شرح حديث «نية المؤمن خير من عمله» - الصفحه 334

المنافية لذلك المضادة له] ۱ ؛ فإن النفس إنما تنبعث إلى الفعل وتقصده وتميل إليه تحصيلاً للغرض الملائم لها بحسب ما يغلب عليها من الصفات ، فإذا غلب على قلب المدرّس مثلاً حب الشهوات ۲ وإظهار الفضيلة وإقبال الطلبة عليه وانقيادهم إليه ، فلا يتمكن من التدريس بنية التقرب إلى اللّه سبحانه بنشر العلم وإرشاد الجاهلين ، بل لا يكون تدريسه إلا لتحصيل تلك المقاصد الواهية والأغراض الفاسدة وإن قال بلسانه : «اُدرّس قربة إلى اللّه » وتصوّر ذلك بقلبه وأثبته في ضميره ، ومادام لم يقلع تلك الصفات الذميمة من قلبه لا عبرة بنيته أصلاً .
وكذا إذا كان قلبك عند نية الصلاة منهمكا في اُمور الدنيا والتهالك عليها والانبعاث في طلبها ، فلا يتيسر لك توجيهه بكلّيته إلى الصلاة وتحصيل الميل الصادق إليها والإقبال الحقيقي عليها ، بل يكون دخولك فيها دخول متكلّف بها متبرّم ۳ بها ويكون قولك : أصلّي قربة إلى اللّه كقول الشبعان : «أشتهي الطعام» وقول الفارغ : «أعشق فلانا» مثلاً .
والحاصل أنه لا تحصل لك النية الكاملة المعتد بها في العبادات من دون ذلك الميل والإقبال ، وقمع ما يضاده من الصوارف والأشغال ، وهو لا يتيسر إلاّ إذا صرفت قلبك عن الأمور الدنيوية ، وطهّرت نفسك عن الأمور ۴ الذميمة ، وقطعت نظرك عن حظوظك العاجلة بالكلية .
ومن هنا يظهر أن النية أشق من العمل بكثير فتكون أفضل منه ، ويتبين لك أن قوله صلى الله عليه و آله : أفضل الأعمال أحمزها ، غير منافٍ لقوله صلى الله عليه و آله : نية المؤمن خير من عمله ، بل هو كالمؤكِّد والمقرِّر له ، واللّه ولي التوفيق . ۵
انتهى كلامه أعلى اللّه مقامه .

[التنقيب حول كلام الشيخ البهائي]

ولا يخفى أن ما ذكره الشهيد رحمه الله اشتمل على ما ذكره البهائي وزيادة ، سوى الوجه الرابع والثامن والتاسع ، فإنها ليست في كلام الشهيد ، فكأنه رحمه الله لم يذكر تلك الزيادة ؛ لزيادة بُعدها ولتكرر بعضها ، لكنه ذكر بدلها هذه الثلاثة ، فكأن هذه التسعة مرضية عنده إذ لم يذكر غيرها ، ولو يكون غيره ممّن تقدمه يذكر غيرها ممّا هو أقرب منها لذكره البتة .
وقد قال في عنوان نقلها : «بسط مقال لتوضيح حال» ، فينبغي أن يكون تلك الوجوه التسعة

1.أضفنا الزيادة من الأربعين بنسختيه .

2.في الأربعين ـ بكلا نسختيه ـ : «حب الشهرة» ، وهو أظهر .

3.الكلمة مشوشة ، قرأناها كذلك كما في نسختي الأربعين .

4.في الأربعين المخطوطة منه والحجرية : الصفات .

5.الأربعين للشيخ البهائي ، ص۳۱۲ ، ح۳۷ .

الصفحه من 346