321
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2

يكتب ابن أبي الحديد في هذا المضمار : «واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرِف حقيقة فضل أمير المؤمنين عليه السلام ، زعموا أنّ عمر كان أسوس منه ، وإن كان هو أعلم من عمر ، ثم زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً» . ۱
لكي لا يطول هذا الجزء من موسوعة الإمام أكثر ، نكل الجواب التفصيلي عمّا اُثير من نقدٍ حيال مواضع خاصّة من سياسة الإمام إلى موضعه المناسب من الموسوعة ، لنكتفي في هذا المجال بجواب عامّ يعالج جميع الانتقادات الَّتي اُثيرت حول منهجه أو الَّتي يمكن أن تُثار .
وجوهر هذا الجواب : أنّنا إذا أخذنا السياسة بمعنى أنّها أداة لحكم القلوب ، أو أنّها وسيلة لممارسة الحكم على أساس حقوق النّاس والاحتياجات الواقعيّة للمجتمع ؛ فإنّ عليّاً هو أعظم رجل سياسة في التأريخ بعد النبي صلى الله عليه و آله . أمّا إذا كانت السياسة بمعنى الوصول إلى الحكم وفرض السلطة على المجتمع بأيّ طريق ممكن ، فإنّ عليّاً عليه السلام ليس رجل سياسة أصلاً .
بديهي ، لا يعني ذلك أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن يعرف السياسة بهذا المعنى ، إنّما معناه أنّ التزامه بالأحكام الإلهيّة ؛ وتمسّكه بالقيم الأخلاقيّة أثنياه أن يكون سياسيّاً بهذا المعنى ، وإلّا فإنّ الإمام كان أعرف النّاس بألاعيب السياسة وحيلها اللامشروعة من أجل فرض السلطة ، كيف لا ، وهو الَّذي يقول : «لَولا أنَّ المَكر وَالخَديعَةَ فِي النّارِ لَكُنتُ أمكَرَ النّاسِ» .
كما يقول : «هَيهاتَ ، لَولَا التُّقى لَكُنتُ أدهَى العَرَبِ» .
وقوله عليه السلام : «وَاللّهِ ما مُعاوِيَةُ بِأَدهى مِنّي ، ولكِنَّهُ يَغدِرُ ويَفجُرُ ، ولَولا كَراهِيَّةُ الغَدرِ لَكُنتُ مِن أدهَى النّاسِ ، ولكِن كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ ، ولِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يُعرَفُ بِهِ يَومَ القِيامَةِ» .

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۰ ص۲۱۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
320

(3 )

دفاع عامّ عن كفاءة الإمام السياسيّة

إنّ من ينظر إلى السياسة بوصفها أداة للتسلّط على الاُمّة ، وليست مجرّد وسيلة للحكم على أساس الحقوق العامة للاُمّة واحتياجاتها الواقعيّة ، يظنّ أن بعض المواقف السياسيّة للإمام هي دليل عدم تأهّله السياسي وعدم كفاءته في هذا المجال ، ويزعم أنّ علياً رجل حرب وشجاعة ، وليس رجل سياسة !
من المواضع الَّتي تُغري هؤلاء بهذا الوهم بعض مواقف الإمام قبل بلوغه السلطة ، مثل موقفه في عمل الشورى السداسيّة الَّتي انتخبها عمر لتعيين الخليفة من بعده ، وعدد آخر من مواقفه السياسيّة بعد تسنّمه الحكم ، كعزله معاوية بداية خلافته .
فلو كان الإمام رجل سياسة ـ في منطق هؤلاء ـ لاستجاب إلى شرط عبد الرحمن بن عوف عندما اشترط لبيعته أن يعمل الإمام بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، ولا يضيّع الفرصة الَّتي واتته لتسنّم الخلافة ، حَتّى إذا ما استقرّت قواعد حكمه عمل بما يريد . وإلّا هل ترى أنّ عثمان الَّذي قبل شرط عبد الرحمن هذا قد وفّى به !
يُضيف هؤلاء : ولو أنّ عليّاً كان رجل سياسة لداهن خصومه بداية عهده بالحكم ، بالأخصّ طلحة والزبير ومعاوية ، واستجاب لرغائبهم مؤقّتاً ، حَتّى إذا ما استقرّ حكمه بادر لمواجهتهم والقضاء عليهم .
ليست قليلة مثل هذه المواقف في حياة الإمام السياسيّة ، حيث حال إصراره على التمسّك بالقيم الأخلاقيّة والإسلاميّة دون وصوله إلى السلطة ، أو أدّى إلى تضعيف قواعد حكمه .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج2
    المساعدون :
    الطباطبائي، السيد محمد كاظم؛ الطباطبائي نجاد، السيد محمود
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1427 ق / 1385 ش
    الطبعة :
    الثانية
عدد المشاهدين : 167298
الصفحه من 600
طباعه  ارسل الي