21
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

اللّهمَّ فصلِّ على محمّد أمينك على وحيك ، ونجيبك من خلقك ، وصفيّك من عبادك ، إمام الرحمة ، وقائد الخير ، ومفتاح البركة ، كما نصب لأمرك نفسه ، وَعَرّضَ فيك للمكروه بدنه ، وكاشف في الدعاء إليك حامّته ۱ ، وحارب في رضاك أسرته ، وقطع في إحياء دينك رحمه ، وأقصى الأدنين على جحودهم ، وقرّب الأقصين على استجابتهم لك ، ووالى فيك الأبعدين ، وعادى فيك الأقربين ، وأدأب نفسه في تبليغ رسالتكَ وأتعبها بالدعاء ۲ إلى ملتكَ ، وشغلها بالنّصح لأهل دعوتك ، وهاجر إلى بلاد الغربة ، ومحل النّأي عن موطن رحله ، وموضع رحله ومسقط رأسه ، ومأنس نفسه ، ارادةً منه لإعزاز دينك ، واستنصارا على أهل الكفر بك ، حتّى استتبَّ ۳ له ما حاول في أعدائك ، وأستتمَّ ما دبّر في أوليائك ، فنهد ۴ إليهم مستفتحا بعونك ، ومتقوّيا على ضعفه بنصرك ، فغزاهم في عُقر ديارهم ، وهجم عليهم في بُحبوحة قرارهم ، حتّى ظهر أمرك ، وعلت كلمتك ، ولو كره المشركون .
اللّهمَّ فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنّتك ، حتّى لا يُساوى في منزلةٍ ، ولا يُكافأ في مرتبةٍ ، ولا يوازيه لديك ملك مُقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، وَعَرِّفه في أهله الطاهرين، واُمّته المؤمنين من حسن الشفاعة أجلّ ما وعدته ، يا نافذ العِدَة، يا وافي القول ، يا مبدّل السيئات بأضعافها من الحسنات ، إنّكَ ذو الفضل العظيم . ۵

1.«حامة الرجل» : خاصته من أهله وولده .

2.في نسخةٍ : «في الدعاء» .

3.«استتبّ له الأمر» : أي استقام وتمّ ، قاله الزمخشري في أساس اللغة ، وقال ابن الأثير في النهاية في حديث الدعاء حتّى استتب له «ما حاول في أعدائك : أي استقام واستمر» .

4.«نهد» : أي ظهر وبرز من بابي نفع وقتل .

5.الصحيفة الكاملة السجادية ، ص ۲۲ ـ ۳۳ . نقل القندوزي في الينابيع شذرات ومقتطفات منه ، لاحظ : ينابيع المودّة ، ج۳ ، ص۴۱۲ .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
20

والحمد للّه الّذي دلّنا على التوبة الّتي لم نُفِدْها إلاّ من فضله فلو لم نَعْتَدِدْ من فضله إلاّ بها ، لقد حسن بلاؤه عندنا ، وجلّ إحسانه إلينا ، وجسم فضله علينا ، فما هكذا كانت سنّته في التّوبة لمن كان قبلنا ۱ ، لقد وضع عنّا ما لا طاقة لنا به ، ولم يكلّفنا إلاّ وسعا ، ولم يجشّمنا إلاّ يسرا ، ولم يدع لأحد منّا حجّةً ولا عُذرا ، فالهالك منّا مَن هلك عليه ، والسعيد منّا من رغب إليه .
والحمد للّه بكلّ ما حمده به أدنى ملائكته إليه ، وأكرم خليقته عليه ، وأرضى حامديه لديه ، حمدا يفضل سائر الحمد ، كفضل ربّنا على جميع خلقه ، ثُمَّ له الحمد مكان كلّ نعمة له علينا ، وعلى جميع عباده الماضين والباقين ، عدد ما أحاط به علمه من جميع الأشياء ، ومكان كلّ واحدة منها ، عددها أضعافا مضاعفة أبدا سرمدا إلى يوم القيامة ، حمدا لا منتهى لحدّه ولا حساب لعدده ، ولا مَبْلَغَ لغايته ، ولا انقطاع لأمده ، حمدا يكون وُصلة إلى طاعته وعفوه ، وسببا إلى رضوانه ، وذريعة إلى مغفرته ، وطريقا إلى جنّته ، وخفيرا ۲ من نقمته ، وأمنا من غضبه ، وظهيرا على طاعته ، وحاجزا عن معصيته ، وعونا على تأدية حقّه ووظائفه ، حمدا نسعد به في السعداء من أوليائه ، ونصير به في نظم الشهداء بسيوف أعدائه ، إنّه وليّ حميد .
و ۳ الحمد للّه الّذي مَنَّ علينا بمحمّد نبيّه صلى الله عليه و آله ، دون الاُمم الماضية ، والقرون السالفة ، بقدرته الّتي لا تعجز عن شيء وإن عظم ، ولا يفوتها شيء وإن لطف ، فختم بنا على جميع من ذرأ ۴ ، وجعلنا شهداء على مَن جحد ، وكثّرنا على مَن قلَّ .

1.المقصود : بنو إسرائيل ، الّذين كانت سنة اللّه تعالى لهم في التوبة قتل النفس لا الندم فقط ، كما جاء في القرآن الكريم .

2.«الخفير» : هو المجير والمحامي من باب ضرب .

3.من هنا شرع دعاء آخر ، جاء في المصدر بعنوان : وكان من دعائه عليه السلام بعد هذا التحميد في الصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

4.«ذرأ» : خَلَقَ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227329
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي