157
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

ومن الثالث؟ قال : لا تصحبنّ كاذبا ، فإنّه بمنزلة السراب يُبعّد منك القريب ، ويقرّب منك البعيد . قال : قلت : ومَن الرابع؟ قال : لا تصحبنّ أحمقا ، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك . قال : قلت : ومن الخامس؟ قال : لا تصحبنَّ قاطع رحم ، فإنّي وجدته ملعونا في كتاب اللّه في ثلاثة مواضع . ۱
أقول : والمواضع الثلاثة هذه :
أ ـ في سورة محمّد الآية «22» : « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَـلـءِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمَى أَبْصَـرَهُمْ » .
ب ـ في سورة الرعد الآية «25» : « وَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنم بَعْدِ مِيثَـقِهِى وَ يَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِى أَن يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُوْلَـلـءِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ » .
ج ـ في سورة البقرة الآية «27» : « الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنم بَعْدِ مِيثَـقِهِى وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِى أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الْأَرْضِ أُوْلَـلـءِكَ هُمُ الْخَـسِرُونَ».۲

۴۰.وجاء رجل إلى عليّ بن الحسين يشكو إليه حاجة .
فقال عليه السلام :
مسكين ابن آدم ! له في كلّ يوم ثلاث مصائب ، لايعتبر بواحدة منهن ، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا . فأمّا المصيبة الأُولى : فاليوم الّذي ينقص من عمره . قال : وإن ناله نقصان في ماله اغتمّ به ، والدرهم يخلف ، والعمر لا يردّه ۳ . والثانية : إنّه يستوفي رزقه ، فإن كان حلالاً حوسب به ، وإن كان

1.الفصول المهمّة ، ص۱۸۷ ؛ كشف الغمة ، ج۲ ، ص۱۲۱ ؛ بحار الأنوار ، ج۷۸ ، ص۱۸۵.

2.وقال المجلسي رحمه الله : وقوله عليه السلام : وجدته معلونا في ثلاثة مواضع : اللعن في الآية الأُولى والثانية ظاهر ، وأما الثالثة فلاستلزام الخسران ... ، اللعن والبعد من رحمة اللّه ، واللّه سبحانه في أكثر القرآن وصف الكفار بالخسران . (بحار الأنوار ، ج ۷۱ ، ص ۲۱۱)

3.وقد أخذ من هذه الجملة «أبو بكر بن عياش الخياط الأسدي» من علماء الحديث في القرن الثاني حيث قال : «مسكين محب الدنيا! يسقط منه درهم فيظل نهاره يقول : إنا للّه وإنا إليه راجعون ، وينقص عمره ودينه ولا يحزن عليهما» . اُنظر هدية الأحباب للقمّي .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
156

أو حفرة من حفر النار . ثُمَّ أقبل على رجل من جلسائه فقال له : لقد علم ساكن السماء ساكن الجنة من ساكن النار ، فأيّ الرجلين أنت؟ وأيّ الدارين دارك؟ ۱

۳۸.وجاء إليه رجل وقال :أنا رجل عاصٍ ، ولا أصبر على المعصية! فعظني بموعظة .
فقال عليه السلام : افْعَلْ خمسةَ أشياء واذْنِب ما شئت ، فالأوّل : لا تأكل رزق اللّه واذنب ما شئت ، والثاني: اخرج من ولاية اللّه واذنب ما شئت، والثالث : اطلب موضعا لا يراك اللّه واذنب ما شئت ، والرابع : إذا جاء ملك الموت لقبض روحك ، فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت ، والخامس : إذا أدخلك مالك في النار ، فلا تدخل في النّار واذنب ما شئت ! ۲
قلتُ : من خصائص اللغة العربيّة وسننها هو فعل ظاهره أمر ، وباطنه زجر مثل : إذا لم تستحِ فافعل ، وفي الحديث : «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت» ۳ ، وفي القرآن : « اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ »۴ ، وأيضا فيه : «ومن شاء منكم فليكفر» . وكذلك قول الإمام عليه السلام : «افعل خمسة أشياء» ... الخ . ۵

۳۹.وقال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام: أوصاني أبي فقال عليه السلام :
يا بنيّ لا تصحبن خمسة ، ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق ، فقلت : ـ جعلت فداك! ـ يا أبت من هؤلاء الخمسة؟ قال : لا تصحبنّ فاسقا فإنّه يبيعك بأكلة فما دونها . فقلت : وما دونها؟ قال : يطمع فيها ثُمَّ لا ينالها . قلت : يا أبت ومن الثاني؟ قال : لا تصحبنّ بخيلاً ، فإنّه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه . قلت :

1.الخصال ، ص۱۱۹ ؛ الغايات ، ص۲۲۹ ؛ بحار الأنوار ، ج۶ ، ص۱۵۹.

2.جامع الأخبار ، ص۱۳۰ ؛ بحار الأنوار ، ج۷۸ ، ص۱۲۶.

3.نثر الدر ، ج ۱ ، ص ۲۰۷ ؛ نهج البلاغة ، الحكمة ۶۷ .

4.فصلت ، ۴۰ .

5.راجع فقه اللغة للثعالبي تجد كثيرا من الأمثلة .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227458
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي