63
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

(ومن دعائه عليه السلام)

(حين بلغه توجّه مُسرف بن عقبة ۱ إلى المدينة )

۰.رَبّ كم من نعمة أنعمت بها عليَّ قلّ لك عندها شكري ، وكم من بليّةٍ ابتليتني بها قلّ لك عندها صبري ، وكم من معصيةٍ أتيتها فسترتها ولم تفضحني ، فيا من قلّ عند نعمته شكري فلم يَحرمني ، ويا من قلّ عند بليّته ۲ صبري فلم يخذلني ، ويا من رآني على المعاصي فلم يَفْضحني ، يا ذا المعروف الّذي لا ينقضي أبدا ۳ ، ويا ذا النعماء الّتي لا تُحصى أمدا ۴ ، صلِّ اللّهمّ على محمّد وآل محمّد ، وبك أدْفَعُ في نحره ، وبك استعيذ من شرّه ، وادفع عنّي شرّه ، فإني أدْرَأُ ۵ بك في نحره ، وأستعيذ بك من شرّه .
فقدم مُسْرف بن عقبة المدينة ـ وكان يقال : إنّه لا يريد غير عليّ بن الحسين عليه السلام ـ فسلم منه ، وأكرمه وحباه ووصله . ۶

1.ذكر المؤرخون : إنّه كان رجلاً فاسقا فاجرا شريرا ، أمّره يزيد بن معاوية ـ لعنه اللّه ـ على الجيش الّذي أرسَلَه إلى المدينة لنهبها ، لمّا امتنعوا بيعته ، وقال له : إن ظفرت بهم فَأبِحها ثلاثة أيّام بما فيها من الرجال والنساء والأطفال والأموال والسلاح ، فإذا مضت ثلاثة أيّام فاكفِفْ عنهم ، ففعل ما أمره يزيد ، بل أسرف في ذلك حتّى سمّي ب «مسرف» من القتل والنهب وهتك الأعراض ، حتّى وُلد في المدينة من تلك الوقعة أربعة آلاف مولود ، لا يُعرف له أب ، وشدّوا الخيل إلى أساطين مسجد رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ويقول اليعقوبى في تاريخه ج ۲ ص ۲۵ : اباح حرم رسول اللّه صلى الله عليه و آله حتّى ولدت الابكار لا يعرف من اولدهنّ . قال الراوي : رأيت الخيل حول قبر النبيّ صلى الله عليه و آله . قال سعيد بن المسيّب : وكان السجّاد عليه السلام في تلك الأيّام على قلق ووجل ، وهو يأتي قبر رسول اللّه صلى الله عليه و آله ويدعو عنده ، وكنت أنا معه .

2.في بعض النسخ : «بلائه» .

3.في بعض النسخ: «ينقطع» .

4.في بعض النسخ : «عدداً» .

5.«ادرأ» : أي أدفع .

6.الصحيفة السجادية ، دعاء ۱۵۴ ؛ الإرشاد ، ج۲ ، ص۱۵۱ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ابن شهرآشوب ، ج۳ ، ص۳۰۲ ؛ شرح الأخبار ، ج ۳ ، ص ۲۷۴ ؛ كنز العمال ، ج۲ ، ص۶۶۲ ، ح۵۰۱۴ .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
62

فقال له عليّ بن الحسين عليه السلام : احفظ عليك لسانك ، تملك به إخوانك . قال الزُّهري : يا بن رسول اللّه ، إني أحسن إليهم بما يَبْدُرُ من كلامي .
قال عليّ بن الحسين عليه السلام : هيهات هيهات ، إيّاك أن تعجب من نفسك بذلك ، وإيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره ، وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كلّ من تسمعه شرّا يمكنك أن توّسعه عذرا .
ثُمَّ قال : يا زُهْرِيّ ، مَن لم يكن عقله من أكمل ما فيه ، كان هلاكه من أَيسر ما فيه . ثُمَّ قال : يا زهري ، أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك ، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك ، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك ، وتجعل قربك منهم بمنزلة أخيك ، فأيّ هؤلاء أن تظلم ، وأيّ هؤلاء تحبّ أن تدعو عليه ، وأيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك ستره ، وإن عرض لك إبليس ـ لعنه اللّه ـ بأنّ لك فضلاً على أحد من أهل القبلة ، فانظر إن كان أكبر منك فقل : «قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح ، فهو خير منّي» ، وإن كان أصغر منك فقل : «قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير منّي» ، وإن كان تِرْبك ۱ فقل : «إنا على يقين من ذنبي ، وفي شكّ من أمره ، فما لي أدع يقيني لشكّي» ، وإن رأيت المسلمين يعظّمونك ويوقّرونك ويبجّلونك فقل : «هذا فضل أخذوا به ، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضا فقل : «هذا الذنب أحدثته» ، فإنّك إذا فعلت ذلك ، سهّل اللّه عليك عيشك ، وكثّر أصدقاءك ، وقلَّ أعداءك وفرحت بما يكون من برّهم ، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم .
واعلم إنّ أكرم الناس على الناس مَن كان خيره عليهم فايضا ، وكان عنهم مستغنيا متعفّفا ، وأكرم الناس من بعده عليهم من كان مستعففا ، وإن كان إليهم محتاجا ، فإنّما أهل الدنيا يتعقّبون الأموال ، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقّبونه ، كرُم عليهم ، ومن لم يزاحمهم فيها ، ومكّنهم من بعضها ، كان أعزّ وأكرم . ۲

1.«الترب» : جمع أتراب ، مَن وُلد معك في يوم واحد .

2.الاحتجاج ، ج۲ ، ص۵۱ ؛ تفسير الإمام العسكري ، ص۱۲ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227345
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي