليه، ان نختصي فنتبتل.(۱۹)

۴. أخرج مسلم في صحيحه ،عن خالد ،عن أبي عثمان قال: لمّا ادُّعي زياد لقيت أبا بكرة فقلت له: ما هذا الذي صنعتم؟ انّي سمعت سعد بن أبي وقاص، يقول: سَمِعَ أُذناي من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول: من ادّعى أباً في الاِسلام غير أبيه يعلم انّه غير أبيه فالجنّة عليه حرام.(۲۰)

۵. أخرج الترمذي في مسنده، عن صالح بن أبي حسان، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إنّ اللّه طيّب، يحب الطيّب، نظيف يحبُّ النّظافة، كريم يحبُّ الكرم، جواد يحبُّ الجود، فنظِّفوا ـ أُراهُ ـ قال: أفنيتكم ولاتشبَّهوا باليهود.(۲۱)

۶. أخرج ابن ماجة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : خياركم من تعلَّم القرآن وعلمه، قال: وأخذ بيدي فأقعدني مقعدي هذا، أُقرىَُ.(۲۲)

۷. أخرج أحمد في مسنده، عن أبي بكر بن حفص: قال سعد: إنّي سمعت رسول اللّه، يقول: نعم الميتة، أنْ يموت الرجل دون حقّه.(۲۳)

۸. أخرج النسائي في سننه، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، أنّه ظن انّ له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال نبي اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّما ينصر اللّه هذه الاَُمّة بضعيفها بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم.(۲۴)

۹. أخرج أحمد في مسنده، عن ابن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يقول:

إنّ الاِيمان بدأ غريباً وسيعود كما بدأ، فطوبى يومئذٍ للغرباء إذا فسد الناس، والذي نفس أبي القاسم بيده، ليأرزنَّ الاِيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها.(۲۵)

۱۰. أخرج أحمد في مسنده، عن عمر بن سعد عن أبيه، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

عجبت للموَمن إذا أصابه خير حمد اللّه وشكر، وإن أصابته مصيبة، حمد اللّه وصبر، فالموَمن يوَجر في كلِّ أمره حتّى يوَجر في اللقمة يرفعها إلى في امرأته.(۲۶)

إلى غير ذلك من روائع أحاديثه، وقد عزّيت إليه أحاديث سقيمة نشير إلى بعضها:

احاديثه السقيمة

۱. إثبات الجهة للّه سبحانه

أخرج عبد حميد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه المواسي، و أن يقسم أموالهم وذراريهم، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

«لقد حكم فيهم اليوم بحكم اللّه عزّوجلَّ، الذي حكم فوق سبع سماوات».(۲۷)

هذه الرواية بظاهرها تثبت الجهة للّه سبحانه وانّه فوق سبع سماوات، وما هذا شأنه فله جهة ومكان متحيّز فيه، وهو يلازم التجسيم ـ نعوذ باللّه ـ في حين انّه سبحانه يعرف نفسه على خلاف ما في هذه الرواية ويقول سبحانه: (هُوَ الاََوَّلُ وَالآخِرُ وَالظّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالاََرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الاََرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَ ما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِير ) (الحديد/۳ و ۴).

ويقول سبحانه: (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاّهُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَة إِلاّهُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوم القِيامَةِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم) (المجادلة/۷)

فعلى ضوء هذه الآيات فاللّه سبحانه هو الموجود المحيط بجميع الممكنات وهو الذي معنا أينما كنّا وما من نجوى إلاّهو مع من يناجيه، ومثله لا يكون متحيزاً فوق سبع سماوات.

نعم كونه معنا أو في كلّمكان ليس بمعنى حلوله فينا، أو في الاَشياء بل المراد إحاطته القيومية بما سواه وكونه قائماً به، وهو غير الحلول في الاَشياء.

والعجب انّ السلفية المغرورة بأمثال هذه الرواية يأوّلون هذه الآيات بأنّ المراد علمه سبحانه بالظاهر والباطن أو علمه بما يجري في مجلس النجوى وهذا هو التأويل الذي لو قام به مسلم لرُمي بالجهمية .

۲. الطواف أكثر من سبعة أشواط

أخرج أحمد، عن مجاهد، عن سعد بن مالك قال: طفنا مع رسول اللّه، فمنّا من طاف سبعاً، و منّا من طاف ثمانياً، و منّا من طاف أكثر من ذلك، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :لا حرج .(۲۸)

إنّ الحجّ عبادة جماعية شرعها اللّه سبحانه منذ عهد إبراهيم وقد حرِّفت بمرور الزمان إلى أن بعث نبي الاِسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) فعلّم الناس معالم الحج في العام العاشر من الهجرة ولم يحج بعد الهجرة إلاّمرّة واحدة وان اعتمر غير مرّة وقد جاءت صفة حجّ النبي في رواية جابر بن عبد اللّه (رض) ورواه مسلم على تفصيله وفيها قال جابر: لسنا ننوي إلاّ الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه، استلم الركن فرمّل ثلاثاً و مشى أربعاً ثمّ نفذ إلى مقام إبراهيم (عليه السلام) فقرأ: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ مُصلّى) .(۲۹)

فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) رمّل ثلاثاً أي أسرع في مشيه وهزَّ منكبيه من الاَشواط الثلاثة الاَُول ومشى على عادته في الاَربعة الاَخيرة، وصار المجموع سبعة أشواط.

فإذا كان هذا طواف النبي والمسلمون وراءه، فكيف يمكن أن يطوف واحد سبعة، وآخر ثمانية، وثالث أكثر من ذلك، وكان النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» بصدد تعليم آداب الحج و المسلمون بصدد التعلّم؟!

فالحديث مع تضمّنه جواز الزيادة في العبادة، بعيد عن موقف المسلمين يومذاك الذين كانوا وراء النبي في اعمال الحج كما هو صريح الرواية حيث يقول: «طفنا مع رسول اللّه فمنّا من طاف سبعاً».

۳. الرمي بست حصيات

أخرج النسائي في سننه، عن ابن أبي نُجيح قال: قال مجاهد: قال سعد: رجعنا في الحجة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست فلم يعب بعضهم على بعض.

ثمّ روى عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز يقول: سألت ابن عباس عن شيء من أمر الجمار، فقال: ما أدري رماها رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بست أو بسبع.(۳۰)

روى مسلم في صحيحه، عن جابر في باب صفة حجّ النبي، قال: ثمّ سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبِّر مع كل حصاة منها، كلّحصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي.(۳۱)

وقد تقدم انّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بصدد تعليم آداب الحج وفرائضه ومحظوراته وقد حرص المسلمون على التعلم، فكيف يصح انّه رمى بعضهم بسبع، وبعضهم الآخر بست، ولا يعيب بعضهم على بعض؟

وما رواه النسائي عن ابن عباس انّه قال: ما أدري رماها رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» بست أو سبع يخالف ما رواه في الباب التالي عن ابن عباس عن طريق أخيه الفضل بن العباس، قال: كنت ردف النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» فلم يزل يلبّي حتى رمى جمرة العقبة فرماهابسبع حصيات يكبر مع كلّ حصاة.(۳۲)

۴. الطيرة في المرأة والفرس والدار

أخرج أبو داود، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا هامة ولا عدوى ولا طيرة، وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار.(۳۳)

وأخرج أحمد في مسنده، عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعد بن أبي وقاص، عن الطيرة؟ فانتهرني، وقال: من حدَّثك؟ فكرهت أن أحدثه من حدثني، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) :

«لا عدوى ولا طيرة ولا هام، إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار، وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تَهبطوا، وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفرّوا منه.(۳۴)

وأخرج أيضاً، عن سعد بن أبي وقاص، انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: إذا كان الطاعون بأرض فلا تهبطوا عليه، و إذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفرّوا منه.(۳۵)

وثمة شكوك تحوم حول تلك الروايات:

أوّلاً: انّ الرواية الاَُولى تنفي العدوى، وهي انتقال المرض من سقيم إلى سليم، فلو صحّ النفي، فلماذا يروي سعدعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في روايته الثانية والثالثة انّه أمر بأن لا يُهبط بأرض فيها الطاعون، وإذا هُبط فيها فلا يُخرج منها ؟ فانّ ذلك صريح في الاعتراف بمبدأ العدوى.لاَنّه إذا كان في أرض ليس فيها طاعون وأُخبر بوجوده في أرض أُخرى فلا يهبط فيها خوفاً من الابتلاء، كما انّه إذا كان في أرض فيها طاعون فلا يخرج منها لئلا ينقل المرض معه إلى أرض أُخرى، وهو نفس القول بالعدوى.

وبالتالي فقد عزي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق سعد قولين متناقضين.

ثانياً: انّ الذكر الحكيم يصف العالم بالحسن والجمال وانّه سبحانه ما خلق شيئاً إلاّ حسناً وجميلاً قال سبحانه: (رَبُّنَا الّذي أَعطَى كُلَّ شيءٍ خَلَقَهُ ثُمَّ هَدَى)(طه/۵۰) وقال سبحانه: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدأَ خَلق الاِِنْسان مِنْ طين) (السجدة/۷) وقال سبحانه: (وَصَوّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَركُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبات) (غافر/۶۴) فهذه الآيات تصف فعل اللّه سبحانه وكلّ ما خلقه بالجمال، فكيف يحلّ الشوَم في المرأة والفرس والدار ؟!

إنّالشوَم والطيرة إنّما هو وليد عمل الاِنسان، فهو بفعله يجعل اليوم سعداً أو نحساً، وإلاّ فاليوم هو اليوم، والشمس هي الشمس، والقمر هو القمر، يجريان بأمر اللّه سبحانه: (قالُوا إِنّا تَطَيّرنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرجُمَنَّكُمْ وَلَيَمسّنّكُمْ مِنّا عَذابٌ أَلِيمٌ * قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَومٌ مُسْرِفُونَ) (يس/۱۸ـ ۱۹).

يعني: قال أصحاب القرية لرسلهم انّا تشاءمنا بكم، فوافاهم الجواب بأنّ طائركم معكم، وانّ الذي ينبغي أن تتشاءموا به هو معكم، وهو حالة اعراضكم عن الحق وإقبالكم على الباطل.

وعلى كلّ تقدير، فالشرّ الذي يصيب الاِنسان في داره وبعد زواجه، له سبب واقعي، لا صلة له بالدار والزوجة التي تخدم الزوج وأولاده بجدٍّ ومثابرة.

كيف يكون الشوَم في المرأة مع أنّـها إحدى الثلاث التي اختارهنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدنيا ؟ قال:

حُبّب إليَّ من الدنيا :النساء، والطيب، وجعل قرّة عيني في الصلاة.(۳۶)

أخرج مسلم عن عبد اللّه بن عمر ، انّ رسول اللّه «صلى الله عليه وآله وسلم» قال: الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة.(۳۷)

هذا هو الاِمام أبو الحسن علي الهادي (عليه السلام) يخاطب أحد أصحابه الذي كان يقول: «كفاني اللّه شرك من يوم فما أيشمك» بقوله: ترمي بذنبك من لا ذنب له، ما ذنب الاَيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جُوزيتم بأعمالكم فيها، ثمّ قال: إنّ اللّه هو المثيب والمعاقب، والمجازي بالاَعمال عاجلاً وآجلاً، لا تعد ولا تجعل للاَيام صنعاً في حكم اللّه.(۳۸)

۵. التنديد بالشعر

أخرج مسلم، عن محمد بن سعد، عن سعد، عن النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» ، قال: لا ََن يمتلىَ جوف أحدكم قيحاً يريه خير من أن يمتلىَ شعراً.(۳۹)

إنّ الشعر على نمطين:

نمط منه لا يهدف إلاّ إلى نشر الفساد والدعارة ودعم الظلم وتوطيد أركانه إلى غير ذلك من غايات ساقطة، فصاحبه هو الذي نزل في حقّه قوله سبحانه: (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ في كُلِّ وادٍيَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) (الشعراء/۲۲۴ـ ۲۲۶) فأصحاب هذا النوع من الشعر هم سماسرة الاَهواء يتبعون الهوى، و يبرمون أمراً، اليوم وينقضونه غداً، فليس لهم مآرب في الحياة إلاّ إشباع رغباتهم وميولهم الفاسدة.

ونمط آخر منه يهدف إلى بثّ الاَخلاق الحميدة وإنهاض الهمم، لبسط العدل ونشره، وكبح جماح الظلم، والدعوة إلى الحقّ بأُسلوب بديع، يمازج الاَرواح ويخالط الاَدمغة، فهذا النوع من الشعر بغية العالم، ومقصد الحكيم، ومأرب الاَخلاقي، وطلبة الاَديب، وأمنية العالم الاجتماعي، فأصحاب هذا النوع من الشعر هم الذين استثناهم اللّه سبحانه بقوله: (إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحات وَذَكَرُوا اللّهَ كَثِيراً وَانْتَصِرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء/۲۲۷).

إنّ التقدير الوافر لهذا النمط من الشعر وتكريم قائله عملٌ قام به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فانّه أوّل فاتح لهذا الباب على مصراعيه مدحاً وهجاءً باصاخته للشعراء المادحين له ولا َُسرته الكريمة، وكان يَنشد الشعر ويستنشده، ويجيز عليه ويرتاح له، ويكرم الشاعر مهما وجد في شعره هذه الغاية الوحيدة، كإرتياحه لشعر عمِّه شيخ الاَباطح أبي طالب (عليه السلام) لمّا استسقى فسُقي، قال: للّه درّ أبي طالب لو كان حياً لقرّت عيناه، من ينشدنا قوله؟ فقام علي (عليه السلام) قال: كأنّك أردت يا رسول اللّه قوله:

وأبيضَ يُستسقى الغمام بوجهه           ربيع اليتامى عصمة للاَرامل

تلوذ به الهُلاّك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل وكإرتياحه (صلى الله عليه وآله وسلم) لشعر كعب بن زهير لما أنشده في مسجده الشريف لاميته التي مطلعها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيّم إثـرهـا لم يفــد مكبول

فكساه النبي صبردة اشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم، وهي التي يلبسها الخلفاء في العيدين.(۴۰)

روى الحاكم النيسابوري: لما أنشد كعب قصيدته وبلغ قوله:

انّ الرسول لسيف يستضاء بــه * وصــارم من سيوف اللّه مسلــول

أشار (صلى الله عليه وآله وسلم) بكمه إلى الخلق ليسمعوا منه.

ويروى انّ كعباً أنشد من سيوف الهند، فقال النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» من سيوف اللّه(۴۱)إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة التي قدّر فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الشعر و الشعراء، وبذلك أثبت انّ الشعر المذموم غير الشعر الممدوح، وانّه سبحانه إنّما يذم النمط الاَوّل ولو جاء في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نقله «سعد» فإنّما يرمي إلى الصنف الاَوّل وإلاّ فالشعر في العصور الاَُولى كان سهماً في أكباد أعداء اللّه ، وخير دعاية إلى الاِسلام في كلّصقع وناحية، ولذلك كان أئمّة الدين يبذلون من مال اللّه للشعراء ما يغنيهم عن التكسب والاشتغال بغير هذه المهنة.

ولما نصب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام) للخلافة والاِمامة يوم الغدير استجاز حسان ابن ثابت أن يصبّ كلامه في قالب الشعر، فلما قرأ على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تزال يا حسّان موَيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك.(۴۲)

۶. لم يسلم أحد قبل سعد

أخرج البخاري في باب مناقب سعد، قال: عن سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص قال: ما أسلم أحد إلاّ في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإنّي لثُلُثُ الاِسلام.(۴۳)

إنّ معنى الرواية كما ذكره ابن حجر هو انّه لم يسلم أحد قبله، ولما وقف ابن حجر على بطلانه، عاد يوَوِّل المرويّ عن سعد، ويقول: والسبب فيه انّ من كان أسلم في ابتداء الاَمر كان يخفي إسلامه، ثمّ أوضح معنى قوله وانّي لثلث الاِسلام بأنّه أراد بالاثنين الآخرين خديجة وأبا بكر، أو النبي وأبا بكر وقد كانت خديجة أسلمت قطعاً ولعلّه خصَّ الرجال.

وعلى أيّة حال فلم يكن سعد أوّل من أسلم لا خفاءً ولا علانية، وقد تضافرت الروايات على أنّ أوّل من أسلم هو علي بن أبي طالب، و إليك بعض ما أثر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصدد.

۱. أخرج الحاكم في مستدركه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: أوّلكم وارداً ـ وروداً ـ على الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب.(۴۴)

كيف يكون هو أوّل من أسلم مع أنّ حديث بدء الدعوة يشهد بوضوح انّعليّاً (عليه السلام) هو أوّل من أسلم.

روى الطبري في تاريخه: انّه لما نزل قوله سبحانه: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاََقْرَبينَ) دعا النبي عليّاً (عليه السلام) فقال له : يا علي إنّاللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الاَقربين، إلى أن قال: فلما جاء القوم خاطبهم بقوله: يا بني عبد المطلب إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه، فأيّكم يوَازرني على هذا الاَمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً، فقام علي (عليه السلام) ، وقال: أنا يا نبيّ اللّه فأخذ برقبته، وقال: إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا.(۴۵)

۲. قال الحاكم النيسابوري: ولا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ انّ علي ابن أبي طالب (رض) أوّلهم إسلاماً.(۴۶)

۳. وقال ابن عبد البر: اتّفقوا على أنّ خديجة أوّل من آمن باللّه ورسوله وصدقه فيما جاء به ثمّ علي بعدها.(۴۷)

۴. وقال المقريزي: وأمّا علي بن أبي طالب فلم يشرك باللّه قط، وذلك انّ اللّه تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد، فعندما أتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي وأخبر خديجة وصدّقت كانت هي، وعلي بن أبي طالب وزيد ابن حارثة يصلون معه... إلى أن قال: فلم يحتج عليّ(رض) أن يُدعى ولا كان مشركاً حتى يوحّد فيقال أسلم، بل كان عمره عندما أوحى اللّه إلى رسوله ثماني سنين وقيل سبع سنين، وقيل: إحدى عشر سنة، وكان مع رسول اللّه في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله.(۴۸)

روى ابن الاَثير عن أبي يحيى بن عفيف، عن أبيه، عن جدّه عفيف، قال: جئت في الجاهلية إلى مكة وأنا أُريد أنْ ابتاع لاَهلي من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب، وكان رجلاً تاجراً، فأنا عنده جالس حيث انظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت إذ جاء شاب فرمى ببصره إلى السماء ثمّ قام مستقبل الكعبة، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاء غلام فقام على يمينه، ثمّ لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاءت امرأة فقامت خلفهما فركع الشاب فركع الغلام والمرأة، فرفع الشاب فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشاب فسجد الغلام والمرأة، فقلت: يا عباس أمر عظيم، قال العباس: أمر عظيم تدري من هذا الشاب؟ قلت: لا، قال: هذا محمد بن عبد اللّه ابن أخي، أتدري من هذا الغلام؟ هذا علي بن أخي، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته، انّابن أخي هذا أخبرني انّ ربّه ربّالسماء والاَرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه ولا واللّه ما على الاَرض كلّها أحد على هذا الدين غير هوَلاء الثلاثة.(۴۹)

۷. دخول الاَُمّة قاطبة الجنة بشفاعة النبيّ

أخرج أبو داود، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: خرجنا مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة نريد المدينة، فلما كنّا قريباً من عَزْوَرا نزل ثمّ رفع يديه فدعا اللّه ساعة ثمّ خرّ ساجداً، فمكث طويلاً ثمّ قام فرفع يديه فدعا اللّه ساعة ثمّ خرّ ساجداً، فمكث طويلاً ثمّ قام فرفع يديه ساعة ثمّ خرّ ساجداً.

ذكره أحمد ثلاثاً: قال: «إنّي سألت ربي وشفعت لاَُمتي، فأعطاني ثلث أُمتي، فخررت ساجداً شكراً لربي، ثمّ رفعت رأسي فسألت ربّي لاَُمّتي، فأعطاني ثلث أُمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً، ثمّ رفعت رأسي فسألت ربي لاَُمتي، فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي.(۵۰)

إنّ الامعان في الآيات الواردة حول الشفاعة تثبت بأنّها حقّ خاص باللّه سبحانه يأذن لعدّة خاصّة من عباده المقربين، ولا يأذن لهم أن يشفعوا إلاّ في حقّ عدّة معينة، فقد وضع القرآن حدوداً وقيوداً في الشافع والمشفوع له.

إنّ الشفاعة في حقّ من قطعوا صلتهم باللّه سبحانه فلم يوَمنوا به أو بوحدانيته أو بقيامته ، منتفية قطعاً لا تنالهم شفاعة الاَنبياء.

قال سبحانه: (يَقُولُ الّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَد جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أو نُردُّ فَنَعْمَلَ غَيرَ الّذي كُنّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (الاَعراف/۵۳) . وقال سبحانه: (وَكُنّا نُكَذِّبُ بِيَومِ الدِّين * حَتّى أَتانا اليَقينُ * فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعين) (المدثر/۴۶ ـ ۴۸).

وثمة روايات متضافرة تحدد شفاعة الاَنبياء، ومع ذلك فكيف ورد في هذه الرواية انّ الاَُمّة بقاطبتها عادلها وظالمها، تقيّها وفاجرها، صالحها وطالحها على حدّ سواء في الشفاعة، واللّه سبحانه يقبل شفاعة نبيّه في حقّهم؟!

ولا يراد من الاَُمّة في الرواية إلاّ من آمن باللّه ورسوله وإن فسق وفجر وخضب الاَرض بإراقة دماء الاَبرياء.

۸. عمر أفظّ وأغلظ من رسول اللّه

أخرج البخاري في صحيحه، عن محمد بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: استأذن عمر بن الخطاب على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعنده نسوة من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر بن الخطاب قمنَ فبادرن الحجاب، فأذن له رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل عمر ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يضحك.

فقال عمر: أضحك اللّه سنَّك يا رسول اللّه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

عجبت من هوَلاء اللاتي كنَّ عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب، فقال عمر: فأنت أحقّ أن يهبن يا رسول اللّه، ثمّ قال عمر: يا عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبنَ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! فقلن: نعم، أنت أفظُّ وأغلظ من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «اِيهاً يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً قطّ إلاّ سلك فجّاً غير فجِّك».(۵۱)

وثمة شكوك تحوم حول تلك الرواية:

أوّلاً: انّ ظاهر الرواية انّ النبي اجتمع مع نسوة من قريش وهنّ أجنبيات من دون أن يضرب ساتر بينهما، وهذا لا يليق بأن ينسب إلى موَمن فضلاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ويعلم ذلك من خلال بيان أمرين:

الاَمر الاَوّل: انّ التعبير بقوله: «وعنده نسوة من قريش» يعرب انّفيهنّ أجنبيات عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإلاّ فلو كان المراد زوجاته لكان اللازم التعبير بالزوجات لا بنسوة من قريش.

على أنّ بعض زوجاته (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكنَّ من قريش فمثل ميمونة بنت حُييّ بن أخطب كانت يهودية فأسلمت، ومارية القبطية أهديت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنجبت له إبراهيم.

وقوله يستكثرنه بمعنى انّهنّ يكثرن الكلام عنده لا أنّهن يطلبن نفقة كثيرة.

الاَمر الثاني: انّ الاجتماع كان بعد نزول آية الحجاب، بشهادة انهن ابتدرن للحجاب عندما أقبل عليهنّ عمر بن الخطاب.

ولازم هذين الاَمرين أن يجتمع النبي مع نساء أجنبيات دون أن يضرب ساتر بينهما.

ثانياً: انّ لازم صحّة الخبر أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ والعياذ باللّه ـ فظاً غليظ القلب وإن كان أقلّ من فظاظة عمر، مع أنّه سبحانه ينفي عنه هذه التهمة، قال سبحانه: (وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(آل عمران/۱۵۹) إلاّ أن يحمل على جهل النسوة بحال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورأفته.

ثالثاً: انّ ظاهر قوله: إيهاً يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً فجّاً قط إلاّسلك فجّاً غير فجّك» يدل على عصمته وكونه من المخلَصين ودخوله في قوله سبحانه: (ولاَُغْويَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلاّعِبادكَ مِنْهُمُ المُخْلَصينَ) (الحجر/۳۹ـ۴۰).فالشيطان عندما يلتقي مع الاَنبياء لا يسلك فجّاً غير فجّهم بل يقابلهم فيوسوس إليهم: قال سبحانه: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطان قالَ يا آدَمُ) (طه/۱۲۰) ولكنّه عندما يلتقي مع عمر، يسلك فجّاً آخر، فهل يصحّ ذلك يا تُرى؟!

وثمّة رواية أُخرى عن جابر رواها مسلم ربما تكون قرينة على تفسير الحديث السابق.

روى مسلم، عن جابر بن عبد اللّه، قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجد الناس جلوساً ببابه لم يوَذن لاَحد منهم، قال: فأذن لاَبي بكر ودخل، ثمّ أقبل عمر فأستأذن فأذن له فوجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حوله نساوَه واجماً ساكتاً، قال: لاَقولنّ شيئاً أُضحك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال : يا رسول اللّه لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: هنّ حولي كما ترى يسألنني النفقة، فقام أبو بكر إلى عائشة : يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألنّرسول اللّه ما ليس عنده فقلن: واللّه لا نسأل رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهنَّ شهراً أو تسعاً وعشرين ثمّ نزلت إليه هذه الآية: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لاََزْواجِكَ ـ حتى بلغ ـ لِلْمُحْسناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) (الاَحزاب/۲۸ـ ۲۹).

فبدأ بعائشة وقال: يا عائشة إنّي أُريد أن أعرض عليك أمراً أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول اللّه؟فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول اللّه استشير أبويّ؟ بل أختار اللّهورسوله والدار الآخرة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألني امرأة منهنّ إلاّأخبرتها، انّاللّه لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسِّراً.(۵۲)

وعلى ضوء هذا الحديث يكون المراد من نساء قريش هو زوجاته ونساوَه، ولا يكون اجتماعه اجتماعاً مع أجنبيات، ولكنّه وإن رفع الاِشكال الاَوّل لكنّه زاد في الطين بلّة، لاَنّه يصرح بأنّ كلاً من الشيخين قاما ليجآ ويضربا بنتيهما (زوجتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) مع أنّهما كانتا تطلبان النفقة الواجبة التي عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشهادة قولهما: (فقلن واللّه لا نسأل رسول اللّه شيئاً أبداً ليس عنده) فعند ذلك كان سوَالهما سوَالاً شرعياً، وطعن الشيخين وضربهما أمراً غير مشروع بالمرة، إلاّ أن يكون تكلمهما وضربهما لاِيجاد السرور ورفع الحزن عن قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثمّ إنّه ليس فيما رواه مسلم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمر: إيهاً يا ابن الخطاب «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكاً... الخ » عين ولا أثر ولا أظن أحداً من المحدثين يتمسّك في المقام لاِثبات صحّة ما سقط في حديث مسلم بقاعدة «تقدم النقيصة على الزيادة وانّ القول بسقوط الزيادة عن رواية مسلم أولى من القول بأنّ الراوي أضاف من نفسه بلا وعي» فانّ تلك القاعدة إنّما تتمشى إذا لم تكن قرينة على العكس، فانّه من البعيد أن يقوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمدح عمر بن الخطاب وينساه الراوي، أو يمدحه وعنده من هو أفضل منه وأقدم منه إسلاماً، فانّ ذلك يعد نوع إهانة لاَبي بكر.

وعلى أيّة حال فالروايتان ـ على الرغم من رواية مسلم والبخاري لهما ـ لا يخلوان من إشكالات وتساوَلات، والنفس لا تسكن لما جاء فيهما.

۹. سوَال النبي من اللّه ثلاثاً

أخرج مسلم، عن عامر بن سعد، عن أبيه: انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مرّ بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه، ودعا ربّه طويلاً، ثمّ انصرف إلينا، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : سألت ربي ثلاثاً فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة، سألت ربّي أن لا يهلك أُمتي بالسَّنَةِ فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أُمّتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها.(۵۳)

هذا ما رواه مسلم عن سعد، ولكن روى الاِمام أحمد، عن معاذ بن جبل نفس الرواية بنحو آخر، قال: وجدت رسول اللّه قائماً يصلي، فقمت خلفه، فأطال الصلاة، فلما قضى الصلاة قال: قلت يا رسول اللّه لقد صليتَ صلاة طويلة؟ فقال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت اللّه عزّ وجلّثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أُمّتي غرقاً فأعطانيها، وسألته أن لا يُظهر عليهم عدواً ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردّها عليَّ.(۵۴)

فالنبي حسب رواية سعد سأل اللّه سبحانه الثلاثة التالية:

۱. أن لا يهلك أُمّته بالسّنة، والمراد بها المجاعة العامّة التي تعم الجميع، لا أن تصيب ناحية دون أُخرى.

۲. أن لا يهلكهم بالغرق.

۳. أن لا يجعل بأسهم بينهم.

ولكن الثلاثة التي سألها النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية معاذ بن جبل(۵۵)، عبارة عن الاَُمور التالية: ۱. أن لا يُظهر عليهم عدواً ليس منهم.

۲. أن لا يهلك أُمّته غرقاً.

۳. أن لا يجعل بأسهم بينهم.

فالحديثان يشتركان في الثاني والثالث دون الاَوّل.

وقد رواه مسلم أيضاً عن ثوبان بنحو آخر، قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّي سألت ربّي لاَُمّتي أن لا يهلكها بسَنَةٍ بعامّةٍ، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وانّ ربي قال: يا محمد إنّي إذا قضيت قضاء فإنّه لا يرد وإنّي أعطيتك لاَُمّتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أُسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتّى يكون بعضهم يهلك بعضاً و يسبي بعضهم بعضاً.(۵۶)

فقد جاء في هذا الحديث السوَالان المقضيان دون الثالث، كلّ ذلك يعرب عن اضطراب الحديث في النقل ولا يصحّ الاعتماد عليه.

ثمّ إنّ ثمة تساوَلات وهي:

۱. انّ النبي سأل أن لا يهلك أُمّته، فما هو المراد من هذا السوَال؟ أسأل أن لا يكون غلاء في صقع معين من نواحي الاَمصار الاِسلامية، أو المراد هو المجاعة العامة التي تُهلك الاَُمة من رأس؟

أمّا الاَوّل فلم يستجب دعاوَه، فما أكثر الغلاء في الاَقطار الاِسلامية لا سيما في العصر الحاضر .

وأمّا الثاني فالدعاء كان أمراً لغواً لاَنّه سبحانه وعد في الذكر الحكيم بقاء الاَُمّة الاِسلامية إلى يوم القيامة، قال سبحانه: (أَنَّ الاََرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُون) (الاَنبياء/۱۰۵) وقال سبحانه: (هُوَ الّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة/۳۳) وقال سبحانه: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاََرْضِكَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيئاً وَمَنْ كَفَر بَعْدَذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الفاسِقُونَ) (النور/۵۵).

۲. انّ السوَال الاَخير أي «لا يجعل بأسهم بينهم» من الاَدعية التي لا تستجاب أبداً، لاَنّه على خلاف السنن السائدة في الكون، و الاختلاف أمر طبيعي لكافة أبناء البشر، فكيف يطلب النبي من اللّه سبحانه أن لا يجعل بأسهم بينهم وهو القائل: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة وافترقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أُمّتي على ثلاث وسبعين فرقة؟

رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.(۵۷)

۱۰. اللّه ليس بأعور

أخرج أحمد في مسنده، عن داود بن عامر بن سعد بن مالك، عن أبيه، عن جدّه سعد انّه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّه لم يكن نبي إلاّ وصف الدجال لاَُمّته، ولاَصفنّه صفة لم يصفها أحد قبلي، انّه أعور و انّ اللّه عزّ وجلّ ليس بأعور.(۵۸)

هذا الحديث يثبت العضو للّه سبحانه، وانّ للّه عيناً، لكنّه ليس أعور، واللّه سبحانه أجلّ من التجسيم. وقد مرّ الكلام فيه عند دراسة أحاديث معاذ بن جبل.

۱۱. عبد اللّه بن سلام من أصحاب الجنّة

أخرج مسلم عن عامر بن سعد، قال سمعت أبي يقول: ما سمعت رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لحيٍّ يمشي انّه في الجنّة إلاّلعبد اللّه بن سلام.(۵۹)

إنّ أثر الوهن باد على هذا الخبر بوضوح لانطوائه على تناقض سافر للحديث التالي.

أخرج أبو داود في سننه، عن عبد الرحمان بن الاَخنس، انّه كان في المسجد فذكر رجل عليّاً (عليه السلام) فقام سعيد بن زيد، فقال: «أشهد على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) انّي سمعته وهو يقول عشرة في الجنّة: النبيّفي الجنة، وأبو بكر في الجنّة، وعمر في الجنّة، وعثمان في الجنّة، وعلي في الجنّة، وطلحة في الجنّة، والزبير بن العوام في الجنّة، وسعد بن مالك في الجنّة ، و عبد الرحمان بن عوف في الجنّة ولو شئت لسميت العاشر، قال: فقالوا: من هو؟ فسكت: قال: فقالوا: من هو؟ فقال: هو سعيد بن زيد.(۶۰)

وهذا التناقض بين الحديثين يجرّنا إلى القول بوضع أحد الحديثين أو كليهما، ومن البعيد أن لا يسمع سعد ما سمعه سعيد بن زيد من النبيّ في حقّ العشرة المبشرة بالجنة مع أنّه هو منهم.

أضف إلى ذلك أنّ لازم صحّة الخبر الاَوّل أن يصل عبد اللّه بن سلام اليهودي ـ الذي أسلم وبث طائفة كبيرة من الاِسرائيليات في أوساط المسلمين ـ مرتبة يتفوّق فيها على أكابر الصحابة وأعيانهم الذين ضحوا بنفسهم ونفيسهم في سبيل إعلاء كلمة اللّه.

ثمّ إنّ الذي يسيء الظن بصحة الحديث الثاني انّالناقل هو سعيد بن زيد وهو أحد تلك العشرة المبشرة.

وما أحسن ما يقال: «بأبي زوجة تمدحها أُمّها» وأقول: «بأبي راوٍ ينقل عن النبي انّه من أهل الجنّة».

إنّ طبيعة الحال تقتضي أن يدلي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله في حشد كبير، يحضره أكثر العشرة المبشرة بالجنة، لا أن يدلي بكلامه هذا أمام أحدهم خاصّة، ولا يبوح هو أيضاً بما سمعه إلاّ عندما رأى نيل الناس من عليٍّ (عليه السلام) وذكره بالسوء.

۱. أُسد الغابة: ۲/۲۹۰ـ ۲۹۲.

۲. سير اعلام النبلاء: ۱/۱۲۲.

۳. مَهْيَمْ: كلمةيمانية معناها ما أمرك وما شأنك.

۴. وقعة صفين، ابن مزاحم: ۶۱۹ـ ۶۲۰.

۵. صحيح مسلم: ۷/۱۲۰، باب من فضائل علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنه).

۶. هامش صحيح مسلم: مطبعة محمد علي صبيح، القاهرة.

۷. مسند أحمد: ۱/۱۷۵.

۸. صحيح مسلم: ۷/۱۲۰، باب فضائل علي بن أبي طالب. والآية ۶۱ من سورة آل عمران.

۹. تاريخ الطبري: ۳/۴۵۱.

۱۰. أي لا تقتله بل قل: لئن بسطت إليَّ يدك... الخ.

۱۱. سنن الترمذي: ۴/۴۸۶ برقم ۲۱۹۴؛ مسند أحمد: ۱/۱۸۵.

۱۲. لاحظ تاريخ الطبري : ۳/۴۵۲، وقد ذكر وجه إعراض قليل من الصحابة عن بيعة علي «عليه السلام» .

۱۳. سيرة أعلام النبلاء: ۱/۱۲۲، وحمراء الاَسد موضع على ثمانية أميال من المدينة على يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة، وإليها انتهى رسول اللّه في مطاردة المشركين يوم أُحد.

۱۴. سير أعلام النبلاء: ۱/۹۳و۱۲۴.

۱۵. المسند الجامع: ۶/۶۳ برقم ۲۳۹.

۱۶. سنن ابن ماجة: ۲/۱۳۰۰ برقم ۳۹۴۱.

۱۷. سنن الترمذي: ۳/۱۸۵ برقم ۸۲۳.

۱۸. صحيح البخاري: ۱/۴۷، باب المسح على الخفين؛ مسند أحمد: ۱/۱۵.

۱۹. سنن الدارمي: ۲/۱۳۳، باب النهي عن التبتل.

۲۰. صحيح مسلم: ۱/۵۷، باب بيان من رغب عن أبيه وهو يعلم من كتاب الاِيمان.

۲۱. سنن الترمذي: ۵/۱۱۱ برقم ۲۷۹۹. قوله «أراه» صيغة متكلم مجهول وهو قول الراوي: أي الذي فهمت من كلامه أنّه قال.

۲۲. سنن ابن ماجة: ۱/۷۷ برقم ۲۱۳.

۲۳. مسند أحمد: ۱/۱۸۴.

۲۴. سنن النسائي: ۶/۴۵.

۲۵. مسند أحمد: ۱/۱۸۴.

۲۶. مسند أحمد: ۱/۱۷۳.

۲۷. مسند حميد برقم ۱۴۹؛ فضائل الصحابة للنسائي برقم ۱۱۹.

۲۸. مسند أحمد: ۱/۱۸۴.

۲۹. صحيح مسلم: ۳/۳۹، باب حجّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۳۰. سنن النسائي: ۵/۲۷۵، باب عدد الحصى التي يرمى بها الجمار.

۳۱. صحيح مسلم: ۳/۴۲، باب حجّة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

۳۲. سنن النسائي: ۵/۲۷۵، باب التكبير مع كلّحصاة.

۳۳. سنن أبي داود: ۳/۱۹ برقم ۳۹۲۱.

۳۴. مسند أحمد: ۱/۱۸۰و۱۸۶.

۳۵. مسند أحمد: ۱/۱۸۰و۱۸۶.

۳۶. مسند أحمد: ۳/۱۲۸، ۱۹۹، ۲۸۵.

۳۷. صحيح مسلم: ۴/۱۸۷، باب استحباب نكاح البكر.

۳۸. الحراني، تحف العقول: ۴۸۲ـ ۴۸۳ بتلخيص.وسنوافيك عند دراسة أحاديث أبي هريرة انّ عائشة كذبت أمثال هذه الرواية ، لاحظ ص ۳۰۸.

۳۹. صحيح مسلم: ۷/۵۰، باب كتاب الشعر؛ سنن الترمذي: ۵/۱۴۱ برقم ۲۸۵۲ ؛ مسند أحمد: ۱/۱۷۵ وفيه (حتى يريه) بدل يريه.

۴۰. الشعر والشعراء، ابن قتيبة، ص ۶۲ كما في الغدير: ۲/۴.

۴۱. مستدرك الحاكم:۳/۵۸۲.

۴۲. الفصول المختارة: ۲۳۶.

۴۳. صحيح البخاري: ۵/۲۲، باب مناقب سعد.

۴۴. الحاكم، المستدرك: ۳/۱۳۶ وصححه تاريخ بغداد: ۲/۸۱.

۴۵. تاريخ الطبري: ۲/۲۱۶ وللحديث مصادر كثيرة اكتفينا بما ذكر.

۴۶. المعرفة:۲۲.

۴۷. الاستيعاب: ۲/۴۵۷.

۴۸. الامتاع: ۴۲.

۴۹. أُسد الغابة: ۳/۴۱۴ـ ۴۱۵؛ ورواه النسائي في خصائصه: ۳؛ ولاحظ الاستيعاب: ۲/۵۵۹. وكان النبي يصلّي إلى الكعبة قبل الهجرة و إنّما صلّى إلى بيت المقدس في المدينة بعدها إلى سبعة عشر شهراً.

۵۰. سنن أبي داود: ۳/۹۰ برقم ۲۷۷۵.

۵۱. صحيح البخاري: ۵/۱۱، باب مناقب عمر.ونقله مسلم في صحيحه:۷/۱۱۵ باب فضائل عمر.

۵۲. صحيح مسلم: ۴/۱۸۷، باب تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلاّ بالنية.

۵۳. صحيح مسلم: ۸/۱۷۱ـ۱۷۲، باب هلاك هذه الاَُمّة بعضهم ببعض.

۵۴. مسند أحمد: ۶/۳۱۷.

۵۵. لاحظ ص ۸۶.

۵۶. صحيح مسلم: ۸/۱۷۱، باب هلاك هذه الاَُمّة بعضهم ببعض.

۵۷. المستدرك على الصحيحين: ۱/۱۲۸، وقد أشبعنا الكلام في هذا الموضوع عند دراسة أحاديث معاذ بن جبل، فلاحظ.

۵۸. مسند أحمد: ۱/۱۷۶.

۵۹. صحيح مسلم : ۷/۱۶۰، باب فضائل عبد اللّه بن سلام؛ و أخرجه أيضاً البخاري: ۵/۳۷، باب مناقب عبد اللّه بن سلام.

۶۰. سنن أبي داود: ۴/۲۱۱ برقم ۴۶۴۹.