27
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

ءَاخَرِينَ » 1 ، وقال تعالى : « فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ » 2 ـ يعني يرهبون ـ وقال سبحانه : « لاَ تَرْكُضُواْ وَ ارْجِعُواْ إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَسَـكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْـئلُونَ » 3 ـ فلمّا أتاهم العذاب ـ « قَالُواْ يَـوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَــلِمِينَ * فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَلـهُمْ حَتَّى جَعَلْنَـهُمْ حَصِيدًا خَـمِدِينَ » . 4
وَايمِ اللّه ، إنّ هذه لعظة 5 لكم وتخويف إن اتّعظتم وخفتم ، ثُمَّ رجع إلى القول من اللّه في الكتاب على أهل المعاصي والذّنوب فقال عز و جل : « وَلَـلـءِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَـوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَــلِمِينَ » 6 ، فإن قلتم أيّها النّاس ، إنّ اللّه إنّما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذلك وهو يقول : « وَ نَضَعُ الْمَوَ زِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَـمَةِ فَلاَ تُظْـلَمُ نَفْسٌ شَيْـئا وَ إِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَ كَفَى بِنَا حَـسِبِينَ » 7 ؟
واعلموا عباد اللّه ، أنّ أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، ولا تنشر لهم الدواوين 8 ، وإنّما يحشرون إلى جهنّم زمرا 9 ، وإنّما نصب الموازين ، وَنشر الدواوين لأهل الاسلام ، فاتّقوا اللّه عباد اللّه ، واعلموا أنّ اللّه عز و جل لم يحبّ زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ، ولم يرغّبهم فيها وفي عاجل زهرتها ، وظاهر بهجتها ، وإنّما خلق الدنيا وخلق أهلها ، ليبلوهم فيها أيّهم أحسن عملاً لآخرته ،

1.الأنبياء : ۱۱ .

2.الأنبياء : ۱۲ .

3.الأنبياء : ۱۳ .

4.في بعض النسخ : «موعظة» .

5.الأنبياء : ۴۶ .

6.الأنبياء : ۴۷ .

7.«الدواوين» صحائف الأعمال .

8.أي : جماعات في تفرقة ، واحداتها زمر ، وهي الجماعة من الناس .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
26

وجده ، ومن كان من المؤمنين ، عمل في هذه الدنيا مثقال ذرّة من شرّ وجده .
فأحذروا أيّها النّاس من المعاصي والذنوب ، فقد نهاكم اللّه عنها ، وحذّركموها في الكتاب الصادق ، والبيان الناطق ، ولا تأمنوا مكر اللّه وتحذيره وتهديده عندما يدعوكم الشّيطان اللعين إليه ، من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا ، فإنّ اللّه عز و جل يقول : « إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـلـءِفٌ مِّنَ الشَّيْطَـنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ » 1 .
واشعروا قلوبكم خوف اللّه ، وتذكّروا ما قد وعدكم اللّه في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوّفكم اللّه من شديد العقاب ، فإنّه من خاف شيئا حذره ، ومن حذر شيئا نكله 2 ، ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا ، فتكونوا من الّذين مكروا السيئات ، وقد قال تعالى : « أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّـئاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِى تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ » 3 فاحذروا ما حذّركم اللّه ، واتّعظوا بما فعل بالظّلمة في كتابه ، ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما يوعد به القوم الظالمون في الكتاب 4 ، تاللّه لقد وعظتم بغيركم 5 ، وإنّ السعيد مَن وعظ بغيره ، ولقد أسمعكم اللّه في الكتاب ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال : « وَ كَمْ قَصَمْنَا 6 مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً » 7 ، وإنّما عنى بالقرية أهلها ، حيث يقول : « وَ أَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا

1.الأعراف : ۲۰۱ .

2.في بعض النسخ : «تركه» .

3.النحل : ۴۵ ـ ۴۷ .

4.في بعض النسخ : «بعض ما تواعد به القوم الظالمين» .

5.في بعض النسخ : «وعظكم اللّه في كتابه بغيركم» .

6.أي : حطّمناها وهشّمناها ، وذلك عبارة عن الهلاك ، يقال : «قصمت الشيء قصما» ، كسّره كسرا فيه انفصال .

7.الأنبياء : ۱۱ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227439
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي