85
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

وقد خلت من قبلكم الأمم .

أترجو نجاة من حياةٍ سقيمةٍوسهم المنايا للخليقة راشق۱
سرورك موصول بفقدان لذّةومن دون ما تهواه تأتي العوائق
وحبّك للدنيا غرور وباطلوفي ضمنها للراغبين البوائق۲
أفي الحياة طمع؟ أم إلى الخلود نزع؟ أم لما فات مرتجع؟ ورحى المنون دائرة ، وأفراسها غائرة ، وسطواتها قاهرة ، فقرّب الزاد ليوم المعاد ، ولا تتوطّ على غير مهاد ، وتعمّد للصواب ، وحقّق الجواب ، فلكل أجل كتاب : « يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِندَهُو أُمُّ الْكِتَـبِ »۳ .

فسوف تلاقي حاكما ليس عندهسوى العدل لا يخفى عليه المنافق
يميّز أفعال العباد بلطفهويظهر منه عند ذاك الحقائق
فمن حسنت أفعاله فهو فائزومن قبحت أفعاله فهو زاهق
أين السلف الماضون؟ والأهل والأقربون؟ والأوّلون والآخرون؟ والأنبياء والمرسلون؟ طَحَنْتهم واللّه المنون ، وتوالت عليهم السنون ، وفقدتهم العيون ، وإنّا إليهم لصائرون ، فإنّا للّه وإنا إليه راجعون .

إذا كان هذا نهج من كان قبلنافإنّا على آثارهم نتلاحق
فكن عالما إن سوف تدرك من مضىولو عصمتك الراسيات الشواهق۴
فما هذه دار المقامة فاعلمنولو عمّر الإنسان ماذرّ شارق۵

1.«رشقه بالسهم» : رماه .

2.«بأقه عليه» : الويل أصابه و فاجأه .

3.الرعد : ۳۹ .

4.«الرواسي الشواهق» : الجبال الثوابت المرتفعات .

5.«ذرّت الشمس» ـ بالتشديد ـ : اطلعت الشارق ، الشمس حين تشرق .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
84

(ومن كلام له عليه السلام)

(أيضا كان يناجي به ربّه تعالى)

۰.ويقول : قُل لِمَن قلّ عزاؤه ، وطال بكاؤه ، ودام عناؤه ، وبان صبره ، وتقسّم فكره ، والتبس عليه أمره من فقد الأولاد ، ومفارقة الآباء والأجداد ، والامتعاظ بشماتة الحُسّاد : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ » .۱
تَعزّ فكلٍّ لِلمنيّة ذائقوكلّ ابن أُنثى للحياة مفارق
فعمر الفتى للحادثات ذريئةتناهبه ساعاتها والدقائق
كذا تتفانى۲واحدٌ بعد واحدوتطرُقنا بالحادثات الطوارق
فحسِّن الأعمال ، وجمّل الأفعال ، وقصّر الآمال الطوّال ، فما عن سبيل المَنيّة مذهب ، ولا عن سيف الحِمام مهرب ، ولا إلى قصد النجاة مطلب .
فيا أيّها الإنسان المتسخّط على الزمان ، والدهر الخوّان ، مالكَ والخلود إلى دار الأحزان؟ والسكون إلى دار الهوان؟ وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن : « كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَ يَبْقَى وَجْهُ رَبِّـكَ ذُو الْجَلَـلِ وَ الاْءِكْرَامِ »۳ .

وفيمَ وحتّامَ الشكاية والرَّدىجموح۴لآجال البريّة لاحق
فكلّ ابن أُنثى هالكٌ وابن هالكلمن ضمّنته غربها والمشارق
فلابدّ من إدراك ما هو كائنولابدّ من إتيان ما هو سابق
فالشباب للهَرم ، والصحة للسّقم ، والوجود للعدم ، وكلّ حيّ لاشكّ مُخْتَرم ۵ ، بذلك جرى القلم على صفحة اللوح في القدم ، فما هذا التلهّف والنّدم؟!

1.الفجر : ۶ ـ ۷ .

2.في نسخة : «نتفانى» .

3.الرحمن : ۲۶ ـ ۲۷ .

4.«جمح الرّجل» : إذا ركب هواه .

5.اخترمته المنْية : اخذته .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227358
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي