113
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

واعلم أن أدنى ما كتمت ، وأخفّ ما احتملت ، أن آنست وحشة الظّالم ، وسهّلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت ، وإجابتك له حين دُعيت . فما أخوفني أن تَبُوء بإثمك غدا مع الخونة ، وأن تُسأل عما أخذت بإعانتك على ظلم الظلمة ، إنّك أخذت ما ليس لك ممّن أعطاك ، ودنوت ممّن لم يرد على أحد حقّا ، ولم تردَّ باطلاً حين أدناك ، وأحببت من حادّ اللّه . أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك ، جعلوك قُطبا أداروا بك رحا مظالمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلاياهم ، وسُلّما إلى ضلالتهم ، داعيا إلى غيّهم ، سالكا سبيلهم ، يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم ، فلم يبلغ أخصّ وزرائهم ، ولا أقوى أعوانهم ، إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ، واختلاف الخاصّة والعامّة إليهم ، فما أقلّ ما أعطوك في قدر ما أخذوا منك ، وما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا ، فكيف ما خرّبوا عليك ، فانظر لنفسك ، فإنّه لا ينظر لها غيرك ، وحاسبها حساب رجل مسؤول .
وانظر كيف شكرك لمن غذّاك بنعمه ، صغيرا كان أو كبيرا ، فما أخوفني أن تكون كما قال اللّه تعالى في كتابه : « فَخَلَفَ مِنم بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَـبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـذَا الأَْدْنَى وَ يَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا »۱ إنك لست في دار مُقام ، أنت في دار قد آذنتْ بالرحيل ، فما بقاء المرء بعد قرنائه ، طوبى لمن كان في الدنيا على وجل ، يا بُؤس لمن يموت ، وتبقى ذنوبه من بعده .
احذر فقد نُبّئت ، وبادر فقد أُجلّت ، إنّك تعامل من لا يجهل ، وإن الّذي يحفظ عليك لا يغفل ، تجهّز فقد دنا منك سفر بعيد ، وداوِ ذنبك فقد دخله سقم شديد ، ولا تحسب إنّي أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك ، لكنّي أردت أن ينعش اللّه ما فات من رأيك ، ويردّ إليك ما عَزُبَ ۲ من دينك ، وذكر قول اللّه تعالى

1.الأعراف : ۱۶۹ .

2.«عزب» : بَعُدَ وغاب .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
112

لا تخرجون من قدرة اللّه إلى غير قدرته ، وسيرى اللّه عملكم ثُمَّ إليه تحشرون ، فانتفعوا بالعظة ، وتأدّبوا بآداب الصالحين . ۱

(كتابه عليه السلام)

(إلى محمّد بن مسلم الزُّهري ۲ يعظه)

۰.كفانا اللّه وإيّاك من الفتن ، ورحمك من النّار ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك بها أن يرحمك ، فقد أثقلتك نعم اللّه بما أصحّ من بدنك ، وأطال من عمرك ، وقامت عليك حجج اللّه بما حَمّلك من كتابه ، وفقّهك فيه من دينه ، وعرّفك من سنة نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، فرضى ۳ لك في كلّ نعمة أنعم بها عليك ، وفي كلّ حجّة احتجّ بها عليك الفرض بما قضى ، فما قضى إلاّ ابتلى شكرك في ذلك ، وأبدى فيك فضله عليك ، فقال تعالى : « لَـلـءِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَـلـءِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ » .۴
فانظر أيّ رجل تكون غدا إذا وقفت بين يدي اللّه ، فسألك عن نعمه عليك كيف رعيتها ، وعن حججه عليك كيف قضيتها ، ولا تحسبنَّ اللّه قابلاً منك بالتعذير ، وراضيامنك بالتقصير ، هيهات هيهات! ليس كذلك ، أخذ على العلماء في كتابه إذ قال تعالى : « لَتُبَيِّنُنَّهُو لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ و » .۵

1.الأمالي ، المفيد ، ص۲۰۰ ؛ الكافي ، ج۸ ، ص۱۵ ؛ تحف العقول ، ص۲۵۲ .

2.الزُهرى بالضم والسكون الفقيه التابعى المدنى ، وقد ذكره علماء الجمهور واثنوا عليه كما في الكنى والقاب ج ۲ ص ۲۷ ط صيدا للمحدث القمى ، وامّا علماؤنا فقد ضعّفوه ولم يقيموا له وزنا ، ويقول الحائرى في منتهى المقال في ترجمته : لا ريب في عداوته ونصبه لامير المؤمنين عليه السلام وقال المقرّم في الإمام زين العابدين عليه السلامومن جميع ما تقدم جزم شيخنا المامقانى في التنقيح بتلوّنه وعدم استقامة رأيه ، ولد سنة ۵۸ وتوفي سنة ۱۲۰۴ .

3.في نسخةٍ : «وفرض» .

4.إبراهيم : ۷ .

5.آل عمران : ۱۸۷ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227404
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي