95
بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)

(ومن خطبة له عليه السلام)

(ذمّ بها يزيد بن معاوية حين دخل عليه)

۰.وذلك لمّا قال له : كيف رأيت يا عليّ بن الحسين ؟ قال : رأيت ما قضاه اللّه عز و جلقبل أن يخلق السّماوات والأرض .
فشاور يزيد جلساءَه في أمره ، فأشاروا بقتله ، وقالوا له : لا نتّخذ من كَلْبِ سُوءٍ جرْوا!
فابتدر أبو محمّد الكلام ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثُمَّ قال : يا يزيد ، لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في موسى وهارون ، فإنّهم قالوا له : « أَرْجِهْ وَأَخَاهُ »۱ . وقد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ، ولهذا سبب .
فقال يزيد : وما السّبب؟ فقال عليه السلام : إنّ أولئك كانوا الرِّشْدَة ۲ ، وهؤلاء لغير رِشْدك . ولا يقتل الأنبياء وأولادهم إلاّ أولاد الأدعياء .
فأمسك يزيد مُطرقا . ۳

(ومن خطبة له عليه السلام)

(في الشام )

۰.وتجمع هذه الخطبة من فضائله ومناقبه ما لا تجمعها خطبة غيرها ، لمّا أمر يزيد بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ الحسين وأبيه عليّ عليهماالسلام ، فصعد الخطيب المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين عليهماالسلام ،

1.الأعراف : ۷ .

2.الرِّشْدَةُ بالفتح والكسر ثمّ السكون : ضدّ الزينة : يقال وُلد لرشدة .

3.إثبات الوصية ، ص ۱۸۲ .


بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
94

قال : فارتفعت أصوات الناس من كلّ ناحية بالبكاء والعويل ، وجعل يدعو بعضهم بعضا : «هلكتم وما تعلمون!» . فقال علي بن الحسين عليهماالسلام : رحم اللّه امرأً قبل نصيحتي ، وحفظ وصيتي في اللّه وفي رسوله ، وفي أهل بيته ، فإن لنا في رسول اللّه أُسوةٌ حسنة .
فقالوا بأجمعهم : نحن كلنا يا بن رسول اللّه ، سامعون مطيعون ، حافظون لدمائك غير زاهدين فيك ، ولا راغبين عنك ، فمرنا بأمرك رحمك اللّه ، فإنّا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، لنأخذه ترت وترتنا عمّن ظلمك وظلمنا ۱ ، وبرء منه .
فقال علي بن الحسين عليه السلام : هيهات هيهات أيّتها الغدرة المكرة! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل ، كلاّ ورب الراقصات ۲
إلى منى ، فإن الجرح لمّا يندمل ، قُتل أبي بالأمس وأهل بيته معه ولم يأَنس (فلم يُنْسِني) ثُكْلُ رسول اللّه ، وثُكل أبي وبني أبي ، وَوَجْدُه بينِ شق لهازمي ۳ ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغُصَصه تجري في فراش ۴ صدري ، ومسألتي ألاّ تكونوا لنا ولا علينا ، ثُمَّ قال :

لا غَرْوَ إن قُتل الحسين فشيخهقد كان خيرا من حسين وأكرما
فلا تفرحوا يا آل كوفان بالذيأصيب حسين كان ذلك أعظما
قتيلٌ بشط النهر نفسي فداؤهجزاء الّذي أرداه نارُ جهنما
ثُمَّ قال : رضينا منكم رأسا برأس ، فلا يوم لنا ، ولا يوم علينا . ۵

1.في نسخةٍ : بريئون ممّن ظلمك وظلمنا .

2.«الرّاقصات» : هي الأجمال ـ جمع جمل ـ التي تركض .

3.في نسخةٍ : ثُكْل أبي ووجده بين لهاتي .

4.«الفراش» : كلّ عظم رقيق يقال : «فراش»، وفراشة كسحاب وسحابة .

5.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۲۷ ؛ اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ۶۸ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ج ۳ ، ص ۳۸۲ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۱۳ .

  • نام منبع :
    بلاغة الامام علي بن الحسين (ع)
    المساعدون :
    الحائری، جعفر عباس
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1425 ق / 1383 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 227429
الصفحه من 336
طباعه  ارسل الي